شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النخلة... أي بنيّ (3)
وما كتبه الدكتور عبد العزيز الخويطر عن النخلة، فيما يقترب من مئة صفحة، يحملني على أن ألتمس سبيلاً إلى الهرب، من بقية فصول الجزء الثاني من كتابه (أي بني). وقد يحسن بي ألاّ أخفي أني رجّحت أن الدكتور الخويطر، قد كرّس من وقته جانباً كبيراً لدراسة النخلة وحدها فضلاً عن هذه الفواكه التي يأخذ في الحديث عنها في الفصل الثاني من الكتاب بعنوان (مما تنبت الأرض)، الذي ألمح فيه أسماء مواقع في الحجاز، - وفي الطائف - خاصة، بَعُد عهدُنا بها، وبالطائف، بعد أن أقتحم بيوتنا، (مكيّف الهواء) بالتبريد فلم نعد نهرب من لهب (الجوزاء) وما يليها من فصول أو شهور الصيف، كالأسد والسرطان والسنبلة إلى الطائف، وإنما الهرب، حتى من الغرف المكيّفة، إلى أوروبا أو أميركا، حيث المطلب يتغير من (برودة الهواء)، التي يحققها هذا المكيّف على أحسن وجه في بيوتنا، إلى أنواع متنوعة من المتع التي تظل ميسورة وموفورة في تلك البلدان، ولا سبيل لوجودها، لا في المصايف ولا في المشاتي عندنا.
ولقد استوقفني الكثير من الذي عنى بالكتابة عنه. وعن النخلة بالذات، إلى حد جعلني أتساءل، كيف لا تطالب كلّيات الزراعة في جامعاتنا، بأن يمنحها الدكتور جانباً من وقته للحديث عن النخلة، مما لا أستبعد أن العلماء الذين يحاضرون في فنون الزراعة، يرحبون به - بل يتمنونه - ليدرك طلابهم من أبنائنا، هذه العلاقة الحميمة - أو التي ينبغي أن تكون حميمة - بينهم وبين النخلة... وهي (العمّة) كما طاب للدكتور أن يسميها. وأن لا يفوته الدعاء بأن يبقيها الله لنا وأن يكثر من أمثالها، وأن يحسّن نسلَها.
والعلماء في كليات الزراعة، يعجبهم دون شك، أن يسمعوا من الدكتور أن (النخل قبائل وأفخاذ، وعوائل وأفراد، تنضوي مجموعة تحت مسمى ((نوابع))، وهي أحسنها، ومجموعة تحت اسم ((السلّج)) وثالثة تحت اسم ((الدقل)). ونجد في الهامش أن (أبا حنيفة الدينوري في مؤلّفه - كتاب النبات - ذكر أن كل ما لا يعرف اسمه من التمر فهو ((دقل)) واحدته ((دقلة)). ومع تقديري لعلم العلماء في كليات الزراعة في جامعاتنا، فإني أستبعد أن تكون لهم هذه العناية بمعرفة أسماء قبائل وأفخاد النخل، وعلى الأخص، حين يصنّف الدكتور مراحل أهل التمر، فيقول: (بعضها يؤكل خرافاً بسراً ومنصّفاً أو رطباً.. يؤكل طريًّا أو يكنز في الثلاجات أو مضغوطاً، وبعضها لا يؤكل إلا منصّفاً أو رطباً)... ثم يمضي، في بيان أفضل ما له من الاستعمال (أن يكنز... بعضه أحمر... وبعضه أصفر... بعضه الرطب منه أقرب إلى الاحمرار، وبعضه إلى السواد... بعضه يكاد يكون أحلى من العسل... وبعضه حلاوته موزونة... بعضه حجمه كبير وبعضه حجمه صغير... بعضه نواته صغيرة، وآخر نواته كبيرة... بعضه نواته طويلة. وبعضه نواته قصيرة.
ثم عن النخلة، أنها كانت في الماضي رئيسة في حياة الناس. لأن غذاءهم الرئيسي فيها... الوجبة المؤكدة في اليوم هي وجبة التمر، وما قد يأتي بجانبها من ماء أو لبن وقد يصحبها (عند الموسرين) ((خبز وزبد)). تقدم في وقت الموسم رطباً جنياً طازجاً... وتقدم في غيره ممّا هو مخزون بطرق مختلفة.
وعن هذه الطرق المختلفة نجد معلومات، تدخل في باب العلم الذي لا يعرفه إلاّ المتخصصون وبهذه الأسماء لأوعية الكنز مثل (الجصّة) التي يصفها المؤلف، وصف خبير ببنائها ومواد هذا البناء. ولا يفرغ مخزون هذه المعلومات لدى الدكتور، فهو حين يذكر أنها ((مباركة)) أو أنها كلها ((بركة)) يأخذ في شرح خصائص تكوينها، إذ ليس فيها شيء لا يستفاد منه... فهنا الجذع الذي يستعمل لأغراض متعددة، منها الأبواب للبوابات الخارجية التي لا تحتاج إلى زبرقة وتجميل... ثم (الجذمار) أو (الرمح) ويزيدك غموضاً تكتشف به عمق جهلك (بالعمة) حين تجد أن هذا الجذمار هو ((العسيب)) والأدوار التي يلعبها ومنها أنه يستعمل ((عصا)) يساق بها الحيوان، وقد يساق بها الإنسان، إذ هي أداة المعلم في الكتّاب.
ويستطرف الدكتور، فيقص علينا قصة قريب يدرس عند معلّم في أحد هذه الكتاتيب. وقد ملأ هذا القريب سواعده (بالقداح).
وهذا القداح لم أسمع به قط، ولا وجود له في حواضر الحجاز على الأرجح. وللقارئ أن يرجع إلى الصفحات من ((32)) إلى الصفحة ((37)) إذ هو مما يكاد يكون مجهولاً، في أكثر أقاليم المملكة... ولم يقل لنا الدكتور، هل لا يزال موجوداً، يمارسه الصبية رغم ما فيه من ألم وإيلام.
وبعد.
فالكتاب بجزئيه، رحلة ممتعة، مع طبيعة هذه الأرض، وأهلها، وعاداتها، ونباتها وحيوانها، في الحواضر والمدن، وفي الصحراء، وفيه معلومات، قلت إنها تدخل في مفهوم العلم الذي لا يستغني عنه، حتى المتخصصون ولكنه أكثر من ضروري، لترسيخ الانتماء إلى هذه الأرض، وذلك فيما أعتقد من مسؤوليات التعليم في المراحل قبل الجامعة، ولولا أن الدكتور هو وزير المعارف، ويجد الحرج، والكلام الكثير لو أنه اقترح تقرير كتابه في مادة المطالعة، لولا ذلك، لرجوته، أن يفعل خدمة للجيل من أبنائنا في قضية انتمائهم إلى الأرض.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :628  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج