شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النخلة... أي بني (2)
وحين تستغرقني قراءة (حديث المجالس) في الجزء الثاني من كتاب معالي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر، أجد ذاكرتي، بل ومشاعري تعود بي إلى الأيام الأولى من معايشتي للحرف والكلمة، والأيام الأولى من هذه المعايشة، التي استمرت كل العمر، هي أيام الصبا، وأعني بها السنة الثالثة عشرة وما بعدها من العمر... إذ ما يرتفع بعد هذه السن، لا بد أن يُعد في سني وأيام الشباب.
في تلك الأيام، أهداني، الدكتور الأستاذ حسني الطاهر رحمه الله، كل مؤلّفات الأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي. وكأنّه أراد أن يخفّف من تعلُّقي بجبران خليل جبران، الذي كنت أدمن قراءة أعماله، وبلغ من تعلقي به أن أخذت أكتب رسائلَ ومقطوعاتٍ قصيرة، أقلد فيها جبران... ولن أنسى فرحتي بهذه المجموعة من كتب المنفلوطي، كما لن أنسى توجيه ذلك الصديق الدكتور حسني الطاهر، وقد كان مساعداً لمدير الصحة العام، وكنت مقيدَ أوراقٍ، لا أكاد أفرغ من عملي في قيد الأوراق أو كتابتها على الآلة الكاتبة حتى أنهمك، أو أعكف منهمكاً، إما في قراءة جبران أولاً، ثم المنفلوطي وإما في كتابة الرسائل والمقطوعات... وكان توجيه الدكتور حسني، أنه لا بأس بأن أقلِّد جبران فيما أكتب... ولكن عيب جبران أنه - مع جمال أسلوبه، وتحليق خياله وانطلاقه في عوالمه المسحورة الساحرة - عيبه أنه فقير في ألفاظ معانيه... تنقصه الجزالة والكلمة العربية الفصيحة المنتمية إلى التراث والأصالة... فإذا أدمنت قراءة المنفلوطي فإن ما أكتبه مقلداً جبران في خياله منطلقاً في أجوائه، سوف يُكسبني ما ينقص جبران، وهو اللغة أو الكلمة الفصيحة الجزلة. ثم ما أكثر ما ذَكر ونبَّه ونصح بأن ألتزم كواجب يومي قراءة القرآن الكريم، إذ لا وجود لكتاب في الدنيا يشع ويسطع بسر ومكنون الفصاحة في اللغة العربية مثل ما يشع ويسطع بهما في الكتاب الكريم.
ولعلّها اليوم مناسبة انتهزها لأذكر ذلك الصديق الكريم، ولأعترف أني مدين له بالتوجيه و((اليقظة الفكرية))، رغم أنه كان يكبرني بما لا يقل عن خمس وعشرين سنة... كان طبيباً ومساعداً لمدير الصحة العام، بينما كنت أنا يافعاً، أخطو خطواتي الأولى المتعثرة في طريق الحرف والكلمة... كان من تواضعه، أن يجلس إليّ ويأخذ في أحاديث شتى عن العلماء والفلاسفة وقادة الفكر، فيهز ذهني، ومداركي، بل كان يقرأ لي ما نقله عن الإنجليزية إلى العربية من شعر شيلي وكيتس وبايرون... كان هو نفسه عاشق شعر وفن وموسيقى، ولا أدري إن كان قد ترك مؤلفات بقلمه فيها الكثير مما لا أشك في أنه كان يبدعه... وحسبي اليوم أن أعيش هذه اللحظات مع ذكراه وأن أضرع إلى الله أن يتغمّده برحمته ورضوانه،وأن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يغفر لي انقطاعي عنه، بعد أن غمرتني الأيام بمشاغلها وهمومها.
قلتُ، أو استطردت، إلى هذه الذكرى البعيدة، بمناسبة (حديث المجالس) في كتاب الدكتور الخويطر، الذي أجد في أسلوبه وجزالة ألفاظه، وتسلّل معانيه إلى الذهن والنفس هذا التسلّل الدقيق الرقيق، ما ذكرني بتوجيه الدكتور حسني الطاهر، إلى العناية بجزالة اللفظ، وإشراقة الفصحى والحرص على أن أتخلّص مما سمّاه (عيباً) في لغة جبران خليل جبران، بقراءة كتب مصطفى لطفي المنفلوطي، التي أعتقد أن جيلنا في تلك الأيام، لم يكن يجد أفضل منها لتقويم الأسلوب، واللغة وحسن اختيار اللفظ لأداء المعنى.
ولا أعني بالطبع أن أسلوب الدكتور الخويطر، يشبه أسلوب المنفلوطي، أو أن في معانيه مشابه من معاني المنفلوطي، أو أنه متأثر به أي نوع من التأثر، وإنما الذي أعنيه هو العناية البالغة بجزالة اللفظ، والحرص الواضح على أن يأتيك المعنى في إهابه العربي الأصيل.
ولنأخذ مثلاً من الصفحة الأولى في مقدمة هذا الجزء، عن (حديث المجالس)... حيث يقول: (لا يجدُّ بحيث يملُّه غيرُ الجاد... ولا يمعن في الهزْل فلا يجدُ فيه الجادُّ حصةً له... يحاول أن يكسب هذا، دون أن يفقد ذاك... همّه أن يرضي ويفيد).
ثم عن عدم ذكره مصادر بعض المعلومات - خاصة التراث في الأدب العربي في الجزء الأول يقول: (لعدة أسباب: أحدها أنني لم أرد أن ((أجفل الشباب)) بأن هذا كتاب علمي أكاديمي فتثقل (طينته) عليهم. ووضع المصادر في الهوامش يخرجه عن ((عفوية)) حديث المجالس... ثم يقول بعد التفاتةٍ في الماضي عن الاختلاف بين الجيلين: (هذا الجيل الراكض اللاهث هو الذي أخاطبه، ليقفَ ويلتفتَ خلفَه، ويرى ما كان عليه أبوه بمحيطه وآلاته، ومعداته، ودوابّه ومساكنه وعاداته، بأفراحه وأحزانه... بآلامه ومُتَعه... بوجدِه وعدمه... بتفكيره وانطباعاته... ويقارن بين ما كان والده عليه... وما هو نفسه عليه... ويقول لما حباه الله به (الحمد لله رب العالمين).
أما عن العمّة، وما يقرب من مئة صفحة عنها، في الجزء الثاني من (أي بني) فموعدنا كلمة تالية إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :648  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.