شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عن ذكريات ريتشارد نيكسن
ومن الذي يمكن أن يكون قد نسي، ريتشارد نيكسن الذي ربح انتخابات الرياسة الثانية للولايات المتحدة الأمريكية بأغلبية ساحقة مذهلة، ثم استهدفته الصحافة، وأخذت تغرز في عنقه، أشرس وأحدّ فكوك كمّاشاتها التي سلّحتها بها قضية اقتحام مقر الحزب الديمقراطي بأجهزة التصنّت، وهو المقر الذي وقف عملاقاً رهيباً في ساحات الرأي العام العالمي باسمه (ووترغيت). وانتهى أمر رئيس أمريكي، ربح الانتخابات - مرتين - بدون المألوف من مساعدات اليهود، إلى تلك النهاية المحزنة، وهي الخروج طريداً من البيت الأبيض، تسنده من الانهيار، أو السقوط على وجهه فيما أعده له أعداؤه من بحيرات الوحل، كلمة (العفو) التي أصدرها على مسؤوليته، وربما لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، الرئيس فورد، وهي التي استطاعت أن تحمي نيكسن، من المثول أمام القضاء، وأمامه ذلك الديناصور الرهيب، ليس فقط من قضية اقتحام سرّية اجتماعات الحزب الديموقراطي في مقره (ووترغيت) بل عشرات أو مئات من القضايا الوليدة، أو التي توالدت وتراكمت من هذه القضية، التي استطاعت الصحافة، أن تصنع منها أخطر حدث عالمي تتسلّل أخباره، ثم تتطور في كل مجتمع، بل في كل بيت، في طول العالم وعرضه.
وحمل عدد الأسبوع الماضي من مجلة (تايم)، أوسع تحقيق، أو تلخيص لذكريات أو مذكرات نيكسن بعنوان (لم أستطع أن أجد سبباً للحياة) يشرحه الناشر قائلاً -: (رئيس الولايات المتحدة السابق، يصف مأساة منفاه، وصراعه لاستعادة وجوده).
والتلخيص لكتاب تلقفته الأسواق ولا شك أنه سيلقى من الرواج، ما تستحقه مذكرات رئيس، إن كانت قضية (ووترغيت) قد أخرجته من البيت الأبيض... فإن علاقاته الدولية، الواسعة وإنجازاته السياسية التي كان الأوحد الذي استطاع أن يحققها رئيس أمريكي، ومنها استعادة العلاقة مع الصين الشيوعية، التي أدت إلى استعادة وجودها في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ثم تخفيف حدة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي بلقائه مع ذوي الأنياب الزرق، ثم ذلك الانسحاب من (سايجون) بهزيمة كانت هي وحدها السبيل إلى إنهاء تورط أميركا في حرب فيتنام... إن كل ذلك يدخل نيكسن في تاريخ أضخم الأحداث في القرن العشرين... لقد غادر سدة الرياسة، أو أرغم على مغادرتها، ولكنه كان قد هيأ لنفسه مقعده المتميّز المرموق في بهو عظماء التاريخ.
ولقد قضيت أكثر من أربع ساعات متقطعة في قراءة التحقيق، أو التلخيص للكتاب الذي تتلقفه الأسواق في العالم، واستوقفني، أكثر من تعبير عن مشاعره أو إصراره على أن يظل في حلبة الصراع، رغم ما عرف، وما تكشفه الأيام، بعد خروجه من البيت الأبيض من العناصر التي تتجمّع وتتكاثف، حوله ولا غرض لها إلاّ إغراقه في تلك البحيرات من الوحل... ومع أنه اليوم يدرج إلى الثامنة والثمانين من عمره، فإنك لا بد أن يدهشك وقوفه شامخاً مستعداً للمزيد من الصراع، ومن الحرص على البقاء... على الحياة... قوياً وفي نفس الوقت قادراً على أن يستفيد من هزائمه وأن يستثمر انتصاراته...
يقول إنه قد دفع ما بلغ مليوناً وثمانمئة ألف دولار - خلال ستة عشر عاماً، أجوراً للمحامين الذين كانوا يعالجون القضايا التي ما زالت تعيش في المحاكم، ومنها المحكمة العليا. وهو يعترف أن دخله من مرتّبه كرئيس سابق، وما يتبعه من مخصصات، يغطّي النفقات الضرورية، ثم يقول: (والآن... بعد أن التأمت جراح الجسد والروح، أصبحت مهيّأ للتصدي لأهم تحدٍّ واجهته، وهو ((شفاء الذِّهن))... وكان هذا هو العامل الحاسم في اتخاذي قرار كتابة ذكرياتي... ويضيف: إن التفرغ لكتابة هذه المذكرات قد حقق أغراضاً متعددة... إذ هي تزوّدني بجانب من الدخل الذي أحتاجه... وهي تَحَدٍّ ذهني ضخم يستلزم كل قدراتي في الإبداع... إن كتابة كتاب هو أكثر الممارسات التي تمنح الذهن القدرة على التركيز والإبداع... والأكثر أهمية، إنها تصدنا بالعلاج الذي نحتاجه للشفاء الروحي الكامل... بحيث أتيح لي أن أضع (ووترغيت) خلف ظهري.
وبعد فقد طلبت استيراد الكتاب من لندن، وسأفرغ لقراءة الكثير من فصوله... ولكن لا بد أن أقول إن التلخيص الذي قدمته مجلة تايم للكتاب، رائع، أتمنى أن يفرغ لقراءته المثقفون، والشيوخ منهم على الأخص. وهو في نفس الوقت قصير لا يستغرق أكثر من ساعتين في قراءة متأنيّة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :729  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.