شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كتب حكم لها الزمن
والزمن حين يحكم لكتاب فإنه بطبيعة الحال يحكم لمؤلّفه أو كاتبه، ولكن الظاهرة الشائعة، والتي ندر أن استوقفتْنا، هي أننا نتذكر وقد لا ننسى أبداً اسم الكتاب ولكن لو سئلنا عن اسم المؤلف، فإننا قد لا نتذّكره... أو نتذكّره بعد لحظات تردد وتفكير. والواقع أني لا أعرف لذلك سبباً معقولاً، مع أن المؤلف هو الذي عكفنا على دراسة كتابه أياماً وليالي، وقد نسجل له في كناشاتِنا تعبيراً استحق أن لا ينسى...
من هذه الكتب التي حكم لها الزمن، وقضى بحكمه الحاسم أن يظل الكتاب في مكانه الملحوظ بين الكتب في موضوعه، كتاب: (جمهرة رسائل العرب) وهو كتاب قيم يقع في أربعة مجلّدات، وفي كل مجلد ما يقرب من خمسمئة صفحة من القطع المتوسّط.
وكان مما اتفق لي أني كنت تلميذاً في القاهرة قبيل الحرب العالمية الثانية، ولم أكن أجد ما يعوّضني عن النزهة في مرابعها وملاهيها في شارع عماد الدين عندما تفرغ محفظتي من النقود - إلا ما يضمن سداد أجرة الغرفة ووجبتي الغداء والعشاء وفناجين القهوة التركي الثلاثة عندما استيقظ في الصباح، وبعد وجبة الغداء والأخيرة عند بدء السهرة مع الكتب... وما أكثر ما كان الجيب يفرغ... إلا من هذا القليل المحسوب بالمليم... كان ما يعوّضني عن النزهة هو الوقوف على بائعي الكتب القديمة في سور حديقة الأزبكية، أو الدخول في شارع الفجّالة حيث أجد المكاتب عامرةً بالجديد والقديم مما تقذف به المطابع.
وقد لفت نظري هذا الكتاب الضخم، ومجلّداً تجليداً إفرنجياً - كما كان يسمى - والذي شدّني إليه أنه (جمهرة رسائل) وليس بحثاً متخصصاً... وما دام رسائل، فلا بد أنه صالح لاستيعاب أساليب أولئك الذين كتبوها من فحول الرجال، والفحول في القديم، أمراء، وخلفاء، وقضاة وحكام... وزاد من تعلقي به أن المؤلّف ذكر في صفحة الغلاف أنه (جمهرة رسائل العرب في العصور الزاهرة)- والجزء الأول من هذه الرسائل: (في العصر الجاهلي... وعصر صدر الإسلام) وينتهي الجزء الرابع - وأعني المجلد الرابع - بالعصر العباسي الأول.
فأنا مع هذا الكتاب، أمام كنز من كنوز العربية لا يصح أن يفلت من يدي... وسألت عن الثمن فكان بأسعار تلك الأيام (باهظاً) وهو (120) قرشاً مصرياً. وهذا المبلغ يساوي جنيهاً ذهباً لأن الجنيه المصري كان أغلى من الجنيه الذهب... ورأى البائع دهشتي من جهة... وما لَمَح من إفلاسي من جهة أخرى... فقال: - (اعطني عشرين قرشاً اليوم) وأدفع الباقي أقساطاً في كل شهر عشرين قرشاً... وكان كرماً ما بعده كرم... قلت له: - (ولكنك لا تعرفني..) فقال: (من يفكر من شراء كتاب بهذا الثمن... لا بد أن يكون قادراً على السداد...) ولف الكتاب وحين تأبطتُه وانطلقت إلى مكتبي الصغير في الغرفة التي أسكنها، عكفت على قراءة رسالة هنا... وثانية هناك، وثالثة في المجلد الرابع... وازددت يقيناً أني ملكت كنزاً...
ولا يزال الكتاب في مكتبتي... ولكن أعجب ما يقع لي هو أني أنسى اسم مؤلفه الفاضل... بل العظيم الذي فرغ لجمع وتحقيق وتدقيق وشرح كل هذه الرسائل. ولا أدري كيف احتجت اليوم إلى مراجعة رسالة لعبد الله ابن المقفّع، سمّوها (اليتيمة) لأنها كما قال من نوّه عنها: (لأنها نهاية في المختار من الكلام وحسن التأليف والنظام) فرجّحت أني أجدها في هذه الجمهرة... ووجدتها فعلاً في الجزء الثالث بين رسائل العصر العباسي الأول.
وإذ قرأت الرسالة أو بعضاً منها طويت الكتاب دون أن أعني بقراءة اسم المؤلف... فكانت هذه الملاحظة أو الواقعة التي ربما لا ينجو منها طالب علم... رجعت إلى الكتاب لأجد أن المؤلّف هو الأستاذ (أحمد زكي صفوت - أستاذ اللغة العربية بدار العلوم...) والكتاب من مطبوعات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر).
فهذا كتاب حكم له الزمن... وجار عليه القارئ الذي يتناسى اسم المؤلف. وما أكثر ما يقع لنا ذلك، فنظلم المؤلفين العظماء... ونحن نستفيد بما سهروا عليه أياماً وليالي، بل شهوراً وسنين.
وبالمناسبة، فإن الدكتور زكي مبارك في كتابه (النثر الفني) الذي نال به مؤهل الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا... يقول: (ليس ابن المقفّع - الفارسي الأصل - أول كاتب نَثْر... كما يذهب كثير من متتبعي فن النثر في الأدب العربي.
وذلك موضوع آخر... قد تتاح فرصة للعودة إليه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :564  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.