شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مارد الحرية... في مواجهة الماوية
في مجلة دورية تصدر كل ثلاثة شهور من (تايبيه)، التي اصطلحنا على أن نسميها (الصين الوطنية)، لأن الصين الكبرى هي الصين (الشعبية)... في هذه المجلة التي تُهدى إليّ كلّما صدرت أعمال إبداعية منقولة إلى اللغة الإنجليزية من اللغة الصينية بينها الشعر، والقصة القصيرة والأخبار الأدبية في الصين الكبرى، وهي أخبار منتقاة طبعاً، تحاول المجلة أن تقول بها، إن في الصين اليوم أدباً لا يقل حيوية وقدرة على الإبداع، عن الأدب الصيني القديم الأصيل، الذي كثيراً ما نقل إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية، وكان له قراؤه المعجبون به بين المثقفين في هذه اللغات.
في آخر عدد من هذه المجلة مجموعة من الأعمال الإبداعية التي اشتعلت بها قرائح شعراء وكتاب بعد أعمال القمع التي صدرت أوامر السلطة، بأن يقوم رجال الشرطة، وجنود الجيش بممارستها على الطلبة، والأدباء، والصحفيين، ورجال الفكر، الذين كانوا يملأون ما يسمى (ميدان السلام السماوي) في بكين، مطالبين بالحرية والديموقراطية، ولكن دون أن يحملوا أسلحة، أو حتى هراوات، بل وبدون نداءات تدعو إلى الوصول إلى مطلبهم بأي عمل من أعمال العنف... بل وأكثر من ذلك، إنهم قد ملأوا ذلك الميدان، جالسين على أرضه أو واقفين، كأنهم ينتظرون استجابة السلطة، بوعد أو ببشرى تحقيق أمل طال انتظاره، منذ ارتفعت في الصين شعارات الشيوعية، كما فهمها وعمل على ترسيخها بالقوة والقهر وإراقة دماء مئات الألوف، ((ماوتسي تونج))، و((شوئن ليه))، ومع تلك الشعارات الحمراء، مبادئ (الثورة الثقافية) التي أعلنها ((ماو))، أو كما سمّوه (الشمس التي لا تغيب عن العيون) في عام 1966م. وكانت أغرب ثورة في التاريخ، إذ استهدفت تصفية العناصر البورجوازية والرجعية والمنحرفة، وتحت مظلة هذا الهدف، تمت تصفية المئات من أكابر المثقفين والعلماء. وأطلقت للغوغائية الجماهيرية حرية العمل، لاجتثاث كل ما ترى أنه رجعي بورجوازي، بما في ذلك إغلاق المعاهد والجامعات، بل واعتداء الطلبة على مدير جامعة بيكين ومساعديه وأعلام الأساتذة والمدرّسين... وبلغ ما يسمى (الحرس الأحمر) المسؤول عن ((حماية حمى الثورة)) ومبادئها أغرب تصرفاته، بإغلاق الجامعات والمدارس لتطهيرها من رواسب البورجوازية والرجعية لمدة عام كامل.
كان تجمّع عشرات الألوف أخيراً، ومطالبتهم بالحرية والديموقراطية، الدليل على أن كل ما عاناه الشعب الصيني من الاضطهاد والطغيان، بمخالب وأنياب الشيوعية الحمراء بالغرض المجنون لترسيخها في حياته، لم ينجح في سحق تطلع الشعب إلى الحرية والديموقراطية.
ورغم أن السلطة قد استطاعت، أن تفرق تلك الجموع الضخمة من الطلاب والنخبة من المثقفين، وأن تصل عمليات القمع، إلى قتل مئات، واعتقال ألوف، والحكم بإعدام عدد آخر من الذين اتهمتهم بإثارة الشغب أو مقاومة رجال الجيش والشرطة، فإن الأعمال الإبداعية، التي فاض بها وجدان الشعراء، تؤكد أن مارد الحرية، قد انطلق من أغلاله، في (ميدان السلام السماوي)... وأن النصر الذي حققته قوات الشرطة والجيش، في هذا الميدان على الطلاب والمثقفين، لن يعيد ذلك المارد إلى أغلاله، وأن الحرية والديموقراطية آتيتان، رغم كل ما سوف تواجهانه من العسف والجبروت والطغيان.
ولا يتسع مجال هذه الكلمة، لنقل نماذج من هذه الأعمال إلى العربية ولكن مما استوقفني ببلاغته العفوية البسيطة، التي تهامس أعماق الوجدان، قصيدة بقلم (سو شاولين) بعنوان: (قلب الديموقراطية) منها:
في ميدان السلام السماوي قلبُ
وقلب الديموقراطية
دماؤه، دماء الشعب... كل الشعب
يتدفَّق عبر الشريان الضخم في النهر الاصغر
يتدفَّق عبر الشريان الدقيق عبر نهر تامسوي
تدفّق... تدفّق... عبر الباب الرئيسي لهذا القلب
تدفّق... ليظل هذا القلب دائم الخفقان
* * *
ولكن... لمَ تُصوب البنادق إلى هذا القلب؟؟؟
لماذا تغمد الخناجر في هذا القلب؟؟؟
* * *
طوال سبعين عاماً، كان للصين قلبها
قلب الديموقراطية... في قلب كل صيني
الشعب الصيني في الصين، يقدّم دماءه
والصيني فيما وراء البحار... يقدم هذا الدم
فحافظوا على هذه الدماء... حافظوا عليها
لأن الباب الكبير لهذا القلب... لن يغلق أبداً... والديموقراطية لن تكف عن الخفقان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :741  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.