شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عبد الله بغدادي ))
ثم تحدث الأستاذ عبد الله بغدادي فقال:
- بسم الله.. والصلاة والسلام على رحمته التربوية المهداة والنعمة المسداة للعالمين. وحين انتقلت الإِنسانية إلى باب الرحمة الشاملة للكون كله, فانتقل العالم على هذا الكوكب الأرض من فصل الجدب والخريف, وسموم الجهل وحميمه إلـى فصل الربيع والأزهار والجنات التي تجري من تحتها الأنهار. وبعد: فالصالح عثمان ضيف المقصود من السابقين الأولين في صناعة التعليم في المملكة, ويصح لي أن ألقبه "بمربـي الجيل المعاصر".
 
- أبلى في إعداده بلاءاً حسناً, وله جولات متطورة فيه. بدأها منذ فجر حياته, وربيع عمره وريعانه, وزهرة شبابه وشرخه, وفي مسقط رأسه وملعب صباه وأُنْسِه.. مدينة المجمعة. وقبل نصف قرن من الزمان متنقلاً فيها وفي غيرها من بستان إلى بستان, متوغلاً في ممر الياسمين فوق قبب مُكوكبة بالزهر بالعناقيد المتدنية, تفوح بالشذى العبق ورائحة الورود في ليلة مولدها وحين قطافها, والزهرات تنمو على الطرق, يانعات والشجرات باسقات, طيورها مغردة, وفي ملاعب الدروس محلقة, في أجواء غامرة. عنان الحياة عليهم صبي كما قال أمير الشعر العربـي (1) :
كأنهم بسمات الحياة وأنفاس ريحانها الطيب
عصافير عند تهجي الدروس
مِهادٌ عرابيد في الملعب
كساهم بنان الصبا حلة
أعزّ من المخمل المذهب
وأبهى من الورد تحت الندى
إذا رف في فرعه الأهدب
 
- وفي مدينة المجمعة حيث ملاعب الصبا ومراتع الأنس, وحيث عذبت له الأغاني, وطابت فيها المغاني, وترقرقت في النفس الأماني. وحيث رق لحن الوتر وطاب الأنس والسمر, فكان الدرس الأول, وكـان هذا المربـي يلقي بمقدمات دروسه في مدرستها الأهلية, وبعد أن أخذ بها طلائع تعليمه فيها وتمكن من أن يتصدر لمهنة التدريس ويتصدى لصناعة التعليم. تمضي به الأيام ويسبقني هذا المربـي العملاق إلى صناعة التعليم لأكثر من عشر سنوات, بادئاً بمسقط الرأس ومتنقلاً من فنن إلى فنن, وعمره في طراوته, وعقله في نشوته.
 
- وفي العشرينات من عمره بدأ زحفه المبارك إلى ميدان التعليم, ومضى موغلاً في الدروب مقتحماً الطرق مفتتحاً المجاهل, سالكاً الهضاب والوهاد, والتهام والنجاد. وحين أنجد قال: إن الهوى نجدٌ.. وفوق شَقَائِق الرِياض, وفي معهدها العتيق معهد الأنجال, أو معهد العاصمة الذي جعل منه معلماً حضارياً مشعاً, يبني الإِنسان السعودي المعاصر الذي يرتاد الفضاء ويقتحم المجاهل, ويبني لأمته مجد الأوطان وعزة الحياة, وسلطان العلم.
 
- نعم لقد استوفى الصالح كتابه "في خدمة التعليم" بعد تطواف وتسياب, وبعد تحليق جناحاه في المطار العريض, وبعد جولة مباركة, وبعد أن استجاش عقله في الرؤى المتنأنقة, وتندت منه حسناوات جياد صابغات رافلات في الأسوة التربوية, والقدوة العلمية.
- ولعلني لا أكون من اللاهجين في المغالاة حين أقول أن الرجل كان من السابقين الأولين في اصطناع الطرائق والشرائح الثقافية التي تجافي الارتجال, والتي تعتمد على الخطة المدروسة, والفكر الدؤوب, والسهر الواصل, والفتح البادئ.
- لقد استجاش وفاؤه لصناعة التعليم ولأشرف رسالة وأصدق أمانة وأنبل غاية, علماً وتعليماً وعمق دراية. وكانت جياشته أعمالاً وضاءة, وأفعالاً وضاحة, وصنايع مفصاحة.
- وأذكر الصالح الآن بمقولة الإِمام أبي حامد الغزالي حين قال في رائعته التربوية الفقهية "إحياء علوم الدين": فمن عَلِم وعَلَّم فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت السماوات, فإنه كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة في نفسها, وكالمسك الذي يُطيِّب غيره وهو طيب, وكذبالة المصباح تضيء لغيرها وهي تحترق. ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً.
- وقد اشتغل الصالح بصناعة التعليم طيلة نصف قرن من الزمان. وإذا قلت إن التعليم صناعة فلأنه مَلَك المعرفة والدِربة والنصح, ومخزونه العلمي والتربوي رصيد ضخم في عالم الفكر التربوي, وتجاربه الإِنسانية والحضارية محصلة كبرى ناجحة. وإحسانه لهذه الصناعة أنه كان ماهراً في أدائها, متمكناً من أساليبها, محسناً عرض طرائفها للصغار كما أجادها للكبار, وهو يربـي صغاره التلاميذ كما يعلم كبارهم بالقدوة الحسنة, ويقودهم نحو سياسة مثلى في اعتناق الحقائق العليا في الأخلاق وسلوك سبيل الكفاح العلمي من أجل عزة الحياة.
- فما رغَّب أحداً منهم في فضيلة إلاّ كان إمامهم في التطبيق, ولا نفَّر من سيئة إلاَّ كان بعيداً عنها من قبل. فهو يدرك أن أكثر المتعلمين ينظرون إلى حال القائد وأكثرهم مقلدون. فالعلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار, وأرباب الأبصار أكثر من أرباب البصائر.
- لذلك كان التنافس في الخير بينهم بالغاً أقصاه, وكان التضامن يشد أزرهم ويقوي روابط الأخوة بينهم, فتفيض نفوسهم بالإِيثار, وتُفتح قلوبهم بالحب الصحيح. لا تلهيهم عن غاياتهم نزوات الشباب ولا يحجبهم عن برهان ربهم غرور الحياة.
- وقد ظل هذا المنهاج ثمرة من ثمار أعمال الصالح في صناعة التعليم, وهي صناعة كبرى في عصرنا وتحتاج إلى معرفة ودربة ولطف. فالتعليم الذي أحسن الصالح صناعته لا يعتمد على نقل المعلومات من عقل إلى عقل, كما تنقل السوائل عبر الأنابيب من إناء إلى آخر, ولا أن نملأ عقول الطلاب بمعلومات تتكدس وتتراكم. وبعد, فإن حسنات هذا المربـي الجليل في ميدان التعليم كُثرٌ لا تدخل في ميدان الحصر, وإحسانه لصناعة التعليم وإجادته فيها تعتبر أمثولة للمعلمين والمتعلمين. وجودته وتجويده ومجموع تجاربه يوثق بها, ويمكن للجيل المعاصر أن يستفيد منها على الساحة التعليمية.
- وأحسن الإِحسان لنا وأجوده قد جاءه الليلة من الإِنسان الكبير عبد المقصود خوجه, الذي يقدر أقـدار الرجال العاملين, ويعرف أفضال المخلصين. وقد مكنه الله من تجويد صناعة التكريم لأهل الفضل والعلم وبينهما رحم متصل كما يقول الإِمام الشافعي, فارتفع بذلك إلى مراتب الإِحسان, وتجاوز آفاق الشكران, ودخل بتكريمه للمعلمين والعلماء والأدباء والمفكرين من أهل الوطن العربـي كله, وفي صالونه الأدبـي باب الإِحسان الواسع, والجودة العالية, وتصدر صاعداً إلى القمم الشامخة ليرقى إلى مرتبة الشرف في تكريم رجال التربية والتعليم من أمثال الصالح عثمان, ومن قبل ومن بعد. وهو تكريم يرفع مرتبته إلى مصاف العظيم من الرجال, ولا يدانيه فيه تكريم ولا يساويه أحد من أهل المكرمات.
 
- فله مني أعظم الشرف وأسمى الفخار والذكرى الخالدة على مدى الأدهار وأذكر أنه أوصى على غاية التكريم, بالتكريم لرجل من كرام رجال العلم والأدب والتربية والتعليم في بلادنا.
أعلمتَ أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولاً () (2) ؟
فهو الذي يبني الطباع قويمة
وهو الذي يبني النفوس عدولاً (3)
ويقيم منطق كل أعوج منطق
ويريه رأياً في الأمور أصيلا
فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
لأولي البصائر منهم التفضيلا
وشكراً, والسلام عليكم ورحمة الله..
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :590  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 133
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.