شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صبغة الله (1)
قرأت في (منهلنا الأغر) الصادر في شهر جمادى الأولى سنة 1379هـ كلمة بعنوان (أصحاب الدنيا).. أورد فيها الكاتب قول أبي الطيب المتنبي:
-1-
ومن صحب الدنيا طويلاً تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
 
-2-
وأعقبه بقول تلميذه أبي العلاء المعري في نفس المعنى:
ومَنْ صحب الليالي علمتْهُ
خداعَ الألفِ.. والقيل المحالا
وغيرتِ الخطوبُ عليه حتى
تريه (الذَّرَ) يحملْنَ الجبالا
فليتَ شبابَ قومٍ كان شيباً
وليت صباهمو كان اكتهالا
* * *
وإحدى التأملات العابرة.. استوقفني ما قاله أبو العلاء في بيته الثاني:
وغيرتِ الخطوبُ عليه حتى
تريه (الذَّر) يحملنَ الجبالا
فأخذت أقارن بين الزمان الذي عاش فيه أبو العلاء.. وبين زماننا هذا.. إنه كان يرى من الخطوب أو تغييراتها أن يحمل الذر الجبال.. وما كان يخطر له على بال.. أن تلابس البشرية هذه التجربة فعلاً.. لا مبالغة ولا تخييلاً؟ وبالطبع فإنه لم يقصد بالذر - (الذرة) وفضها وتفجيرها.. وإنما قصد به هـذا (الهـباء) الذي يتمثل أثناء أشعة الشمس.. صاعداً هابطاً ولكن اللفظ بعمومه يندمج تحته (المعنى المحدث الجديد.. للذرة الذرة التي لا تحمل الجبال فقط.. كالسفن التي تسير بها.. وهي موقرة بالأحمال التي توازن الجبال.. وتخترق بها المحيطات والإثباج والأمواج.. أمثال الجبال أيضاً.. بل إنها ذات طاقات أوسع وأكبر.. بحيث تنسف الجبال نسفاً.. كما هو المشاهد المحسوس.. للإنسان المعاصر.. فهل هذه منه (نبوءة) غير مقصودة؟ أم أنها إحدى ومضات الفكر العربي قبل ألف سنة أو تزيد؟
* * *
أما ما كان يتمنى في بيته الثالث:
فليت شباب قوم كان شيبا
وليت صباهمو كان اكتهالا
فقد وقع فعلاً في عهدنا.. ورأيناه رأى العين.. فكم من شاب لم يتجاوز العشرين قد وخطه الشيب واشتعل رأسه به حتى أبيض مفرقاه، وأرفض حاجباه؟ هذا في الشطر الأول.. أما في شطره الثاني.. فقد سمعناه في أيامنا هذه عن اكتشاف هذا العلاج الجديد (3) هـ.. وأنه يعيد إلى الكهول صباهم.. وسواء الصبي كهلاً.. أو الكهل صبياً فإن المهم في ذلك والمسؤول عنه.. والذي هو محل الشك والتردد.. إنما هو انسياق ذهنه وتفكيره ونضجه وراء التكاهل أو التصابي؟ فهل يفادي المسنون بكل ما مر بهم من تجارب وانصهارات ومواعظ واعتبارات.. أو (عبر) ليعودوا فتياناً وشباباً؟.. وما هي الثمرة المرجوة وراء ذلك؟ إنها لا تعدو "اللذة" أو "النشاط" في مجال محدود.. يخص الشخص ولا يعم الآخرين.. على عكس استمرار الحياة على طبائعها.. وشرائعها الكونية الراسخة.. فإنها ذات فوائد مزدوجة.. وهي كما قال جل وعلا: "صبغة الله.. ومن أحسن من الله صبغة".
وما أحسب أبا العلاء في تمنيه هذا إلا هادفاً إلى أن يبلغ الشباب من الحنكة والمرونة والتطور.. ما بلغه أسلافهم أو الأعمار.. حتى تخلص المجتمعات من الفوارق.. ويرتفع مستوى التفكير فلا يعتوره خلاف أو جدال وهي أمنية خيالية.. مستحيلة التحقيق.. في كل جيل وقبيل وليس من الممكن بحال - ومهما ارتقى الإنسان.. وخرج عن نطاقه الأرضي.. (على زعمه).. فإنه خاضع لنواميس الخلق والتكوين والموت والحياة والقوة والضعف.. بما لا يستطيع معه (حراكاً) أو انفلاتاً.. ولو توهم أنه غير ما هو في كتاب الله.. (وخُلق الإنسان ضعيفاً).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :419  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 616 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج