شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مكامن الثروة وصلاح التربة في البلاد (1) (1)
لقد عنيت - ولا تزال تعني - هذه الجريدة بالأبحاث الاقتصادية بغية أن تقوم بواجبها من النصح والإخلاص في خدمة هذه البلاد وأهلها وما هي إلا لسانهم الناطق وقلبهم النابض وأملهم الوثاب، واعتقداً أنه لا نهوض ولا تقدم لبلادنا العزيز بغير الوسائل التي أتخذتها كل أمة حية في جميع أطراف الأرض، تلك التي كانت سبباً مباشراً لكل ما نراه ونلمسه ونحس به من ثمرات الحياة، ونموها وازدهارها لا جرم أن السعي واجب وأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ونعتقد أن كل عقبة كانت تعترض سبيل العاملين والمجدين في الماضي قد زالت بفضل الله تعالى ثم بعناية صاحب الجلالة صقر العرب ورافع لوائهم ومحيي مجدهم جلالة الملك (عبد العزيز الأول) أيده الله بنصره وتوفيقه.. ولم يبق ما نطالب به ونحرص عليه إلا جهود الذين لا يداخلنا الشك في صفاء نفوسهم وحدة ذكائهم ونقاء ضمائرهم وبُعْدِ هممهم في ابتغاء وجوه المنافع والفوائد الجمة المستكنة والمطمورة في ديارنا المقدسة. وإنعاش مستقبلنا والإعلان عن وجودنا وأنفسنا وأعمالنا في صحائف العالم المتحضر.
أخبرنا بعض المعمرين الموجودين في عصرنا الحاضر أن (وادي الزاهر) الذي نطلق عليه اليوم اسم (الشهداء) قد كان إلى عهد قريب غير بعيد مصدر رزق وخير وفيرين، وكانت تجري فيه عيون وتنبع آبار عظيمة لا يزال بعضها قائماً والبعض الآخر قد ردمته السيول والرمال.. وكان الزائر له لا يكاد يجد إلا فرجة يسيرة يمر من بينها خلال البساتين الكثيرة الواسعة المنشرة في طوله وعرضه ما بين سفوح الجبال المطلة عليه.. وهكذا سمعنا عن أودية كثيرة تبدلت بها الحال بالكسل والإهمال وعدم الاهتمام حتى أودى معظمها وتحطمت غراسها وجفت عيونها واندثر أثرها ومحي خبرها.. وردمت مجاريها التي بذل فيها المجدون أموالاً طائلة وجهوداً جسيمة، فأما نحن فأكبر ما ينتهي إليه أمدنا في الجيل الحاضر (المتنوّر) فالمفاخرة بالماضين إذا رضينا والنيل منهم وإلقاء التبعة عليهم إذا سخطنا.. (حاشا العقلاء).. أما أن نعمل وأن نتدارك الخطأ وأن نحرص ونحفظ على الباقي من ثمرات أتعابهم فذلك يفترق ويجتمع فيما نتصور فقط.. وفيما نكتب ونتعظم فقط.. وما هذا لو تدبرنا بالطريق الذي تتحقق فيه مطامع أمة ترجو أن يكون لها منزلة مقدرة ومقام محترم وحياة سعيدة وأثر طيب في حضارة البشر وتاريخ المسلمين..
لقد سدت علينا الأماني الحائرة مناهج السعي.. وتبارى كل واحد منا في النصح والتذكير والدعاية والاستحثاث وتلى الآخر ما دبجه الأول ولكن ماذا كان لذلك من الوقع في النفوس والأثر في الجيوب والسواعد.. فكاهة وأحماض وتسلية.. وإن شئت فنقد وإطراء وتحبيذ.. وهذا أجاد وذاك أسّف.. وما يتذكر إلا أولو الألباب.. يا لضيعة الأمل ويا لخيبة الرجاء إذا لم يسند التفكير الصحيح باليد العاملة.. ويا لبعد فتورنا الراهن عن إدراك ما نصبو إليه ونحن إلى تحقيقه من مسابقة العاملين المجدين وإثبات وجودنا في هذا العالم المتموج بسلالات الشعوب المختلفة التي لا تعدم من تاريخها البعيد والقريب ما يحفز هممها إلى كل غاية نافعة ولا يشق عليها أن تغالب في سبيل الحصول عليها عقبات متجددة لا تلبث أن تتوارى وتزل أمام العزمات الماضية والسواعد المفتولة والرؤوس المدبرة..
ولا نكران إذا شئنا استخلاص الحقيقة الساطعة أن أسبابنا المشجعة اليوم لمزاولة كل مهنة وحرفة وصناعة وزراعة وتجارة أوفى وأوفر وأقرب وأسهل وآمن مما كانت عليه هذه الأسباب قبل قرن وما وراءه.. فقد كانت هذه الديار إلى عهد غير بعيد مسرحاً تمثل فيه كل طلعة شمس وحين غروبها روايات محزنة تجعل المرء يحتاط ويحذر على ماله ونفسه وينزوي به بين موتى الأحياء حتى يوافيه الأجل المحتوم فيمشي به الأحياء إلى المقر المعلوم..
أما اليوم فالأمن ضارب أطنابه من أقصى حدود المملكة في الشمال إلى أقصى حدودها في الجنوب وهكذا من الشرق إلى الغرب ومن البحر إلى البحر.. والحكومة لا تدخر وسعاً في معاضدة كل مشروع مفيد وعمل صالح وسعي نافع - ووسائل المواصلات قد قربت الأبعاد، وخطوط البرق والتلفون يسرت على المتخاطبين سبل التفاهم وحلت الطمأنينة في كل نفس بما ارتفع من قواعد العدل والإنصاف، وازداد اتصالنا بأسباب الحياة الحديثة واستعمالنا منها ما أصبح وجوده ضرورياً أو كمالياً لرفاهيتنا.. وبلادنا أشد أقطار الأرض علاقة وصلة بغيرها من بلدان العالم لمركزها الديني المقدس، وهي قبلة أربعمائة مليون مسلم يقصدونها بوجوههم وبأجسامهم وأفئدتهم وآمالهم وأميالهم وقد تأثر الجيل الجديد منهم بما تطور إليه الحال في كل ناحية بتأثير المنافسات والحضارات والمزاحمات وانتقل بعضهم إلى صميم مدن الغرب الزاهرة طلباً للنزهة أو انتجاعاً لدور العلم وشاهد ما فيها من مظاهر الترف والنعيم فاستهوته هذه الزخارف والكماليات وأقام بين أظهرهم - أو تتردد إليها تمتعاً بما فيها من مطالب النفس وشهواتها..
ومن ثَمّ يجد الكاتب المفكر العلل الحقيقية التي تضاءل بها عدد الحجاج القادمين لأداء الفريضة عن أمثاله من المواسم السابقة وتضاف إليها أسباب أخرى لا تكاد تكون هذه الأزمة العامة إلا إحداها.. فكيف نعمل إذن لنقلل حاجتنا وتعويلنا قدر الإمكان على هذا المورد من جهة؟ ولا نقول لنستغني عنه مطلقاً فذلك غير معقول بالمرة.. ولنأخذ في الوقت نفسه بالوسائط والأسباب التي تجعله مضاعف العدد والفائدة بما لا يبهظنا عمله.. ولا يعسر علينا تطبيقه.. هذا ما نريد أن نتكلم عنه في أعدادنا المقبلة.. ويقيننا أن ذلك مما يجب بحثه ومعالجته ودرس المصلحة المتوخاة منه، وإني أدعو كل من يترنح في بنان القلم من أدبائنا وكتّابنا وشعرائنا المجيدين وكل من يجد من تجاربه وخبرته وبيانه ما يساعده على التبسط في هذا الموضوع الحيوي الكبير أن لا يبخل على هذه الصحيفة وقرائها بآرائه السديدة حوله عسى أن نصل منها إلى نتيجة محسوسة نشعر معها بالتبعات الثقيلة التي لا مناص من أن يحتملها كل مقصر ونحاول استبدالها بالثناء الخالد والسعي النافع والرجاء المحبب وإن غداً لناظره لقريب..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :385  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 628 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .