شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قلبي على بغداد
أينَ المنى مني؟ وأَيْنَ شبابي؟
ثَكِلَ الهوى، وثُكِلْتُ في أَحْبابي
بالأمس أَنْفَقْتُ الشَبابَ مُوَزَّعاً
ما بين أحلامٍ.. وبينَ رِغابِ
وَفَتَحْتُ قلبي للحبيبِ مدينةً
وَنَسَجْتُ ثوبَ العشقِ من أَهْدَابي
حتى أَفَقْتُ على تُراب ممالكي
فإذا دخاني واللهيب: ثِيابي!
أَرْثي صباحاتي.. فأَيَّةُ طعنةٍ
مجنونةٍ تَقْتاتُ من أعصابي!
أَرَقٌ وَمَسْغَبَةٌ وقيحُ تَشَرُّدٍ
عمري، فما عرفَ النعيمَ كتابي!
وَرَحَلْتُ: في كوزي دموعُ أَحِبَّتي
وعلى الهوادجِ لوعتي وعذابي
كَفَني على كتفي، وتلك سفينتي
مثقوبةٌ.. هلاَّ قرأت خطابي؟
حَتَّامَ أَبْعَثُ للعراقِ رسائلي
إنْ كان أهلي تحتَ سَقْفِ حِرابِ؟
قلبي على بغدادَ عاشقتي التي
رَضَعَتْ دمي وَتَطَيَّبَتْ برضابي
وعلى عشيرٍ طال عنه تَغَرُّبي
وعلى سؤالٍ ماتَ دون جَوابِ
رحماكِ يا بغداد، أَيُّ معذبٍ
قلبي؟ فهل ألقاكِ بعد غِيابِ؟
أحدو بقافلتي إليكِ فما أرى
غير الأسى، وأنا الضَياعُ شِعابي
عَزَّ الذليلُ وَذُلَّ ذات كرامةٍ
وَسَما لئيمُ الأَصْلِ والأنسابِ
سَقَطَتْ يدي مني عَشِيَّةَ أَوْثَقُوا
شَرَفَ العراقِ لفاجرٍ مرتابِ
فَفَقَأْتُ أَحْدَاقِي عَساني لا أرى
سَقْطَ الرجالِ يسودُ فوقَ رُقابِ!!
رُحْماكِ يا بغداد، أَيُّ أنوثةٍ
تبقى وأَنْتِ خليعةُ الأثوابِ!
المارقُ التتريُّ ما عَرَفَ الهوى
يوماً، ولم يُؤْمِنْ بصدقِ مَثابِ
الحزنُ يا بغدادُ يشربُ من دمي
فَذَوَيْتُ حتى قد فَقَدْتُ صَوابي
ما زلتُ يا بغدادُ رُغْمَ كهولتي
أصبو، وبيْ جوعٌ لبعضِ تَصابي
ما للهوى يكبو؟ وما لمؤَرِّقي
ينأى؟ فَهَل نَسِيَ الحبيبُ عِتابي؟
الدارُ داري، كيف أُحْرَمُ دِفْئَها
فالسجنُ لي، والبيتُ للأَغرابِ!
* * *
يا دارُ كيف الحالُ بعد غيابي؟
وهل احْتَفَتْ بالقَبْرِ "أُمُّ ربابِ" (1)
أينَ الثغور الطَيِّباتُ بلثمِها؟
أين العيونُ حدائقي وهِضابي؟
وأَخٌّ يقاسِمُني رغيف مَجاعَتي
وسياطَ جلاَّدي وَنَزْفَ خِضَابي؟
وشقيقةٌ كانَتْ إذا سَكَنَ الدُّجَى
جَلَسَتْ إلى مِحرابِها بكتابِ؟
وضَّاءةٌ، يغفو على أَحْداقِها
حَقْلانِ من ضوءٍ ومن أَعْشابِ؟
ودعاءُ أمٍّ في الصباحِ، تَضُمُّني
كالطفلِ خشيةَ طاعنٍ وثَّابِ
هَتَكَ الهوى سِرِّي وكِبْرَ رجولتي
لولاهُ ما عَرَفَ العواذِلُ ما بِيْ!
* * *
أَدْمَنْتُ حُبَّكَ يا عراقُ فَهاجَني
شوقي، ولكنَّ السنين خوابي!
واليومَ لا أمسي ولا بُقْيا غَدي
إلاَّ بقايا من رمادِ خَرابِ!
حَطَّمْتُ كأسي فوقَ مائدةِ المُنَى
وَرَتَجْتُ في وَجُهِ الصبابةِ بابي
لكنني دَنِفٌ وفي عرف الهوى
أَنْ يلتقي الأحبابُ بالأَحبابِ!
عشرون عاماً ما التَقَيْتُكَ مرةً
إلاَّ وحزنُكَ يا عراقُ روابي!
عشرون عاماً والمُخَلَّعُ يرتعي
وَبَنوهُ، بالأَنْعامِ والأطيابِ
الناكرون الجارَ حقَّ جِوارِهِ
والمُطعِمون شَقيقَنا لمَصابِ!
* * *
شَوْقي إلى نَهرَيكِ يا مُدُنَ الهوى
ولكأسِ عاشقتي ببردِ رضابِ
وَلِجارَةٍ ما بَكَّرَتْ بتحيةٍ
إلاَّ وخالَطها حَياءُ تَصابي
وَلِرَنَّةِ الخلخالِ من قَرَوِيَّةٍ
رَقَصَ الرصيفُ لخطْوِها المنسابِ
للعطرِ من تحتِ العباءةِ يَزْدَهي
نبعاً، وللأزهارِ والأَعْنابِ
لِضَجيجِ أَطفال الزُّقاقِ تواثَبوا
عند الغروبِ بلعبةِ "الحَطَّابِ"
ولعازفٍ "بالناي" يصدح مُنْشِداً:
رحماكَ يا ليلَ الهوى بِمُصابِ
وَلِشَهْقَةِ الفنجانِ في جَلَساتِنا
و"الجالِغِيّ" و"شاكر السيَّابِ"
وَلِخُبْزِ أمي في المساءِ وقهوةٍ
عربيةٍ بالهَيْلِ للأَصحابِ!
فأنا ابنُ طينِكَ يا عراقُ فَهاتِني
من حقلِكَ الميمونِ بعضَ ترابِ
وأنا ابنُ مائِكَ يا "فراتُ" فَرَوِّني
من ضِفَّتيكَ – ولو بكأسِ سرابِ!!
آهٍ على وطني الذي فارَقْتُهُ
قَسْراً وبيْ جُرحان يا أَحْبابي!
"القائدُ القوميُّ"؟ محضُ دُعابةٍ
والقائمون عليه محضُ كِلابِ
أَنْجَدْتُ يا بغدادُ حينَ تَعَذَّرَتْ
سُبُلي إليكِ، وقد خشيتُ إيابي
فوجدتُ في أرضِ "الأمينِ" أَحِبَّةً
وَوَجَدْتُ ليْ أهلاً ودفءَ روابي
وَمُطَيِّبينَ لألفِ جرحٍ نازفٍ
ٍبيْ، والتقيتُ الصحبَ بعدَ غياب
ووريقَ ظِلٍّ بعد طولِ تَشَرُّدٍ
ورغيفَ إِكْرامٍ وَصَفْوَ شَرابِ
لكنني ما خنتُ حُبَّكِ مَرَّةً
تَبْقينَ يا بغدادُ ماءَ سحابي
وَلَرُبَّ نأْيٍ يا عراقُ يُذِيقُنا
طَعْمَ العِناقِ وَلَهْفَةَ الأَبْوابِ
أنا والعراقُ مناجِلٌ وسنابلٌ
فهو الرُّحى، أَمَّا الطحينُ؟ شبابي!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :560  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 26
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج