شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
608- أين "صنعاء"؟!
[خَمَّسَ الشاعر قصيدةَ "أين صنعاء" والتي مطلعها: "صنعاء" هل في النّدِيّ السمحِ أسمارُ كما مضـى من ليالينـا وسُمّـار؟ للشاعر السيّد قاسم بن علـي الوزيـر فقـال]:
ماذا لِمَنْ هامَ، أو شطّتْ به الدّارُ
إلاَّ الحنين إليها؛ والتِّذِكّارُ؟
أو التّساؤلُ.. والوجدان موّارُ.
""صنعاء" هل في النَّديّ السَّمح أسمارُ
كما مضى من ليالينا وسُمّارُ؟"
وهل مساجدها ملأى بسادتِها؟
وهلْ "مفارجُها" تزهو بقادتها؟:
"بقاتِها" وأغانيها، وغادتها…
"وهل رخيّ العشايا مثل عادتها:
شعرٌ وأشواقُ عُشاقٍ وأَسرارُ؟"
شعر الهيام، وأشواق الأُلى تلِفَتْ
أرواحُهم بالهوى السّامي كما شَرُفَتْ.
أسرارهم بضحاياها؛ وما أسِفَتْ
"تفدي الحِسانَ الجميلات التي التَحفَتْ
بمِئزر اللّيل؛ أرواحٌ وأبصارُ"
وهُنَّ؛ مَنْ هنَّ؟ أهواءٌ قد ابتدأتْ
"بآدمٍ" و"بحوّى"، ثمَّ ما فتِئَتْ..
تُكْوَى بنارِ الهوى حتّى إذا انْطَفَأَتْ.
"توهّجتْ بالشَهيِّ العذْب واختبأتْ
خَلْفَ الدُّخان.. وتفْشِي سرَّها النّارُ"؟
نَارٌ إذا قَرْمَذَتْ مكراً مراشِفَها
أغرتْ؛ وإنْ سَمَحَتْ لم تُرْوِ راشفَها
وإن توارتْ كوتْ بالوجود كاشفَها
"ضمَّتْ على الوهَج الطَّاغي "شراشِفَها"
و"للشراشِفِ" إعلانٌ وإسرارُ"!
إعلانُ كلّ جميلٍ عن وسائِلِهِ
للصَّيدِ؛ في طَرْفِهِ، أو في جدائِلِه
أو في مباسمِهِ، أو في دخائلِهِ..
"خلفَ الرَّقيق المدلَّى من غلائله؛
غيمٌ، وصحوٌ، وجنّاتٌ وأنهارُ":
والغيمُ -لهف الهوى والحبّ- يصطخبُ،
والصَّحو -صحو الصِّبا والشوقُ- ينتحِبُ،
لِلْوصل في جنَّةِ الأسرار يرتقبُ..
"لِسارحِ النزوات الهِيم مُضْطَرَبُ
فيها.. وللصَّبوات البكرِ أسفارُ".
* * *
مفاتنُ الحسنِ تُسْبينا فتَنْهَبُها
عيونُنا، وبِسِحْر الشِّعرِ نطربُها
وقد نُجنّ بها حُبّاً فنُرعبُها
"مراتِعٌ تمنح النّعمى وتسلبُها
صُنع الجمال؛ وهل لِلْحُسن أوزارُ"؟
لا.. فالغرامُ إذا هاجتْ دوافِعُهُ
أو عربَدَتْ بأغانيهِ سواجعُهُ
استعذب المرَّ عاصِيه وطائعُهُ
"لِلْجُرحِ فيه إذا نزّت مواجعُهُ
شذىً، ولِلْحُلُمِ المقصوفِ أَزهارُ".
مدينةَ الحُبّ ما تنفكّ صبوتُها
بالشِّعر والعشقِ لا تَفْنَى، ولهفتُها..
أنشودة الدَّهْر تُصْبي الكونَ نغمتُها
"صنعاء" أغفت على الأزمانِ فتنتُها
فدونها من وراء السّور أسوارُ"!
أسوارُ أسرارِ ماضيها الذي أَنِسَتْ
به اللّيالي، وربات الصِّبا اختلَسَتْ
منه.. فنُونَ الهوى والسّحر واقتبسَتْ..
"إذا مشيتَ على حَصبائها هَمَسَتْ
شعراً، وباح بسرِّ الشوق قِيثارُ".
وأينما جُلْتَ فالتاريخ ماثِلةٌ
أشباحُه، وهْيَ كالألباب ذاهِلةٌ
إذ قد يُريبكَ شكٌ أو مسائلَةٌ
"وغازلتكَ من الجدران خاجلةٌ
من الثُّقوب قديماتٌ وأحجارُ"!
وربّما انداح صوتٌ من مغرّدةٍ
على الغصونِ، ولحن ٌمن مُعَذَّبةٍ
بالهجر، أو من غريبٍ، أو مشرّدةٍ..
"وأسمعتْكَ السَّواني نَوحَ متعبةٍ
تشكوه "لِلْمَرنعِ" المهجورِ آبارُ"!
فذُبتَ من وحشة الذكرى بلا سببٍ
تدري؛ وهوَّمتَ في دوّامةِ الكُرَبِ،
كم نال ماضيكَ من حظٍ ومن أربِ..
"تندى الأَصائِل من شعرٍ ومن طرب
وتنتشي برَحيق الذكرِ أسحارُ".
"صنعاء" كم تهتُ في دنيا محاسنها
وكم قطفتُ الأماني من مفاتِنِها،
وكم وقفتُ أصلّي في "زنازِنها"
"ينسابُ كالبُرْءِ من عالي مآذنها
في هدأة اللَّيل تسبيحٌ وأذكارُ"
* * *
هذا حنين "ابن صنعا" إذ يُغرّدُهُ
يُصغي إليه الدُّجى الفجر يُنشِدهُ،
لحناً ترقّ له الدنيا فتعبدُه..
"أما الطغاة فتاريخٌ تُردّدُهُ
شوامخٌ من روابيها، وأغوارُ".
ما بين فَدْمٍ وجَبّار الهوى شرس
يستعذبونَ عذاب الناقدِ النُّطُسِ
عاشوا، ولكن حياةَ البغي والدَّنسِ..
"مرّوا عليها فجُرحٌ غير منطمِس
على الجبين، وَفي العَيْنَينِ أكدارُ".
توهّموا أنَّهم عن جدّهم ورثوا
صكّ الخلود؛ فلا موتٌ ولا جدَثُ،
ولا حصاد لما في أرضهم حرثوا..
"ظنّوا العرينَ لهم مَرْعَى وما لبثوا
إلاَّ قليلاً؛ ومات الخزي فالعارُ".
ظلّوا أسارى هوى الآثام؛ تجمعُهُمْ
عُرى الغباء، ولؤم الطبع يصدعُهُمْ،
وربّما عربدتْ خُبثاً مطامعُهُمْ
"حيناً يسومونها خَسْفاً فتوسعُهُمْ
عُقوبةٌ يبلغ الرضْوى بها الثارُ".
هُمُو "اليعافِرُ" ضلّوا في ضلالتِهِمْ
واستعرمت للهدى طبعاً عدواتهمْ
فهم بأوزارهم صرعى شقاوتهم
"وهم على الغيّ ما تُرجَى إفاقتُهُمْ
كأن بعضَهم للبعضِ تكرارُ"!
* * *
أنا الذي نُوبُ الأَيّام تعرفُهُ
حرباً وسِلماً؛ فتشقيهِ، وتُنصِفُهُ
مسافرٌ؛ ليس يدري أين موقفُهُ
"واهاً لمضطَرِب في الأرض يقذفُهُ
للشرق نوءٌ.. ونحو الغرب إعصارُ".
ما انفك مغترباً تُزجي أعِنَّتَهُ
هوجُ الرياح، ويذكي العزم هِمَّتَهُ
مهاجراً مخلصاً للحقِّ دعوتَهُ
"قد لوَّحت قبلات الشمس جبهتَهُ
وفي مفارقه لِلثّلج آثارُ"!
"خمسين عاماً" يجوب الكون ينتظرُ
أن يستجيب لباكي صوتهِ القدرُ..
فيظهر العدلُ في الدنيا وينتصرُ،
"على المنافي من أشعارِه أثرُ
وفيه منهنّ مثل الجرح تذكارُ"
واللهُ يعلَمُ مَن أوفوا وما غدروا
بالعهدِ فسقاً، ومن خانوا وما اعتذروا.
وفي "الملفّات" من أقوالهم صورُ
"وعندها عنهُ من أفعالِه خبرُ
وعِندَهُ من مجانيهنّ أخبار"!
رُضْتُ الحياةَ شجاع الرأي مُنْتَبِهاً
لكُلِّ ما تحت نابَيْها ومِخْلَبِهَا،
بين الدّواهي؛ ولم أحفلْ بمتعبِها،
"بلوتُها، وبَلَتْني، واكتشفتُ بها
ما غيّبته عن الأبصار أستارُ.
لم يَطَّبِ القلبَ وشيٌ في خَمائِلِها
ولا تصبّاهُ سحرٌ من وسائلها،
وظلّ يحفظُ أمثالاً لقائِلها
"خلائقُ الناسِ كم غطّت مباذِلُها
مُوشّياتٌ من الدعوى وأَطمارُ"
كم في الورى من لئيم خُبْثُ طلْعتِهِ
تُنبيكَ عمّا يُخبّي في طويتِهِ
ومن فقيهٍ؛ نِفَاقٌ مِلء جُبّتِهِ!
"من كلّ زارع زهرٍ في أسِرّتِهِ
وفي سرِيرته للغدر أوكارُ"!
يُطْريكَ ما دام مُحتاجاً ومُنْتَبَذاً
فإن "تَمرعَشَ" واسْتَغْنى طغى وهَذى:
سبّاً وشتماً وإفكاً مُخزياً وأَذى،
"يَسعى إليكَ، وحلوٌ قولُه؛ فإذا
ما غِبتَ عَنْهُ؛ فأنيابٌ وأظفارُ"
يروي المكارمَ عن صيدِ الملوكِ وعن
"آل الرسولِ" وأبناء "البتولِ" ومَنْ
سنّوا بأَعْمَالهم للنّاس خير سنَنْ،
"يُعَطِّر القولَ بالذِّكر الحكيم فإن
أفضى إلى الفعل، فالشيطانُ أمّارُ،"
هُمُ الأُلى خَبُثَتْ طبعاً سرائرهمْ،
ولُوِّثَتْ بمخازيهمْ ضمائرُهمْ،
قد أدْمَنَ الإِثمَ ماضيهمْ وحاضرهُمْ.
"من مُشترين ضلالاً بالهدى ولهمْ
دعوى كأنهمو للهِ أصهارُ"!
قالوا.. لأَن "وليّ الله" جدّهموا
فهم من الذَّنب والعِصيان قد عُصِموا
والنَّاس أعبدهمْ، والأرض مِلكهموا
"يستكثرون من الدعْوى وحَظّهموا
من الحقيقة دون الصِّفْرِ أصفارُ"
عَمُوا وصمُّوا، وتاهوا في ضَلالتِهمْ
واستكبروا، وتمادَوا في جَهالَتِهِمْ،
وعربدوا كالنّشاوى في غوايتهِمْ،
"لم يمنحوا الله شيئاً في ضمائرِهمْ
وباسْمه في حقوقِ الخلْقِ تجَّارُ"!
ويْحَ الأُلى لم يخافوا سُوءَ عاقبةٍ
فاستهتروا، واستباحوا كلّ فاحِشَةٍ
ولم يصيخوا لنصحٍ أو لزاجرةٍ
"رذيلةٌ رفضتْها كلُّ سائمةٍ،
وسامَها من بني الإِنسانِ ختَّارُ"!
* * *
أخنتْ على العُربِ في الدُّنيا جهالتُهمْ
لما استخفّ بشرعِ الله قادتُهم،
قد أسرفوا؛ فأبادتهُمْ شقاوتهُمْ
"لذا ابتُلينا بمنْ سادت حضارتُهُمْ
ومَن على الأرض والإِنسان قد جاروا"
سادوا، فَراياتُهم بالعزِّ عالِيةٌ
تُغريهموا، وقطوفُ النَّصرِ دانيةٌ،
والجندُ أصواتهم بالرُّعْب داويةٌ
"تحكّموا؛ فالرؤوسُ الشمُّ حانيةٌ
و"استعمروا" فالمروجُ الخضر أقفارُ"
عَزُّوا فَبزُّوا، وهان العربُ فانْهزموا
كذاك كنّا وكانوا قبلُ لَوْ فَهِموا
ما ضرّ لو جاملونا اليومَ، واحترموا!؟
"ظنّوا الزّمانَ لهم مِلكاً، وماعَلِموا
أن الحضارة أطوارٌ وأدوارُ"
ألم يكونوا عرايا في قبائِلهمْ
مثل القرود؟ وحوشاً في وسائِلهمْ
مُسْتَعْبَدِين لغازيهم وقاتِلهِمْ؟
"الأرض لم يرثوها عن أوائلِهم
وتعرفُ الأرضُ أَن النّاسَ أحرارُ"!
ونحن من نَصَّ لِلْعمران رايتَهُ
وبثّ في هذه الدّنيا حضارتَهُ،
حضارةَ الخير يُهْدِي الكونَ آيتَهُ،
"بِنا؛ نعَمْ! رفع الإِنسانُ هامتَهُ،
وقام للعدلِ ركنٌ ليس ينهارُ"!
قانونُه رحمةٌ كبرى برامجُها
دقَّتْ وجلَّتْ لأنَّ اللهَ ناسِجُهَا،
الحقّ والخير، والتَّقوى وشائجها…
"شريعةٌ تسع الدنيا مناهجها
في الحرب والسِّلم تمدينٌ وإِعمارُ".
سادت قروناً على الدنيا وما انغلبت
إن سُولمتْ سالمَتْ، أو حُورِبَتْ حربَتْ
وما اعتدتْ، ولغير الله ما غضبَتْ
"لكنّ قوماً على أعقابِها انقلَبَتْ
فهم على الحقّ -لا للْحقِّ- أنصارُ"!
لم يستقيموا على النّهج السَّويّ، ولا
طابوا سلوكاً، ولا قولاً، ولا عملاً…
حتى غدوا للمَخَازي في الورى مثَلاً،
"هموا الخلائف للْمستعمِرين على
جهالةٍ تُؤْثر اللَّخنا، وتختارُ"،
توزّعوا المال والسّلطان بينهمو
كأنّما كل شيءٍ كانَ مِلكهموا
إن عاهدوا غدروا أو حُكِّموا ظلموا..
"على مخازيهموُ ناموا، وما حلموا
إلاَّ بأنّهموا في اللّيلِ أقمارُ"
وقد عرفنا أناساً من أوائلِهِمْ
كما اختلطْنا بقومٍ من أسافِلِهِمْ
تشابهوا "كالقوافي" في رذائِلهمْ
"ومبلغُ العلم فيهم أن عالِمَهُمْ
فَدْمٌ، وأوفاهمو بالعهد غدّارُ"
* * *
لكن؛ وقل للأُلى تاهوا بلا هدفِ
يُرْجى، وقد هلكوا بالجهل والترفِ،
كيف الحياة بلا دينٍ ولا شرفِ؟
"نشكو على "القدس" غلواء اليهودِ وفي
ديارنا اليومَ أَشباهٌ وأنظارُ"
من كلّ غرٍّ على البهتان مَرّسَهُ
حبر الضلال، وربّاهُ و"أبلَسَهُ"
فألّه المالَ مفتوناً وقدسَهُ
"أستغفر الشعر؛ ذنبٌ أن يدنّسَهُ
من مهجع القوم عند الفجر زُوَّارُ"
ويْحَ العروبة من أبنائها الغُدُرِ
المتخمين من الآثام والبَطَرِ
واعذِرْ لساني إذا ما زلَّ، واغتَفرِ..
"أردت أعزف أشجاني على وتري
فاستعجلَتْ باللَّحون الحُمر أوتارُ"!
* * *
أنا "ابن صنعا" الّذي من دونما تِرة
نَزَحْتُ عنها أعاني كلّ موجعةِ
أصيحُ.. شوقاً إليها كلّ آونة
"إيهاً ليالي الحِمى هل من مشرّقةٍ
لنازح في أقاصي الغرب أخبارُ"؟
كيف السلوّ ودار الفنّ نائيةٌ
عنّي وأخبارها بالحزن لاغيةٌ
تقول: قد دهتِ النّدمان داهيةٌ
"تُدار كأسُ النّدامى وهي باكِيَةٌ
ويبدأ الوتر الشادي فيحتارُ"
يغصّ باللَّحنِ شجواً أو يموت به..
وينطق الصمتُ؛ عند الصمت أسرارُ
غشّى النديَّ عبيرٌ من مجامرِه
وعائدٌ من طيوفِ الذّكْرِ قهّارُ
وخاشِع لم يزل يتلو مواجدَهُ
له إلى الشوقِ إيرادٌ وإصدارُ،
إذا تذكّر من أحبابِه وطَراً..
نأتْ به عن حِمَى الأحباب أوطارُ
واشنطن: 8/10/1991م
2/4/1412هـ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :540  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 638 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج