شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
168- مـن اليمـن
كان يكنَّى باسمهِ
كان يقول: إنه من الجنوب، أو من الشمالْ
وتارةً من "جنوا"
وقد يقول؛ إنه من "أسمره"
من أي أرض؛ لا يُبالي عنه.. أن يُقالْ!
وكل ما يخشاهُ أو يكرهُهُ
وكل ما يُخيفُه
بأن يقال؛ إنه من "اليمن"
* * *
في "البارِ" أو فلي "المسجدِ" الكريمْ
في مجمع الغوغاء؛ أو في المحفل العظيمْ
يغَيِّر اسْمَهُ
يحرِّف اللَّهجة والكلامْ
يَلْوي لِسانَهُ
يَودُّ أنْ يمْحو سَحْنَةَ الجُدُودْ
من وجْههِ الكريمْ
ولا يُبالي أنْ يُقال إنَّه من الهنودْ
أو من جبال "التِّبتِ" أو من "كِينيا"
لأنه يخاف أن يُقال "شافعي"
أو يعرفون أنه من فِرْقَةِ "الزُّيُودْ"
جاء منَ "اليمنْ"
* * *
حيثُ الظلامْ نائمٌ منذ عُصورْ،
حيثُ الأنامْ كهياكلِ القبورْ،
حيثُ القيودُ، والسِّياط، والسُّبَحْ،
و "القات"، والأمراض، والتَّرحْ،
و "العَسْكريُّ" ومُحَصِّلُ، الزكاهْ
والخادمُ الأثيرْ
والتّاجرُ الكبير
وزُمْرةُ الوشاة، و "المخدَّرونْ".
والعبدُ، والسَّياف، و "المخزِّنون"
لاهُونَ عابثونْ
لا يعقلونَ أيَّ قبرِ يحْفرونْ.. لليمَنْ
* * *
كم صارعَ الرِّياحْ!
كم قاوم الأشباحْ.
كم داسَ أشواكاً؛ وعاشر الذئابْ،
كم شارك الوحوش وعقارب اليبابْ؛
مفارش الترابْ..!
وأكلَ الجوعَ، وشرب الظما!
وعانَقَ الأخطار هائما!
يخشى مراصد الْعَسَسْ،
و "العُكْفَةَ" الحرسْ
فغير اسمَهُ وهيئتهْ
وسمْتهُ ولهْجَتَه،
وودَّ أنهُ ليْسَ مِنَ "اليمنْ"
* * *
ليسَ من الأرض التي؛
كانت "لِبلقيس" و "ذو يزنْ"
و "تُبَّعٌ" مليكُها
و "أسعَدُ الكاملُ"؛ والأقيالُ؛
في "ظفارْ".. و "يحصُب" الخضراء
و "ذمارْ" و "النخلة" الحمراء
و "مأربٌ" وسدها العتيدْ
والنَّاس ذو بأس شديدْ
يُفاخرون بالعُلا، ويفخرون "باليمنْ"
* * *
ليس من الأرض التي
عبَّدَ فيها "ابنُ الحُسَيْنِ" أوضحَ السُّنَنْ
وأنجبَتْ أئمَّة الهدى
ونبلاء العلم، والأدبْ،
والفنّ، والجمالْ
وكان فيها "للصُّليْحيّ": عَلَمْ؛
تعنُو له الأبطالْ
و "للمظفَّرِ" العظيم صولةٌ
يَهابُها الرجالْ
أرض "أزال" و "تعز" و "عدنْ"؛
أرض "اليمنْ"
* * *
وهَبَّتِ العَواصِفُ الهوجاء.. في "أزال" (1)
وهاجتِ الفِتَنْ،
واستعرمَتْ نوازع الشرورْ،
واستكْلَبَتْ دوافع الغُرورْ،
وخافتِ الرؤوس أن تَطير،
وارتعَدَتْ فرائِصُ الرُّبوعْ،
ومُزقَت مقانِبُ الجموعْ،
وزحَفَ الخوفُ.. على سَقْمٍ وجُوعْ
ولم يجدْ من وزَرٍ.. إلاَّ الفرارْ،
إلى "عدن"
وغير اسمَهُ.. وودَّ لوْ يَسْطِيع
أن يَمْسَحَ سَحْنَةَ الجدودْ
أو أنه يعرفُ لغة "العجَمْ"
أو لهجة "الهنودْ"
لأنه يخاف أن يُعرفَ
أنه من "اليمن"
* * *
وذات يوم قيل،
إن "سيِّداً" وزيرْ،
ورجلاً كبيرْ
جاء مِنَ الوطنْ
مَضى إليه بِبَصيص من أملْ،
يَظنه يَسْطِيع أن يُعيدْ
إليه اسمه السَّليب!
وقَصَّ كيف شرَّدْته عِبرُ الزَّمنْ
وقَصَّةَ الثلاثةِ الصِّغارْ،
وأمِّهِ العجوزْ،
و "العسكري" و "مُحصِّلِ" الزكاهْ،
في البيت يطلبونْ،
أن تذْبَحِ "الكباشُ"
أن تهْرقَ "السُّمون"
والحاكمُ الْغَشُومْ،
يريد منهمْ أن يرفِّهُوا
خادمَه الأثيرْ،
وبَطْنَهُ الهضومْ
و "حَقَّهُ " الكبيرْ
وقصَّ قِصَصَ الرِّفاقْ
والذين هاجَروا من "اليمنْ"
* * *
وانتفضَ "الوزيرْ"،
وقَال: كيف تخرجونْ؟
وكيف تهربُونْ..؟
ودونَ ما إِذْنٍ تُغَيِّرونْ
أسماءكُمْ، وتزعمُونْ
أنكُمُ لسْتمْ من.. "اليمنْ"،
* * *
السَّحْنَةُ السمراء شاهدَه
ولهجةٌ أعرفُها
لكنني لا أستطيع
أن أساعدَ الجميعْ،
ما جئْتُ ها هُنا مواسِيا
للمُوجَعينْ!
ولا انتُدبتُ ها هنا مؤاوياً
للشاردين..!
لكنني أتيت لأمور مبْهماتْ
تهمُّ أرباب الأمور.. ها هنا
وفي "اليمن"
* * *
ويَسْحَبُ الذيل كسيراً،
مُوجَعَ الضَّمير
لأنه قد كشف اسمَهُ
للسَّيد "الوزير"
فلم يُهَدْهِدْ حُزنَهُ المريرْ،
ولمْ يُكَفْكفْ دمعه الغزيرْ
وكان ذلك السَّفير
ورَغْمَ رأسِه الصغيرْ
يحملُ سيئات "قَيْصر" كبيرْ
وهامَ منْ جديدْ.. يكتم اسمه
يخاف أنْ يُعرف أنه
مِنَ "اليمنْ"
لندن: 1960م
* * *
وهَبَّتِ العواصفُ الهوجاء.. من جديدْ (2)
واحتشدَتْ كسُدُفِ الليل على الضَّوء الوليدْ
لكنَّها قد أقبلَتْ من خارج "اليمنْ"
ولم تكُنْ من "نِهم" أو "خولان" أو "بني مَطَرْ"
ولم تكنْ من "حاشد" ولا "بكيلْ"
ولا منَ الجبال في "مُرادْ"
ولا منَ الوهادْ في "حَجورْ"،
وليس تدْريها صوامع الجوامع الكبار،
في "حوث" أو "ضوران" أو "ذمار"،
ولا "شهارة" الأمير،
ولا "تعز" أو "زبيدْ" أو "خديْر"،
لكنَّها عواصفٌ غريبةُ الرِّياحْ،
مجنونةُ الجماحْ، تُبيحُ ما لا يُسْتباحْ
فانكمَشتْ زوابعُ الوطَنْ،
وانْجَحَرتْ طلائع الفتَنْ
وحَمْلَقَت أطماعْ،
وارتجفَتْ أصقاعْ
وانتفَضَتْ مرابعُ "اليمن"
* * *
ووثبَ الشريدْ،
ورجع الطريدْ،
وصرخ الدم الشهيدْ،
وأعلنَتْ شواهقُ "الطيّال"،
"لِلشَّرْق لحَضُورْ"،
لجبَلِ "الأهنومْ"،
"لِرازحِ" الأخضرْ،
لِسَهْل "سنوان" و "ضروان"،
"لأرْحَبِ" الحمراء،
"لِمَسْورَ" الأشمْ،
"لِكَوكبان" و "شبامْ"
لكل سائر الجبالْ
تَواثبي.. تَواثبي.. أيتُها الجبالْ
لا تستكيني للعواصف؛ الغريبة الرِّياحْ،
قولي لها؛ لن تخضع الجبالْ
"لو يَرجعْ أمس اليومْ"؛
"وإلاَّ الشَّمسُ تُشْرق مِنْ عَدَنْ"
لأننا من "اليمنْ"،
نحن جميعاً؛ كلنا من "اليمنْ"
* * *
وهامَ من جديدْ،
لكنَّه يجهَرُ باسمِهِ
لكنه يزهو بسَحْنَتِهْ؛
لأنه من وَطَنِ الأبطالْ
من قَهرُوا النيران والحديدْ:
بالصبر والبأس الشديدْ،
ومن تمرَّدوا على الفنا
وضربُوا للمعجزات مَثلا
لأنه من "اليمن".
* * *
حيث استطاع فاقدُو السِّلاحْ؛
أن يهزموا العواصف الغريبة الرياحْ..!
ومن أرادوا أن يُبدِّدُوا الضَّبابَ.. بالظَّلامْ..!
وأن يُعالجوا السِّقامَ بالزُّؤامْ
والشرَّ بالدَّاء العُقامْ
وأن يُبَلْسِمُوا الجراحَ بالسِّمَامْ..!
وأن يغيروا المكروه بالحرامْ..!
لأنهم لم يُصْدرُوا عن رغبة اليمنْ،
وُجوهُهُم.. لا يعرفونها،
وسَحَنات يَجْهلونها،
ولهجَةٌ لا يفهمونها،
نيرانهم غَرِيبةٌ
قوَّاتهم.. ليستْ من "اليمنْ"
* * *
بلادُهُ -اليوم- بِلادُ "ذُو نُواسْ"،
وقاهرِ الأتراكِ في "ثِلا"،
وفي "شهارة الأمير"،
بلادَ "سَيْلِ الليلِ" وابنِ "ذُو يزنْ"
حيث استطاعوا بالنِّصال..
أنْ يُقَرِّروا مصائر الأجيالْ
وأن يُجَتِّعُوا مخالبَ الأهوالْ
وأن يُقاوموا كوارثَ المحنْ،
بالصبر، والإِيمان، والحب العميقِ للوطنْ،
لأنَّهم من "اليمنْ"،
* * *
فلنْ يغيِّر اسمَهُ،
ولن يقول إنه ليس من "الزيودْ"
ولا من "اليمنْ"،
فإنَّها مفخرة المحافل الكبارْ،
ومَثلُ الجهادِ والفخارْ،
واسمها "عَلَمْ"
ولن يخاف، أو يَغضُّ ناظِريْهْ
حين يُقالُ: إنه من "اليمنْ"
لأنَّه من "اليمنْ"!
لندن: 14رمضان 1384هـ
16يناير 1965م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :435  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 192 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج