شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أصدقاء الظروف (1)
المكان: منزل إحسان حماده أحد أشخاص المسرحية.
إحسان: أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً لقد شرفت يا أستاذ نزار بعد غياب طويل، وأنت يا أستاذ زهير؛ أهلاً وسهلاً بك.. ولكن ألا تخبراني فيم غيابكما -على غير العادة- كل هذا الأمد الطويل؟
زهير: وأيضاً تسأل؟ إنها عادتك هكذا دائماً.. هكذا دائماً وبسرعة تنسى أخطاءك يا أستاذ إحسان.
نزار: (موجهاً الحديث إلى زهير): لطيف جداً قولك له: "تنسَى أخطاءك" وألطف من هذا أن تظن حقيقة أنه ينسَى الأخطاء..
إحسان: على كل حال يسرني أن أراكما.. وإذا كانت هناك أخطاء فأرجو أن تصفحا عن الأخطاء.
زهير: وهذه أيضاً إحدى وسائلك في التخلص من المأزق.
نزار: من أجل أن نناقشك الحساب جئنا الآن.. وقد عرفت ماذا وراء الحساب، فما أسرع ما تخلصت!
زهير: إنه إحسان.. صديقنا اللبق.. صديقنا الذكي!
زهير: (بينه وبين نفسه): إنه ماكر، شيطان، عبقري في الخداع ولكن ما العمل؟ نحن في حاجة إليه مهما كانت أخطاؤه لا تحتمل فلا بد من أن نتغابى..
زهير: (يعود موجهاً حديثه إلى إحسان): ما أذكاك.. بل ما ألطفك بل ما أعظمك إنساناً يعرف كيف يؤثر في الناس الآخرين..
إحسان: هذه سخرية واضحة يا زهير.
زهير: أنت تعرف زهيراً.. لا يقول إلاّ ما يعتقد..
نزار: (مقهقهاً) ولا يعتقد إلاّ ما يقول..
زهير: الحقيقة يا إحسان إنك الساحر العظيم!
إحسان: شكراً يا سيد زهير على هذا التأنيب..
زهير: (مخاطباً نفسه) يجب أن لا نمعن في تأنيبه.. إنه مغرور.. فما أسرع ما يعود إلى طبعه الأصيل الاستعلاء!
نزار: (بعد أن يلحظ إشارة من زهير) على كل حال نحن نعتب.. ومن واجبنا أن نعتب بل من حقنا أن لا تجيئا إلى هنا مطلقاً بعد أن..
زهير: أهكذا تقول؟
إحسان: نعم لأنه لم يكن لائقاً مني أن..
نزار: (بينه وبين نفسه) يظهر أنه أدرك فداحة ما ارتكبه من الخطأ.
إحسان: (مستمراً في حديثه) عندما جئتما في تلك الليلة للسمر كالمعتاد، وكنت منهمكاً في عمل مستعجل كلفت به يوم ذاك.. فقلت للخادم أخبرهما أني غير موجود.. وكنتما تفهمان العكس طبعاً فغضبتما وأنتما على حق في ذلك، ثم انقطعتما عن الحضور إلى هنا.. ثم تكرر مني الخطأ فلم أحضر إلى منزل كل منكما ولم أعتذر.. وكان هذا أقل ما يجب علي.. فأي عذر أستطيع أن أعتذر به الآن؟
نزار: نحن يكفينا هذا يا أستاذ إحسان.
إحسان: ما من شك في أن حقوق الصداقة..
زهير: (مخاطباً نفسه) على رغم ذكائه.. فيظهر أنه مؤمن بالصداقة إلى حد أكثر من اللازم.
إحسان: ما من شك في أن حقوق الصداقة مقدسة.. وإن كنت أعجب، فمن أناس يكفرون بهذه الحقوق..
زهير: (بينه وبين نفسه مرة أخرى) أمره عجيب هذا الرجل.. إنه ذكي.. ما في ذلك ريب.. ولكن. لا. لا إنه ساذج.. أبداً.. أبداً.. لا يمكن أن يكون مثل هذا الرجل ذكياً..
إحسان: (مواصلاً حديثه) حقيقة يوجد كثيرون يكفرون بهذه الحقوق ومع ذلك، فهم يتظاهرون كما لو كانوا أخلص الأصدقاء.. ولكن متى؟.. عندما يبتغون من وراء هذا التظاهر مصلحة.. أو عندما يكون صديقهم الأوحد العزيز شخصاً مرموقاً في المجتمع.. أو شخصاً يستطيع أن ينفعهم إذا شاء.. ويستطيع أن يلحق بهم الضرر إذا أراد.. وفي غير هذه الحالات.. فهم أبعد ما يكونون عن الصداقة والصديق..
زهير:.....؟
إحسان: أنا أعرف كثيرين يا أستاذ نزار.. كثيرين من هؤلاء الأصدقاء في الظاهر.. هؤلاء الذين ما أجدرنا أن نسميهم -دون أن نكون متجنين- أصدقاء الظروف!
نزار: تسمية في محلها لا شك.
زهير: هذا صحيح.. ولكن..
نزار: ولكن ماذا؟
زهير: هناك من يقول.. (يتردد قليلاً) هناك من يقول بوجوب أن نكون واقعيين.. وأنَّ الصداقة..
إحسان: يجب أن تكون نفعية.. أليس كذلك؟
زهير: لا.. لا.. ليس إلى هذا الحد..
إحسان: وإذن؟..
زهير: إلى حد يتفق مع فلسفة الواقع..
إحسان: ولكن ما علاقة فلسفة الواقع هذه بالصداقة؟
زهير: هكذا.. هم يقولون..
نزار: ضاحكاً.. هكذا يقولون، إنهم يقولون.. دعهم يقولون؟
إحسان: لا أظن.. لا أعتقد.. أن تنهار معايير الأخلاق إلى هذا الحد المهين..
زهير: ولكن.. ألا ترى أنه من الحكمة أن تكون "واقعياً"؟
إحسان: وأنت ألا ترى أنه من التضليل أن تحاول الخلط بين الأمور.
زهير: أنا لست مضللاً..
إحسان: إذن ما دخل الفلسفة هنا؟
زهير:.........
إحسان: الواقع أن الصداقة شيء عظيم جداً، إنها أسمى من أن نزج بها في مجال المصالح أو مجال الفلسفات.. الصداقة عاطفة إنسانية من أنبل العواطف وألزمها للبشر.. أي إنسان يجرد نفسه من هذه العاطفة الإنسانية السامية.. فهو مخلوق تافه على أبسط التعابير.
نزار: الصداقة.. ولا أظن أنه يوجد من يماري في ذلك غاية في ذاتها.. وليست وسيلة..
إحسان: صحيح.. ما أكثرهم هؤلاء الواقعيين.. هؤلاء الذين يعنيهم الأستاذ زهير.. هؤلاء الذين ما أسرع ما يتقلبون.. وما أسرع ما يتنكرون.. وما أسرع ما ينسون أو يتناسون.. بمجرد أن يلحظوا أن مصلحتهم أو واقعيتهم تقضي عليهم بأن يحولوا الاتجاه.
إحسان: لكن.. ما هو الرأي الصادق -يا أستاذ نزار- في هذا الطراز من البشر..؟
نزار: كلمة واحدة فقط.. كلمة لا أرى أصدق منها وهي ما أطلقتها أنت على هؤلاء الناس كلمة واحدة من أصح ما يمكن أن يقال.. وهي أنهم "أصدقاء الظروف" وحسبهم أنهم كذلك..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج