شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(40) ابنتي الحبيبة أم هاني
وقبل أن تودع رسالة التعليق على أسبوعيتك التي لا نعرف لها أولى إذا كانت الثانية، ولا الثانية إن كانت الأولى، -جاءت رسالتك 14/3، صباح الثلاثاء 23/3- وبلا مقدمات، أو مبررات، رجعت ريما لعادتها القديمة:
الخيالات، الأوهام، الانهيار العصبي، إنه الإيحاء، التنقل من المجموعات المتناقضة التي تحيط بك.. التاريخ.. زرادشت، نيتشه، شوبنهاور.. علم النفس، التداعي، التحليل، فرويد، إلى آخر هذه العصيدة التي لا آخر لها، إلا في الخانقا.. وهذه الخانقا، هي التي تنطق في مصر الخانكا، وترجمة في لبنان إلى العصفورية، وفي بلادنا بالمرستان، وهي لفظة تنطبق على أصلها الفارسي -مارستان-.
لكي يعرف الإنسان، ظاهرة، لا بد أن يعرف أسبابها.. وهذه الأسباب أحياناً، تكون ملابسات، وأحياناً إشارات إليها.. أو دلالات أو قرائن أو شبهات، يدل فيها الشاهد على الغائب.
أعتقد أنه لم يفتني في الماضي، التحدث إليك طويلاً، وجداً، بطبيعة الحال عن سلطان الألفاظ، على الأذهان، والنفوس، والأحاسيس البشرية وخاصة في لحظات الاستعداد التي هي لحظات الإرهاف والحدة والاكتظاظ بالانفعالات، أو بالانفعال الواحد.
لا تخافي لن أحطم رأسك، بهذا الحديث مرة أخرى، ولكني أحمل، الإشارة بأن للكلمات سحرها وسيطرتها، في حال انعدام المقاومة.. ومن هنا، كان خطر الدعاية وخطر كتب التوجيه.
خذي مثلاً، تأثير كلمة الحب وأحبك قوي، ومشتقات المادة التي تحتاج في حصرها إلى -كمبيوتر- أوسع استيعاباً من كل ما شاع وذاع حتى الآن.
الوجود المنطقي.. والوجود في منطقة الإيمان والاعتقاد.. والوجود في منطقة الجواز العقلي، الوجود في قانون الاحتمال، والوجود الذي يقتضيه القياس، والوجود الذي يتطلبه قانون التناقض، والقضاء.. كل منها موجود، لا يدخل في ميزان الوجود الحقيقي للمخلوقات.
وأنت تعرفين، أن كل المحسوسات، وكل المدركات، لا يمكن أن تتداخل وتختلط وأن هذا حتمي حتمية القوانين..
حتى ما يتدخل ويحتك، أو يتصارع، أو يتجاذب، ويتدافع، لكل منه مجراه، وخطه السيري، ونشاطه وانتهاؤه.
التفاعل، وتبادل التأثير بين المتضادات، والمتجانسات تتصل، وتنفصل، وتتجاذب وتتنافر بقوانين الارتباط بينها، أصلاً.
لذلك، كان تفاعل الجن والعفاريت مع الإنسان، وتأثيرهما عليه، ليس مطلقاً، وكل ما يمكن أن يكوناه هو قيامهما بدور السبب أو ظاهرة الاقتران دون فاعلية التأثير، وإلا، لما أعطي الإنسان القدرة المسؤولة على مقاومة الشياطين، وهزيمتها، وعلى الشيوع في تفادي، أذاها، ومساسها به.. ولما ظل لها خفاؤها.
إذا كان هذا، موضوع الشياطين، والعفاريت والجن.. فأين تضعين موضوع الإنسان مجرداً من الإرادة والرغبة والإحساس، في حالة أن يعنيه تأثيراً على الآخرين؟
لا شك عندنا في وجود الجن والعفاريت والشياطين والأبالسة.. ولا شك وجود غرائز الإنسان في الإنسان وفي أنها هي مصادر ميوله، ورغباته وأحاسيسه، ومشاعره، ومده، وجذره.. ولا شك أن مشتقاتها الطمع والغيرة والحسد والحقد.
فإذا قلنا: إن للحسد تأثيراً بالقوة والانطلاق، سواء أكان نابعاً من إرادة الحاسد، أو من طبيعة مغناطيسيته، أو سيال سحري فيه، وجب أن يكون للحسد جانب إيجابي، لأن الحسد هو أن يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود، أو عافيته، فلا بد أن يكون لتأثير هذه القوة، تأثير مضاد، فكيف يتم هذا القضاء أو ازدواج المقابلة في نفس الحاسد أو تأثيره؟
البساطة من صفات القوة في الإنسان، ولكن، على ألا يكون معناها السطحية والتفاهة.. وإلا كانت عبط فتقلب صفة من صفات الضعف.
من المحتمل أن أكون مخطئاً كما أنت مخطئة وذلك ولكي تدركي أنني مصيب أو أنك "مصيبة" عليك أن تتأملي الغيرة لتدركي مدى تأثيرها على من تغار عليه.. وممن يغار.. فالغيرة تحرق وتهدم وتجنن وتفضي إلى جريمة قتل.. ولكن الفاعل دائماً والمؤثر هو ليس القوة أو الإرادة المغناطيسية المنطلقة.. بل إنها دائماً وبشكل ثابت الجوارح والسلاح.. أي التقيد المادي لمطلب الإرادة (الجريمة).
والآن وقد انتهينا أو كدنا أن ننتهي، فاسألي نفسك في هدوء، وموضوعية، وعلى طريقة أستاذك توينبي: على ماذا يحقد عليك الحاقدون؟ في ما يتوفر لك، ولا يتوفر لألوف من أمثالك في جميع المدن والقرى.
يجب أن تستقبلي كل علامة من علامات ما تحسبينه حقداً، معلناً أو مكتوماً.. ومصرحاً به أو مرموزاً له، بغاية الرضى والمسرّة، وحمداً لله ظاهراً وباطناً على ما أتيح لك مما يثير اهتمام الناس واستكبارهم بشأنك، وشأن نعمتك وصحتك -افعلي ذلك وستشعرين، بأن أندر لحظات السعادة هي التي تكتشفين فيها حاقداً أو حاقدة.. ورمت يمين أختك زلفى من استمرار الكلام الذي لا ترى من ورائه أي طائل، وأخشى أن يكون شعورها صحيحاً، فلا يكون لهذا الكلام أي طائل.
قبلاتي لك ولقويق وأبيه وعشيرته.. وإلى اللقاء.
والدك
حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :441  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.