شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(26) ابنتي الحبيبة شو
إنه اختصار لاسم التدليل الذي تُنَادَيْنَ به.. راقني بمناسبة استعمالي كلمة جيم التي جاءت عفواً في رسالتي الأخيرة إليك هي اختصار أيضاً لاسم جيمس أو جوني أو جرمالوس.. أنا معك في أن شو اسم رجالي.. ولكن ما ذنبي أنا إذا كان قدرك قد جعله نصف اسمك؟! وجعلك في سخريتك شبيهة بأستاذك برناردشو؟! لاحظت طبعاً من رسالة الأمس أني -كوالد- خرجت عن المألوف قليلاً أو كثيراً أو تزحلقت بحكم السياق والاستسلام لتداعي الخواطر..
المألوف أن لا يشتكي الوالد إلى ابنته.. بل أن تشكو إليه هي.. لأن العكس وهو ما فعلته يدخل على اللون التراجيدي اللون الكوميدي.. أي يمزج الأسود بالأبيض.
لا تتعمقي.. خذي الأشياء عفواً كما تجيء عفواً..
أليس من الجائز أن تجدي في هذا اللون منبهاً جديداً يكون حلاً مباشراً أو غير مباشر لصراع في نفسك، لم تعثري على حل له حتى الآن؟!
أقل ما في الأمر أن يهرب الإنسان من قيود الموضوعية والأشكال المفروضة.. وممارسة التهرب مما لا تستطاع مواجهته من أقدم وأثبت ممارسات الإنسان إذا لم يقض الإنسان على مخاوفه بالهرب منها ومن مثيراتها وأسبابها.. فإنه يؤجل إلى حد ما لقاءه بها..
ألا ترين يا شو أن الضحك أحياناً يحتوي على مقدار من المرارة أكبر؟ وأنه عبارة عن عملية تهرب من المواجهة المباشرة لواقع معين؟!
إن الانفجار بالضحك يكون انفجاراً بالبكاء بأسلوب مختلف يحتم على ما أعانيه وبإلحاح أن أتحدث علانية إلى الناس بما أحس.. ولذلك عندما نتكلم كثيراً وننفجر لا نقول كل شيء.. حتى عندما يكون مفهوماً واضحاً عند من يعرفون كل شيء.. ولا يقولون كل شيء.. لأنهم عادة يكونون مصابين مثلنا..
ما أسهل أن نعرف.. وما أيسر أن نقول.. ولكن ما أفظع أن نكتم ما لا يسعنا أن نقول..
من هنا يا شو تدركين أن مواقف التهرب من مواجهة العذاب.. أثقل من العذاب وأي عذاب تحوله التعاسة إلى شعور بالسعادة.. بواسطة الهذيان.. بطريقة برايل.. طريقة القراءة بالأصابع..
ها أنا أشعر بالارتياح والطمأنينة لأني أكتب إليك مرة أخرى..
إن التنفس بعمق في الهواء النقي يهبنا مزيداً من الراحة والمتعة.. لأنه يخلصنا من الكربون وأذاه.. هذا ما أحسه عندما أكتب إليك.. لأنك يا شو صديق أكثر منك ابنة.. إنك بالنسبة لي الهواء النقي الذي أتنفسه وأتخلص به من رواسب الاحتراق الداخلي.. ولكن من يدري ماذا يحدث.. صعب أن تصور لك الألفاظ ماذا أعني.. ولكن لا بد أنك تفهمين.. من كلماتي المهجورة (إذا لم يكن لديك ما تشتغل به.. فهذه فرصتك المثلى لتكون شاعراً قل ما شئت وما تقدر عليه مهما كنتَ رديئاً ومتخلفاً فستجد من يفهمك ويصفق لك)..
أنا الآن يا شو لا أجد ما يشغلني.. وهذا يعطيني الفرصة للهذيان.. وإذا تجرد هذياني من أي معنى فلا بد أن أجد من يعطيه أكثر من معنى ويصفق له.. لماذا لا تكونين أنت من يحل هذا اللغز؟
لك حريتك في الهرب ولكن حذار أن تعيدي إليَّ رسائلي بالبريد وعليها إشارة البريد التقليدية يعاد إلى المرسل لعدم الاهتداء إلى العنوان..
جادت علينا السماء أمس واليوم بمطر غزير.. تعويضاً لنا عن احتجاب الشمس التي يظهر أنها تحولت إلى ثلاجة نتيجة لتطور التكنولوجيا الحديثة، ترى أين يقف الإنسان في ظل هذا التطور؟!
ليتك تأخرت قليلاً في الإنتاج ليكون حظه من اتساع مجال التقدم أكبر.. تصوري.. طفل إلكتروني تغطي جسمه عشرات الزراير.. هذا للانطلاق في الفضاء صاروخياً.. وهذا لتحويل ماء البحر إلى بارفان.. تكفي القطرة منه لتحويل برميل فسيخ إلى شربات.. وآخر لاستيعاب كل العلوم واللغات والفنون في فترة الرضاع وهذا لتحويل المدرسة والبيت إلى مزبلة والمزبلة إلى سماد.. والسماد إلى وجبة شهية من كل المشهيات في برشامة بحجم الحمصة..
لم تستطيعي الانتظار يا شو.. فأنت المسؤولة إذن عن تخلّف العالم.. كما كانت جدتك الأولى حواء مسؤولة بأنها باعت الخلود كله بتفاحة لا تساوي قرشين. إنها لعنة غبائي تحيط بك.. ولكن لا.. فما بقيت للعالم حياة التخلف بعض الوقت فسيكون كل شيء على ما يرام.. ستكون الرياح طيبة.. وسيبقي كل شيء في مجراه.. ماذا تجدين الآن في رأسك؟ غير قليل من الدوار؟ لا عليك أيتها الغالية اضحكي يا شو وق هـ ق هـ ي وتأكدي أن الدنيا ما تزال على كف العفريت ذاته..
وقبلاتي.
والدك
 
طباعة

تعليق

 القراءات :456  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .