شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(12) ابنتي الحبيبة شيرين
دائماً يكتشف الإنسان أنه ضحية خطأ كان في إمكانه توخيه أو، السلامة منه لو أخذ بكذا أو لو ترك كذا..
وباستمرار تقريباً يوجه مسؤولية هذا الخطأ إلى غيره، ويدفعها عن نفسه.. وفي الغالب لا يعترف بأنه كان ينخدع بمن يوليهم ثقته، ويرى أن الذين يصيبون مقاتله هم الذين أحسن إليهم واعتقد طهرهم وصدقهم المحبة، والعطف، وخاض المعارك لنصرتهم وحمايتهم..
وهذا -مثل كل ما تمليه علينا حساسياتنا- صحيح نسبياً..
ما مقدار الصحة في هذا الصحيح نسبياً.. وما مقدار نقيضها المضاد؟ هذه مسألة أخرى يتعلق فيها التحديد على اختلاف الصور والحوادث..
إن علاقات التعامل في الصداقة والحب، والمخالطة بأسبابها المختلفة هي المجالات التي تتداخل فيها العواطف والمصالح والمطالب وبهذا تكون تربة صالحة لتولد وتوالد التناقضات ائتلافاً واختلافاً في وجهات النظر والإحساس وتقدير متطلبات الحياة..
حيث يتوفر الاختلاط تتوفر أسباب الاحتكاك، فالاختلاف، فالنزاع الخفي، فالظاهر.. هناك أنواع كبرى وعامة من النزاع، يسمونها التناحر بين الطبقات ونزاعات تقليدية بين القديم والجديد.. بين الشبان والشيوخ بين المحافظة والانطلاق وبين الرجال والنساء وبين القيادات وأتباعها.. وبين الألوان المختلفة في كل جماعة..
كل مظهر من هذه المظاهر إنما هو صورة من صور الحياة في خصوصها وعمومها، وهناك -وهذه نقطة بحثنا الآن- نزاع الإنسان بين متناقضات ذاته فكراً وشعوراً ورضوخاً للضرورات وثورة عليها ونزاعاً على مطالب حياته وعواطفه.. وميوله وطموحه.
صراع رهيب ومرير. لا بد أن يحول الإنسان إلى نزهة في كتاب.. أو فيلم، أو مسرحية ساخرة، لكيلا يفقد عقله أو يتعرض لانهيار أعصابه، البسيط أو المركب..
كانت روحك تفيض باستسهال المصاعب والمتاعب إلى درجة الاستخفاف بها.. وكان هذا يهبك قدرة خارقة على الاحتمال والمرونة والتكيف وكان الابتسام والضحك معينك الذي لا ينضب..
وبهذا كانت شخصيتك شخصية انتصار دائم..
الانتصار الدائم ليس اكتساب المعارك والمواقف.. إن تفادي الخسارة بالانسحاب أفضل من الثبات الذي يحقق الخسارة..
ما رأيك في انتصار لا يعوض الخسارة التي كانت ثمناً له؟
هزيمة مونتغمري في دانكرك كانت انتصاراً..
سلامتك هي سلاحك في معركة الحياة فاحرصي عليها ضد كل المؤثرات العابرة.. كل شيء يعبر ويفوت.
احتفظي بصفاء أفكارك، وشعورك وأعصابك.. لا تتصلبي في مواجهة ما ترينه مثيراً.. لا تحللي ولا تفسّري.. ودعي الأشياء والكلمات تنزلق حولك ولا تفتحي لها مدخلاً إلى باطنك..
محاولة ليست عسيرة عليك.. إننا نعيش حتى نموت.. ولكننا لا نموت مقدماً لأن نهايتنا الموت..
هل ترين الذين يعيشون يأبهون للموت ولأسبابه؟ كلا.. كلهم يتحركون ويُهيِّصون ويمرحون ويتداوون ولا يلقون بالاً إلى الموت.. فلماذا لا تعيشين أنت غير متلفتة إلى ما ينغص عليك؟! كلمة أو فكرة.. أو تصرفاً من الآخرين..
ربما أكون بعيداً عن النقطة التي تهمك..
هذا لسوء الحظ ليس ذنبي، لماذا لا تقولين شيئاً معيناً؟ من الآن سوف أقرأ خطاباتك بنفسي أولاً.. وسأتخلص منها.. وستكون إجاباتي بطريقة لا يفهمها غيرك.. ولكن دعي ذلك إلى ما بعد الامتحان..
أخشى إذا نجحت في هذا التأجيل أن لا تجدي ما يقال بعد أداء مهمة الامتحان.. وحتى إذا سألتك أين ما تواعدنا على تأجيله؟ فسوف لا تجدين أي أثر للتوتر القديم.. ربما لأن التوترات الجديدة شغلت الفراغ بعد عزل سابقاتها..
إن نفس الإنسان -وفي هذه أعني الإنسان الذي أنت نموذجه- تشبه غرفة في فندق أو سرير في مستشفى يفارقه النزلاء أو المرضى بعد إقامات لا تطول، ويختفون أحياناً بالعودة إلى الحياة وأحياناً بالرحلة الأخيرة منه.
هكذا كانت المؤثرات التي تهاجمك لا تستطيع أن تقيم طويلاً حتى ولا في منطقة المخلفات التي تستبعد من منطقة التعامل.. "روبابيكيا"!
للتوتر أسباب مرضية تبدأ من الانحرافات البسيطة وتنتهي إلى أن تصبح عادة راسية الأركان.. وعندما يصبح التوتر مرضاً ملازماً أو معاوداً فمعنى هذا أن في باطننا معركة لا بد من تصفيتها إما بالتقهقر كما حدث في دانكرك أو بالثبات حتى التصفية.
هذه المعركة سببها عضوي يتحول إلى نفسي أو نفسي يتحول إلى عضوي. الكبد والأمعاء هي مجال المعركة.. تضحكين إذا عرفت أن المسلوق، والمشوي واجتناب المواد الحريفة أو القهوة والتدخين هي التصفية لهذه المعركة..
الكلام معاد ومتكرر وممل ومسئم.. أعرف هذا، كل الأدوية هكذا.. لا بديل لأن تتولى عقولنا القيادة.. والعقول بلا إرادة أجهزة بلا استعمال أو باستعمال خاطىء..
كان اللقاء طويلاً جداً.. لا عليك سنكون أكثر تحفظاً ومراعاة لظروف ربّات البيوت في اللقاءات المقبلة.. وقبلاتي أيتها الحبيبة.
والدك
 
طباعة

تعليق

 القراءات :463  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج