شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(11) ابنتي الحبيبة شيرين
الآن فرغت من الاستماع لرسالتك الواردة مساء، وقد أخذني منها ما يشبه الدوار.. اطمئني إنه دوار خفيف لا يلبث أن يزول.. كما تزول كل العوارض العابرة.. لماذا تختارين أن تجري؟ أهو قانون الوراثة؟ أم هو قانون الفضول، وغريزة المغامرة؟
الآن فهمت أن كل المحاولات التي تبذل في شكل نصائح ليست أكثر من إثارة لتحديها ومعارضتها..
عندما نفعل خيراً للغير، ينبغي لنا أولاً أن لا ننتظر أو نتقبل جزاء عليه من غير الله.. وأن نحتمل ما يقابلنا من مكاره أقلها الجحود، وسوء الجزاء إلا إذا عافانا الله من التعرض لهما..
إن احتمال مغارم الخير، وما قد يجره علينا من البلاء للابتلاء، مضاعفة لجزائنا عليه من الله.
لنأخذ مثلاً الطرد والخطاب -اللذين حملهما غازي، يحدث أن يكون في الطرد شيء ما، أو شبهة، (سلاح مهرب، مخدرات، منشورات).
نعم، فلو فكر الإنسان في الاحتمالات على هذا النحو، لما تطوع لخير ولا فعله.. ولم يتعاون مع الآخرين إطلاقاً.. فماذا يفعل إذن؟ الاتكال على الله والمغامرة..
كان هناك رجل من أهل الخير يكفل المسافرين للحكومة في حقوق الغير..
وفي يوم ما ظهرت -على بعض المكفولين -لا كلهم- حقوق لآخرين تجاوزت المليون ريال.. وكان مليئاً.. صاحب عقارات، وطولب، فجادل.. فسجن وحجزت عقاراته.. ولم يطلق من سجنه حتى أفلس.. وجاء المكفولون وحوكموا فأثبتوا إعسارهم وانتهى الأمر..
ولم يلم الناس القانون.. ولا المعسرين.. ولكن لاموا فاعل الخير واتهموه بالغفلة والهوس.. حسن أن تكوني مجبولة على النجدة، وعمل الخير، والإحسان، وحسن أن تجدي في النوم على المسامير لذة، ولكن ما ليس حسناً أن تتوقعي من الآخرين أن يكونوا مثلك، أو أن تعتقدي أن هذا منهم شر، أو أنه ليس خيراً..
ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه..
وإن ما لا يعني الإنسان كثير.. ربما كان أكثر ما نفعله مما لا يعنينا فقط.. وعلى هذا، يمكن أن نسأل ما الذي كان يعني صديقي في ما تريدين أن تبعثيه إليّ؟ لا شيء إلا أن تثير رائحة "البلاشن"، والزرنباك والوزف حساسيته النائمة وأن يدفع خمسة عشر قرشاً أجرة التاكسي الذي يحمله إليّ مجيئاً، ومثلها عودة.. وكان الله غفوراً رحيماً.. وهذا إذا لم تكن هناك بعض المتاعب الجمركية.. أو التدقيقات الصحية في الرائحة الكريهة..
ومع هذا، وبلا شك، فالدنيا والناس بخير.. وليس الخير أن ننتقي المتاعب والمشقات وإلا لما أمكن تحقيق الفضائل الإنسانية، فهي لا تتحقق إلا بوجود أضدادها.. وهذا ما يعني النوم على المسامير باعتباره فرعاً من فروع (اليوجا). عليك أن تشمي رائحة الناس غير الطبيعيين فهم الذين لا يردون طلباً لأحد.. ولا يهتمون بالمشقات ولا يفكرون في الاحتمالات تفكيراً يصدهم عن تقبلها، واحتمالها فرحين بأنهم كانوا أهلاً للاضطلاع بالتبعات وإسداء الجميل..
إن زوجك غازي من هؤلاء، وهذا من دلائل حسن التوفيق لكونكما شبيهين في فرع من فروع (اليوجا)..
أرجو أن يقيكما الله العثرات والمتاعب بمثل هذه الصفة..
وقد قال صلى الله عليه وسلم: الله في عون المرء، ما دام المرء في عون أخيه. وأي مبدأ أفضل وأجزل أجراً من هذا؟
إذن فإلى المسامير.. وإذا كانت القوانين تجهل فالله يعلم.. ولكن لتكن أعمالنا لوجه الله تعالى لا ننتظر حسن الجزاء إلا منه وحده.. فهذه أحسن الغايات وأبعدها عن الشبهات..
يجب أن تعرفي أن الصدق صدق ما لم يختلط بالكذب ولو كان يسيراً.. والكذب كذب لو خالطه الصدق.. ولذلك كان قليل الغش ككثيره..
والقاعدة الفقهية.. ما أسكر كثيره فقليله حرام..
لولا خشية الإطالة لتحدثت إليك عن موازين الأشياء والاختلاف بينها، وحينئذٍ تستحيل بيننا الحبة إلى قبة.. ولكن لندع هذا أو غيره إلى أيام اللقاء بمشيئة الله وتوفيقه.
قبلاتي وتحياتي.
بابا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :492  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج