شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(10) ابنتي الحبيبة شيرين
خطابك وصل الساعة الخامسة من يوم السبت 17 يناير وكان من حسن حظه -أعني "خطابك"- أني لا أنام الليل أبداً حتى الساعة السابعة والثامنة.. لا تسألي لماذا فأنا لا أعرف شيئاً ولا سبباً يقتضي هذا الأرق الثابت..
ربما كانت الشيخوخة أو طبيعة انعدام الشاغل الليلي كالقراءة والتلهي بنظم الشعر وعلى الأصح ما اصطلح الناس على تسميته بالشعر لتمييزه بأنه الكلام غير المألوف.
وربما كانت طبيعة الوحدة والشعور بالظلمة التامة -ويظهر أن وقتاً كافياً للاعتياد لم يمر بعد على هذه التجربة القاسية.
حذار أن تنصحيني بأي نوع من المنومات أو المهدئات فكل شيء من هذا القبيل قد فات أوانه وانقضى.
لقد تناولت أقوى المنومات فكنت أزداد بها نشاطاً وحدة ويقظة، وهذا دليل على أن أرقي عنيد!
أحقاً كانت تمر بنا أعياد أيام طفولتكن كما تمر بالناس؟! لقد أصبحت ضعيف الذاكرة إلى درجة مخيفة.. مخيفة ليس لي ولكن للآخرين.. ماذا يحدث لمن لا ينسون لو لم ينسوا؟!
إنه شيء مرعب أن يحتفظ الإنسان بذاكرته عندما يأتي دور الأرق.. لم أكن بحاجة إلى أن تبرري لي برقية المعايدة.. يكفي أن لا تفعليها مرة أخرى.. هذه الحماقة التي لا يمكن أن تفسر إلا أنها هروب من كتابة رسالة.. رسالة ليست للمعايدة ولكن بمناسبتها.. استطعت أن تعيديني إلى الماضي أيتها الحبيبة يوم كنت تملئين البيت بهجة وإشراقاً بالنكت والقفشات وبحماقاتك الملحنة.. "حل الكيس" ومثيلاتها.. أما زلت ترددينها يا ترى؟؟
لقد كنت ذات أطماع محدودة وهذا من حسناتك.. ولكن أتراك الآن تبدلت وامتلأت بالطموح؟!
لا تصدقي أن كلمة الطموح تعني شيئاً أفضل من الجشع.. وهو التطلع إلى المزيد.. إن مطالبنا في الحياة لا يمكن أن تريحنا ما لم نضع لها حداً.. بالبساطة والقناعة..
أقول تريحنا لأن لا شيء يتعب ويجهد كالرغبة في المزيد.. هذا ينطبق على كل شيء..
إن طلب المزيد لا يحقق الأحلام بقدر ما يقضي عليها، يقضي عليها ليحلم بغيرها؛ بما لم يتحقق بعد.
ستعرفين مصروفات الجامعة في نهاية الخطاب فلا بد أن أسأل عنها صباحاً، ولكني أرى أن تتابعي دراستك في جامعة بيروت فهذا أفضل.. إنك هنا ستكونين عرضة لصنوف من القلق والتوتر، هذا إذا أمكن أن تجدي الطريق ميسراً من حيث ازدحام الجو الدراسي ورجوح احتمال تصعيد الاشتباك مع إسرائيل -وليدة الولايات المتحدة الأمريكية..
إن انتصارنا بمشيئة الله محقق ولكن النضال مرير.. كم كنت أود أن أراك بجانبي في المعركة.. وأن نحمل السلاح معاً كما يفعل الناس في فيتنام الآن.. ولكن هيهات كيف تتخلين عن بيتك وزوجك ورجلك الصغير؟
إننا الآن في أقصى الحاجة لمثل هذا التفكير كي نجتاز هذه المحنة التي تهدد تاريخنا ووجودنا كله..
ما أحوجنا جميعاً إلى أن نكون جنوداً في هذه المعركة.. المقدسة.. إن نفسي تطالبني في كل لحظة بأن أتطوع.. ولكن من يقودني ويقول لي اضرب في سبيل الله طلباً للنصر أو الشهادة؟!
لقد بلغت من العمر والتجربة والمعرفة بالحياة ما لا أتطلع بعده إلى مزيد غير موقف الجهاد والشهادة في سبيل الله..
أدعو الله مخلصاً صادقاً أن يحقق لي هذه الأمنية..
ألا تتحدثين إلى نفسك بهذا؟ ألا تجعلينه موضوع الحوار بينك وبين الشابات لتنيري به ظلمة نفوسهن؟!
إنها صورة من صور الجهاد تُكوِّنُ الشعور بالاعتقاد والإيمان.
وهذا هو الدرب القديم الذي سلكته أمهاتنا العربيات المسلمات في العهد الذي انتصر فيه تاريخنا وتألق..
ماذا تقولين: ألا ترين أن حديثاً كهذا جدير بأن يطرد النوم؟
أطلت عليك هذه المرة.. فقد تنفس الجرح المكظوم.. أتدرين الآن لماذا ينبغي أن لا تكون لنا أعياد؟ ولماذا ينبغي ألا ننام؟
أتركك الآن للتاريخ والمحاضرات الجامعية.
وأعدك بأن لا أطيل عليك بعد.. حتى لا يقول زوجك أني أحرضك على أن تكوني محاربة قبل أن يشعر هو بوجوب دفعك إلى المعركة "للتخلص"!!
قبلاتي مع تمنياتي الدائمة لك بالتوفيق.
والدك
حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثامن - في مرآة الشعر العربي - قصائد ألقيت في حفل التكريم: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج