شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تمهيد
كنا ذكرنا في نهاية العهد الفاطمي أن محموداً الزنكي صاحب الشام ندب قائده أسد الدين لمساعدة الفاطميين في مصر ضد الصليبيين عندما شرع الوهن يدب في حكومة الفاطميين وأن العاضد الفاطمي آخر خلفاء الفاطميين ما لبث أن استوزر القائد أسد الدين ثم استوزر ابن أخيه صلاح الدين بن أيوب.
وقلنا إن صلاح الدين بن أيوب استهان بالخليفة الفاطمي وما لبث أن نادى بسقوطه وأعلن استقلاله بالحكم وبذلك تأسست الدولة الأيوبية في مصر والشام على أنقاض الحكم الفاطمي.
ونستطرد هنا إلى أخبار مكة فنقول إن نفوذ صلاح الدين الأيوبي امتد إليها على أثر نجاحه في مصر وساعد على تأييد الدعاء للعباسيين فيها فقد كان صلاح الدين يعترف بالخلافة في بغداد اسمياً ويحاول تثبيت نفوذه في مكة تحت إشراف الخليفة العباسي وقد وافقه أميرها عيسى بن فليتة فدعا باسم العباسيين وأضاف إلى ذلك اسم صلاح الدين.
وشرع العراق على أثر هذا يرسل ركبه إلى الحج تحت إمرة من يختاره الخليفة (1) .
ونازع عيسى مالك بن أبي فليتة في عام 565 واستطاع أن يستولي على مكة نصف يوم ثم اصطلحا، ثم عاد النزاع بينهما في عام 567 فهاجم مالك مكة بجيش من هذيل فهزمه عيسى ففر إلى جدة وسطا على بيوتها التجارية فنهبها.
داود بن عيسى: ولما مات عيسى في عام 570 عهد إلى ابنه داود بالإمارة فلم يدم حكمه أكثر من نصف يوم ثم هاجمه بإيعاز من العباسيين بعض الخارجين عليه هجوماً عنيفاً حتى أجلوه عن مكة ونادوا بأخيه مكثر وذلك في العام نفسه 571 (2) .
مكثر بن عيسى:
وما كاد يتولى الأمر مكثر في عام 571 حتى شعر بحاجته إلى تثبيت مركزه ليتحاشى استبداد بغداد به كما فعلت بأخيه بالأمس فعمد إلى شراء الأسلحة وتجنيد بعض الرجال وبنى على أبي قبيس قلعة لتكون له حصناً إذا فكر أمير الحج العراقي في مناوشته أو عزله وظل مع ذلك يخطب للعباسيين والأيوبيين.
وعلمت بغداد بتحصيناته فاعتبرت ذلك منه تحدياً فكلفت أمير الحج طاشتكين أخا صلاح الدين الأيوبي بأن يجلي مُكْثراً عن مكة وأن يهدم حصنه.
فلما انتهى الحج العراقي إلى عرفات وأفاضوا لم يبيتوا بمزدلفة وإنما اجتازوها ورمى بعضهم الجمار وهو سائر ثم نزلوا الأبطح فناوشوا بعض الأهالي ثم نادى المنادي بالهجوم على مكة فكانت واقعة شديدة قتل فيها كثير من الفريقين ونهبت أموال الحجاج والأهالي (3) .
وهكذا ينسى العباسيون وينسى الأشراف وينسى المسلمون من كل الأجناس في مثل هذه المناسبات روح الدين الذي جمعهم في صعيد واحد ليتوادوا ويتراحموا ويتآلفوا ويجتمعوا حول رمز واحد، ينسون كل هذا ولا يذكرون إلاّ أغراضهم في الحكم ورغبتهم في السلطة ولا يبالون في سبيل هذه الرغبات أن يحيلوا مواقف العفو والغفران إلى ميادين يشتبكون فيها بأفظع ما يشتبك الآثمون والمجرمون.
لا ريب أنها آثام يقشعر لهولها أقل المؤمنين حظاً في الإسلام وأنه استخفاف جره قادة الإسلام على جماعة المسلمين في كل عصر فعلموهم الجرأة على قدسية الإسلام وتركوهم ينظرون إلى شعائره باستخفاف لا يليق بهذا الدين العظيم.
ونحن اليوم إذا شهدنا عامة المسلمين لا يعنيهم من الحج إلاّ طقوسه التقليدية وأغلبية الحجازيين لا يهمهم فيه إلاّ ما يهمهم من مصالح دون أن يحس هؤلاء أو أولئكم بإحساس الدين فيما يؤدون من نسك فما ذلك إلاّ جناية بعض أسلافنا من القادة والعظماء الذين هيأونا للاستهانة وطبعونا عليها جيلاً بعد جيل.
سلاح جديد: واستعمل المتقاتلون في هذه الموقعة سلاحاً جديداً لا عهد لمكة به من قبل، فقد رئي رجل منهم يرمي داراً من دور مكة بقارورة مملوءة نفطاً فأحرقت الدار وكانت لبعض أيتام مكة.
ولجأ مكثر إلى حصنه الذي بناه على أبي قبيس فحصروه به ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع سلم أمير مكة الحصن لأمير الحج فهدمه بعد ذلك (4) .
وأضاف طاشتكين إمارة مكة إلى أمير المدينة إذ ذاك القاسم بن مهنا بأمر الخليفة العباسي فما لبث القاسم أن رأى نفسه بعد ثلاثة أيام عاجزاً عن إدارة الأمور والقيام بأعباء مكة، فأعاد طاشتكين داود بن عيسى المغضوب عليه سابقاً إلى الإمارة وهو أخو مكثر وذلك في السنة نفسها 571 ثم ما لبث أن أعيد إليها مكثر (5) وقد ضرب طاشتكين الدراهم في مكة باسم صلاح الدين (6) .
إلغاء المكوس
وفي عهد مكثر حج الشيخ علوان الأسدي الحلبي فلما وصل إلى جدة طولب بالرسوم المفروضة فأبى أن يسلم شيئاً وأراد الرجوع فلاطفوه وبعثوا إلى صاحب مكة فأمر بمسامحته، فلما انتهى إلى مكة واجتمع بالشريف مكثر اعتذر إليه هذا وأوضح له حاجة الحجاز إلى فرض مثل هذه الرسوم، فلما اقتنع الشيخ كتب إلى صلاح الدين في مصر بتفصيل الأمر فعرض صلاح الدين تقديم ثمانية آلاف أردب قمح سنوياً مقابل إلغاء الرسوم عن الحاج، وكان الرسم المفروض على كل شخص سبعة دنانير مصرية ونصف دينار (7) .
ومما يذكر في وقائع عام 592 أن ريحاً سوداء عظيمة عصفت بمكة عند خروج الحجاج منها وكان فيها رمل أحمر أصاب الناس وسقطت أحجار من ركن الكعبة اليماني، كما ذكر أن الذي سقط من الركن قطعة واحدة وأن الكعبة تحركت مراراً وأن ذلك لم يعهد من قبل (8) .
داود بن عيسى: وتولى الأمر بعد مكثر أخوه داود، وقد ظل الأخوان يتداولانها نحو سبع وعشرين سنة كانت آخر مرة فيها لإمرة مكثر وقد ظل فيها عشر سنوات متتالية آخرها سنة 597 وهي السنة التي انتزعت فيها إمارة مكة من الهواشم طبقة الأشراف الثالثة ليحل محلهم بنو عمومتهم من الأشراف أبناء قتادة أي طبقة الأشراف الرابعة (9) التي ظلت في الحكم نحو سبعة قرون ونصف إلى أن أجلاهم السعوديون عنها كما سيأتي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :439  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج