في هذا العهد قام في جهات من العراق ثائر علوي اسمه علي محمد بن أحمد فاستطاع أن يحتل كثيراً من بلاد العباسيين وأن يعيث فيها فساداً وقد اتصل بمكة فاحتلها وولى أمرها محمداً بن عيسى بن محمد المخزومي وهي ثورة سادسة شهدتها مكة للعلويين وإن كان مبعث هذه الثورة خارجاً عن نطاق مكة، ثم ما لبث الموفق أن أجلى علي بن أحمد عن مكة بقيادة محمد بن أبي الساج وأعادها إلى حكم العباسيين وقد قاست مكة في هذه الفتنة ضيقاً شديداً فبلغت قيمة الأوقيتين من الخبز درهماً(1).
ابن طولون: وأرسل أحمد بن طولون صاحب مصر إلى مكة في عام 269 قائدين من مصر في أربعمائة وتسعين وألفي رجل فارس لإجلاء العباسيين عنها فوافاها في أواخر ذي القعدة(2).
وقسموا الأموال في عامة الناس فأعطي لكل رجل دينارين وأعطوا خاصتهم لكل رجل سبعة دنانير وكأنهم أرادوا الاستعانة بهم ضد والي مكة هارون بن محمد بن اسحق الهاشمي وكان أمير مكة في جيش عدته مائة وعشرون فارساً ومائتا عبد من السودان ثم أيد في اللحظة الأخيرة بنحو مائتي فارس يقودهم جعفر بن الياغمردي فما انتهى المدد إلى مكة في 3 ذي الحجة سنة 269 حتى اشتبك القتال مع الجيش الطولوني فانهزم عسكر ابن طولون وقتل منهم نحو مائتي رجل(3).
يقول ابن ظهيرة القرشي: وبهذا لم يثبت لابن طولون حكم في مكة وهو صحيح بالنسبة لما وهمه بعض المؤرخين من أن مكة حكمت للدولة الطولونية.
وفي سنة 269 تولى أمر مكة محمد بن الساج ثم تولاها في عام 272 يوسف بن الساج(4) وفي هذا العام انتدب أمير المدينة أحمد الطائي غلامه بدراً لإمارة حجاجها فنشب بين أمير مكة يوسف الساج وبينه خلاف أدى إلى القتال على أبواب المسجد وأسر بدر فغضب له بعض أهل الحج وثاروا على يوسف بن الساج حتى أسروه وساقوه إلى بغداد(5) وتولى أمر مكة في هذا العهد أبو عيسى محمد بن يحيى ثم ما لبث أن غضب عليه الخليفة المعتمد وانتدب له أبا المغيرة ليقصيه عن مكة وقد فعل وفيها قتل أبو عيسى وتولى مكانه أبو المغيرة(6).
قيل إن صاحب الزنج دعي لا علاقة له بالعلوية وقد تكون الإشاعة دعاية عباسية فقد قام الرجل ضدهم وكانت له جولة في بعض نواحي العراق والبصرة والبحرين والأحساء جمع العبيد إليه وأعلن تحريرهم وقيل إنه جهر بعقيدة الخوارج ولا أستبعد ذلك ففيها ما يساعد على طبيعة الخروج على السادة والملاّك وقد ساعده الحظ فتجمهر العبيد حوله وخاضوا تحت قيادته من عام 255 إلى عام 270 عشرات الوقائع التي ظفروا فيها ولكن الموفق انتدب نفسه لقتالهم حتى قضى عليهم. راجع الآداب السلطانية (ص277) وابن الأثير 7/75 فما بعدها وشفاء الغرام 2/190.
أحمد بن طولون أحد موالي الأتراك كان أرسله أبوه إلى البلاط العباسي هدية فنشأ أحمد في بغداد في الوقت الذي ساد فيه العنصر التركي واستعان به أحد ولاة مصر ليقوم بعمله بالوكالة فأظهر نجاحاً ثم تطور الأمر فاستقل بولاية مصر سنة 254 ثم استولى على بلاد الشام وفي هذه الأثناء ضاق الخليفة العباسي بالفتن في بغداد فرأى أن يحتمي بسلطان ابن طولون القوي فرحب ابن طولون بذلك ولكن عيون أخيه الموفق لم تترك له فرصة الالتجاء فقد قطعت عليه الطريق وأسلمته أسيراً إلى أخيه.
تتضارب الروايات المنقولة عن ابن جرير وابن حزم في شأن ولاة مكة في عهد المعتمد أشد التضارب كما أن الفاسي وابن ظهيرة ينقلان عن هذه المصادر وغيرها ما لا يمكن التوفيق بينه وقد نقلنا من ذلك ما نحسبه قريباً من الصحة.
الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.