شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(29)
ومضت شهور الصيف بسالم في أجمل ما تمضي بالمصيفين في الطائف.. بلدة الهواء والماء، وانقشعت كآبة كانت تغلق على صدره، وتضغط على فؤاده، وتفتَّحت نفسه للحياة، فاستحالت صورته الكاسفة، ومحياها الضامر إلى صورة ومحيا آخر تشع فيه معاني السعادة والغبطة.
كان يمضي بكر أيامه في نافذته المطلة على السهل المنبسط أمامه، تترقرق في حواشيه النسمات الرقيقة، وكان يشرف في جلوسه على مروج وزروع تكتنف السهل في بعض جنباته، وتتخلله في جنبات أخرى، وأصوات العصافير والنغاري تشقشق في الجو الحالم، وتصفق أجنحتها حول شجرة من أشجار الكمثرى.. تترامى فروعها بالقرب من نافذته.
وكان إذا تعالى النهار، وبدأ وهج الشمس يتخلل نافذته، قام إلى مكتبه في الغرفة المجاورة، وفضَّ رسائل بريده، وتناول ملفه فأودع فيه ما لزم إيداعه، ثم بدأ يحرر أجوبته إلى وكيله في مكة، أو عملائه في الملحقات بتصريف ما يلزم تصريفه من بضائعه، وطلب ما يلزم طلبه من الأصناف التي يشتغل بتوريدها.
وكان يغدو عليه في كل أمسية نفر من رفاقه فيخرج معهم للاستراضة في العقيق يصعدون في كثبانه الصغيرة ليشرفوا منها على أحشاء الوادي، أو ينحدرون في مدارجه ليتمتعوا برماله الناعمة في أعماقه، أو يرودون البساتين ليتخللوا أشجارها الفينانة، ويجنون ثمار الخوخ والتين، ثم يفترشون حوافي البرك ليطعموا ما جنوا، ويخوضون بأرجلهم في مياهها الصافية.
وفي بعض المرات، كانوا يدعون البستاني ليحمل إليهم من ثمار البستان ما يدفعون ثمنه بالسعر الزهيد، أو يصحبون خادمهم على رأسه (سموار) الشاي وآنيته، إلى حيث يجهزه لهم تحت عريش من أعراش العنب، أو غصن فينان من أغصان السفرجل.
ويظلون في استراضتهم هذه ونزعتهم، إلى أن يودِّعوا شمس المغيب وراء الجبال الباسقة في الأطراف البعيدة من الوادي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :277  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 34 من 186
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.