شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(1)
يتراءى لي تناسق منظم بين عبث الأطفال في مراحلهم الأولى ودلال بعض الكبار وتجنيهم في مراكزهم المرموقة حتى لأخاله في بعض تناسقه متجانساً.. تتداخل معانيه.. وتتساوق عند نهاية واحدة.
ألم يصادفك عاقل في أسمى ما يكون عليه التعقل؟ يستخذي لكلمة إطراء واحدة يزجيها لسان مفوّه خبير بأفانين الإطراء فيترك أثر السحر في أعصابه ويحيله في لمحة واحدة إلى طبل تتجاوب في جوفه أصداء يختارها الضارب وينظم ألحانها وفق ما يهوى؟
أليس في هذا طفولة تتجلى في استهواء الأطفال واستخذائهم لما نجزيه لهم من كلمات الثناء والإطراء؟
ألم تشهد عظيماً في (دسته) السابق يضطرب جهازه العصبي فتتوتر أعصابه ويستشيط غيظه فتهدهده بكلمات منتقاة وتغمزه بمعنى وشاه الزيف فإذا أعصابه تسترخي وإذا بين يديك طفل كبير تربت على كتفه كما تربت الأم على كتف صغيرها: ((أنت حبيب أمك يا بابا)).
أما أنا فما أكثر ما صادفني من الأدباء الأجلاء والعلماء الأعلام والفلاسفة النابهين والقوّاد المغامرين والرؤساء المحترمين من تراودهم عن عقولهم حيل المتكلمين وتعمل المراوغة في أفهامهم عملاً تدانيه كلمة جادة أو قول صريح واضح.
أليس في هذا طفولة لا يماري فيها إلاّ جاهل بطبائع الأطفال وأساليب تغريرهم؟
أتراها غرائز متأصلة في طبيعة الإنسان عاصية على التشذيب لا تهذبها دروس الحياة ولا يحد من شأفتها نضج واستواء.
صادفني في إحدى عواصم الشرق العربي كاتب مغمور حذق الاتجار بملقه في مجالس العظماء وأنشأ يحدثني عن طرائف شيقة كان يحتال بها على أفذاذ من رجال الصدارة في أمته وجره السياق فجرد لي من إضباره يحتضنها صورة مقال مفكك العرى يمتدح فيه أحد الأعلام ويحله مقاماً لا تدانيه فيه النجوم كان مقالاً مغفلاً من العنوان ليس بينه وبين أن يتملق به أي كبير يصادفه إلاّ أن يتوجه باسمه.
وأرادني على أن أشهد براعته فيما يحتال فاقترح أن أسمي له كبيراً بعينه فاقترحت عليه اسماً نابه الصيت معروفاً برجاحته العقلية فأسرع يتوج المقال بالاسم المختار ويرجوني مرافقته إلى زيارته.
وكم كانت دهشتي عظيمة ونحن نغادر العظيم المختار ويده تندى في جيب المغمور لتترك فيها ورقة من فئة المبالغ المحترمة.
لا تدري وأنت تمر بمثل هذه الألوان من الحياة ما هي قيمة الرجاحة في العقل والنباهة في الشخصية إذا كانت لا تقوى على الصمود في مواطن الخداع ولا تملك من الحصانة ما يميزها عن سذاجة الأطفال.
وأخيراً: أهو تناسق منظم بين عبث الأطفال في مراحلهم الأولى ودلال بعض الكبار في مراكزهم المرموقة أم هو شيء آخر لم تبلغ إليه دراستي للنفسيات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :361  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج