شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أسيداتنا في البيوت
أسباب هذه الكوارث؟!
هذه المآسي الدامية
هذه النوائب الفادحة
هذه الكوارث الطاغية
لا تعلمهن الرحمة ببيوتهن
والشفقة ببعولتهن
والرأفة بـ ((البلاليص!!))
حدثني صديقي بما آلمني ولا أدري أحق علىَّ أسميه أم حسبي من الموضوع بيت القصيد؟
إنه من عائلة لها مركزها ولكننا في عهد أبت الطفرة المجنونة وأبى الغلو الفاحش إلاّ أن يستوي الماء والخشب. قال صديقي ما لعلع صوت أول بكاءة لوفاة كريمتي حتى نوديت لأسمع قرار سيدات البيت. كان البند الأول يعني لقمة الجبر وما أدري أجبر هو أم كان كسراً لأن معرفتي بأسماء الأضداد عاشت تربكني من أول يوم حاولت أن يعلمنيها شيخ الله.. نعم سيداتي آنساتي ما لقمة الجبر أفادكم الله؟
أهي اللقمة التي أوصى بها المشرع الأعظم يوم قال اصنعوا لآل جعفر طعاماً إذا كان فمن من معارفنا ننتظر منه لقمة الجبر؟
قالت أفصحهن لساناً وأوضحهن بياناً حذار أن تتخابث وتتركنا مثالاً للعيب.. هذا يومك وإلاّ سلقتك وسلقتنا ألسنة الأصدقاء قبل الأعداء، قلت حاشاكم من السلق فدونكم وما تأمرون وحسابكم على الله.
قالت الفصيحة ليس في الأمر إلاّ نحو 120 سيدة وربما أضيف إليها خمسون، أما الرجال عندكم من الأقارب والجيران فلا أحسبهم يزيدون عن مثل هذا العدد وفي تقديري أن 4 أو 5 من الغنم تكفي لأداء الواجب ولا تنسَ أن تبكر -قبل خروج الجنازة لتبحث عن طباخ ممتاز يجيد ((الزربيان)) ويتقن ((الششني)).
فبادرت صاحبتها تقول ولكن آل فلان وآل علان أضافوا إلى المائدة أطباقاً من التمر الصفراني والجبن البلدي و ((المعرق)) المسبوك لا تزال بهاراته إلى اليوم في أنفي.
قلت أتريدونني أنسى وتنسون معي في غمرة هذه المشاغل أحزاننا وكأن لم يكن في بيتنا جنازة لها حقوقها في التجهيز، وهل ترونني أستطيع أن أوفق بين الآلام التي تحز في فؤادي فتدميه وبين هذه الحركات الصبيانية التي لا تليق بإنسان يحترم موقفه من هذه الفاجعة، ثم ألا ترون أن عليكن أن تسألنني عن كل هذه النفقات هل تحتملها ميزانيتي أم أنتن عبدات لكل مهووس ولا مناص لكنَّ من تقليده مهما أغراه الهوس.. أي سيداتي آنساتي هل تسمعن؟
هذه المآسي الدامية وهذه النوائب الفادحة ألا تعلمكن الرحمة ببيوتكن والشفقة ببعولتكن والرأفة بـ ((البلاليص))؟.. قلت هذا وأكثر من هذا أو أكثر دون أن ألمس خافقة تخفق لها قلوبهن وكيف تخفق قلوبهن لما أقول وقد عشن عبدات لتقليد كل مهووس في بيت آل فلان وآل علان.
وصاحت بي جدتي وخالة لي لا أملك عصيانهما ألاّ تتردد فكل هذا مخلوف ولسنا أقل شأناً من آل فلان وآل علان، فمضيت ولا أدري كيف مضيت.
وانقضى اليوم ولا أدري كيف انقضي ولكن الذي أدريه أن قلبي كان يدميه الألم دون أن أتبين أهو حزن على ما فقدت من كرائمي أم غيظ على ما أصاب موازنتي، وأضاف إلى ديوني، ولم يمر يوم وآخر حتى جاء من ينذرني بأني مطلوب.
وإذا مجلسهن معقود وإذا بند جديد يتلى علي أتسمع!!
لقد دعونا معارفنا وأهلنا وأقاربنا بالتلفون بعضهن في الرياض وأخريات في المنطقة الشرقية وغيرهن في جدة والمدينة لا يتجاوز العدد ألفاً وما حولها لأن بعد غد يوم الوجبة ولا نريد أن نكون أقل من غيرنا أو أضعف شأنا ألا فاسمع!!
لا بد لنا من ثلاث خياطات قبل أن يضيق بنا الوقت ولا بد لنا من فساتين من قماش أبيض ناصع يكفي لأكثر ضيوفنا من البوال أو التترن ولا بد لنا من مسافع بيضاء وأخرى سوداء، ولا بد لنا من سحاب للفساتين ولا بد لنا وهو الأهم من حضور الخياطات ليسهرن ليلتهن على إنجاز كل هذا.
ثم لا تنسَ أن بين من دعونا من كرائم العائلات لا بد لهن من حجز غرف في فنادق محترمة تنزلن بها وبينهن متوسطات الحال لا بأس إذا شئت أن تتواضع بعض الشيء في اختيار الفنادق الصالحة لهن.
وعلينا أن نستعد لهن بعدد من سيارات الأجرة تنتظرهن في المطار لأن -أغلبهن لا يعرفن مكان إقامتهن بيننا.
ولا تنسَ قبل هذا أن تحجز كرسياً للعزاء من نوع الكروم وأن تكون من ذوات المتكأ الأبيض أو الأسود وقد أوصينا من جانبنا على ثلاث خادمات يتكلفن باستلام الملاءات من السيدات يلزقن عليها الورق المصمغ مرقماً فيه نمرة التسلسل خشية الضياع كما أوصينا بثلاث أخريات لترتيب الكنادر على مثل منوال الملاءات، وأجرة الواحدة من هؤلاء الستة لا تزيد عن 20 ريالاً كما أوصينا على ست بنات ليقمن بأعمال القهوة والشاي ولا نحسب أن أجرة الواحدة منهن تقل عما سبق.
ثم لا بد لكل هؤلاء البنات من سيارات تنقلهن من بيوتهن ثم تعيدهن بعد نهاية الوجبة.
ولا تنسَ موضوع الدخان فلا بد أن يكون من خمسة إلى ستة أنواع أما الشيش فلا أقل من ثمانية وإن جعلتها عشرة فتلك مكرمة منك على أن تكون ليَّاتها قماشاً أبيض أو أسود وأن تعبأ الشيش بماء الورد واللبان لتعطي شاربتها نكهة خاصة.
كان صديقي يعيد علي ما عاناه وهو في شبه غيبوبة تلتاث ألفاظه كما تلتاث بين فكّي طفل لا يحسن مخارج الحروف.
أي سيداتي آنساني.
هذه المآسي الدامية وهذه النوائب الفادحة ألا تعلمكن الرحمة ببيوتكن والشفقة ببعولتكن والرأفة بـ ((البلاليص)).
ومضى صاحبي رغم تهويمته يتابع حديثه في ألم ثم شرعن يملين على مائدة الظهر الرز هو ((الزربيان)) نفسه على أن تكون مكسراته تغطي طبقاته العليا بشكل مكثف يملأ العين وأن لا تقل قطع اللحم في الطبق عن خمسة وأن يكون ((الششنى)) مخدوماً بشكل محترم وأن لا يقل ((السمبوسك)) في الطبق عن خمسة وأن تكون صحاف البرتقال والموز والتفاح مليئة بشكل مشرِّف لئلا نصبح مضغة في أفواه الناس وأن يكون الخبز بأنواعه الثلاثة والأربعة يدور بين الصحاف وأن يكون فرش المائدة من المشمع السادة الممتاز لأن فرش النايلون منتقد عند أصحاب الفهم!!
إلى أن قلن لي وثمة شيء له علاقة بغرف الجلوس إذ لا بد من إزالة جميع ((الكنب)) لتحل محله كراسٍ من الكروم ذات متكآت لونها أبيض أو أسود.
ورضخت يا صديقي لكل الأوامر لأن يدهن واحدة لم تشذ عنهن عاقلة لتناهض هذا التعسف الذي كبَّدني عشرات الألوف وسجلت عليّ ديوناً لا أدري كيف أقضيها!!.
إلى أن قال وليتك يا صديقي تعلم أن كل هذه النفقات التي تمثلت في مائدة عرضها كعرض ما كابدت من هموم ومع هذا فقد جلس الضيوف عليها قبل العصر وظللن يتهادين عليها في دلال حتى غربت الشمس دون أن ينلن من المائدة شيئاً يستحق الذكر وجئنا لنرفع المائدة فإذا هي مثقلة كما لو كانت الأيدي لمستها لتباركها دون أن تنالها الأفواه.
ولقد صعقت لأن دماء قلبي التي استنزفتها من أجل هذه المائدة أضافت إلى آلامي آلاماً أخرى فهذا الفيض المثقل في صحاف المائدة كيف أفعل به وأين أجد من يأكله وقد أظلمَ الليل وليس بجواري من يساعد على أكله أو نقله، وجاءني النذير قبل أن أفيق مما صعقني إنها الوجبة الأولى وستتبعها الثانية والثالثة فتمنيت لو كنت مكان كريمتي في القبر فقد بت أولى منها بالدفن.
قلت ومع هذا فهل تحسبك أصبحت مشكوراً أو مذكوراً بكلمة طيبة ستسمع غداً تعليقاتهن (الرز يا أختي.. الليّه..) أكله لا يطاق والسمبوسك مغطى بالزيت أما الششني ((فيكسر يد الطباخ اللي سواه)).
ولكن ما يمنعك أن تقف عند هذا الحد ويكفيك ما سبق من ديونك فتضرب عن الوجبتين الباقيتين بعزم ولا تتركهن يسحبنك على الشوك كما تسحب الأغنام.
قال أتمنى هذا ولكنهن سيغلبنني بالبكاء والعويل ودعواهن أنني سأعرضهن للعيب والفضيحة وأن بيت فلان وعلان وزعطان فعلوا أكثر مما فعلنا ولسنا أقل منهم في نظر الناس حتى نصبح أمثولة بين الأصدقاء قبل الأعداء.
أي سيداتي آنساتي..
أتسمعن أعجبكن ما يعانيه الناس من إصراركن على تقاليد لا ترضي الله ولا ترضي رسوله ولا يقبلها ذوق سليم.
وإذا كان هذا وهو من عائلة لها مركزها واستطاع أن يستدين فما بالكنَّ بفقير الحال الذي يأبى عليه أهل بيته إلاّ أن يقلد غيره مهما كانت نتائجه من سوء المصير لا.. لا تقلن أن الفقير بفقره فرصفاؤكن في بيت الفقير لا يتعرفن بالفقر ويأبين إلاّ أن يبرزن بروزكن لئلا تعيّرنهن بالفقر وقلة ذات اليد.
ألا فاسمعنني.. هذه المآسي الدامية وهذه النوائب الفادحة ألا تعلمكن الرحمة ببيوتكن والشفقة ببعولتكن والرأفة بـ ((البلاليص)).
وراح صديقي بعد هذا في شبه غيبوبة قلت ما بك وقد هومت؟
قال هي الذكرى البعيدة فمنذ سنتين تزوجت ففرضت عمتي وخالتي وابنة خالتي ومن عرفن من أوفيائهن فروضاً لا تزال ديونها إلى اليوم تثقل كاهلي كنت أتمنى لو خلصت منها ولكن أبت أحكامهن في موت كريمتي إلاّ أن تضيف أثقالاً إلى أثقال، فإذا صعقت اليوم من هول ما أقاسي فلا غرابة في أمري.
لقد قيل لي يومها أن عقد القران على الأبواب وأن فلاناً يبيع علباً للحلوى من معدن الأبلاتين، اشترى منها آل فلان وآل زعطان إنها اليوم فن جديد له قيمته بين العائلات المحترمة فدعنا نحترم أنفسنا، قلت ولكن سعرها فاحش، قالوا: ولكنه.. فحاولت حتى عجزت ثم أذعنت مرغماً كما أذعنت في موضع الشبكة وقيمة الصداق ألوف تتبعها ألوف أخذ بعضها برقاب بعض.
وجاء يوم الغمرة وتبعه يوم الدخول ثم يوم الصبحة فآليت أن أقتصر على ذوي القربى وبعض الأصدقاء من الرجال ولكن أهل بيتي يخفن العيب والفضيحة، فأبين إلاّ أن يتوسّعن في دعوة الحبايب والقرايب، قالوا سنعفيك من ضريبة الفنادق فسررت وما علمت أنهن هربن من تحديد العدد للفندق ليطلقن العنان لأحبائهن وأصفيائهن، ذلك أني ما لبثت أن فوجئت بأفواج السيدات تتقاطر صبح مساء في هدير كهدير السيل فبدأت الذبائح تسيل دماؤها بسيلان دمي وشرع الطباخون يضيفون إلى قدورهن قدوراً وإلى صحافهن صحافاً وحضرت المقينة تتبعها الكوفيرة فإذا أنا أمام طلبات لا بد منها لفنهن، ثم جاءت اللعابة في ساقتها جوقتها فتضاعفت الطلبات وتضاعف الإرهاق كما تضاعفت النفقات لتضيف إلى ديوني ديوناً ظللت إلى اليوم عاجزاً عن وفائها. أي سيداتي آنساتي أتسمعن؟ أيعجبكن هذا البسط كل البسط الذي نهى عنه القرآن وحذر صاحبه لئلا يقعد ملوماً محسوراً.
ألا فاسمعنني..
هذه المآسي الدامية وهذه النوائب الفادحة بل وهذا البسط الفاسق ألا يعلمكن الرحمة ببيوتكن والشفقة ببعولتكن والرأفة ((بالبلاليص))!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :386  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الثاني - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج