شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فارس (( الاثنينية )) عبد المقصود خوجه
كتابة التاريخ ليست لهواً (1)
حوار: زهير محمد جميل كتبي
ـ ضيفنا أديب مثقف وصاحب تفاعلات أدبية ثقافية جيدة، خدم الأدب والأدباء والفكر في المملكة العربية السعودية.
نخوض معه هذا الحوار الشيّق، ويلمس فيه القارئ الكثير من الآراء الثقافية الراقية، والفكر الجيد والرؤية السليمة.
هذا هو صاحب (( الصالون الأدبي )) .. المشهور بالاثنينية الذي يقام مساء كل يوم اثنين في داره بمدينة جدة ويؤمه جمع من رجال الفكر والأدب من السعودية والعالم العربي والإسلامي إنه الأستاذ الأديب المثقف عبد المقصود خوجه ابن الأديب الراحل الكبير محمد سعيد عبد المقصود خوجه.
الفكر.. والأزمة
ـ هل الفكر يخلق الأزمة.. أم الأزمة تخلق الفكر وكيف ذلك؟
ـ قد تكون هذه من القضايا الفلسفية القديمة التي ترى أن كل الأفكار ما هي إلا انعكاس للمرئيات.. فالعين تبصر الموجودات وتنقلها للعقل الذي يقوم بعملية التحليل والربط ليصل إلى الأفكار والقضايا والأزمات.. إذن فالفكر هو الذي يخلق الأزمة. وقد يرى البعض العكس تماماً إذ يعتقد أن الأزمة موجودة في طبيعة الأشياء نفسها وعندما يتلقاها الفكر لا يخلقها وإنما يدخلها معمل التحليل والفحص فتؤدي إلى إثارته وقدح زناده ليتوَّهج وينتج فكراً خلاّقاً، وعليه فإن الأزمة تخلق الفكر. إنها في النهاية مسألة فلسفية كانت وستظل مجال أخذ ورد بين المختصين ولست واحدهم.
ـ هل الأزمة تقتل أو تضعف سعة التخيّل، وتزيد من جشع الإحساس، وتوهن المقدرة على تصور الصور واستحضارها؟
ـ كما ذكرت فهي مسألة جدل فلسفي قديم.. منذ عهد الفلسفة الإغريقية القديمة.. إذا كان الفكر هو الذي يخلقها عمداً أدت لما ورد في السؤال من سلبيات، أما إذا كانت من طبيعة الأشياء فهي من معطيات الكون المادي وتأخذ مكانها من ضمن ما يرد على الذهن عن طريق الحواس وأهمها البصر وتلقى ما تستحق من تحليل مثلها مثل سائر المرئيات وبالتالي دورها إيجابي في قدح القريحة وتوهج الذهن وزيادة العطاء الإنساني.
ـ إذا افترضنا أن الأزمة تخلق الفكر.. فلماذا المتسول لا يكون أديباً أو شاعراً أو مفكراً؟
ـ أعتقد كما ذكرت أن الفكر موجود قبل الأزمة أو متلازماً معها وتجد طريقها عن طريق الحواس المعروفة إلى الذهن لتقدحه فينتج خيراً لصالح الإنسانية، ولكن إذا زادت الأزمة عن حدها ربما تطحن الفكر فلا يطرح إلا حصرما.. المتسول إذا وجد الحد الأدنى من المعيشة التي تكفل إنسانيته ربما أصبح شيئاً أكثر فائدة للمجتمع، عندما زاد ضغط الأزمة عليه تخطى مرحلة قدح الفكر إلى سحق الفكر فأنتج آدمياً ليس له فكر، مع ملاحظة أنني أتحدث عن درجة الأزمة وليس الأزمة ذاتها.
قوة.. بالألوان
ـ لماذا عصفت القوة بالمبادئ الخلقية والإنسانية وخنقت الشعور الإنساني؟
ـ القوة سلاح خطير ذو حدَّين شأنها في ذلك شأن كثير من إفرازات البشرية، القوة لها فائدة في وضع الأمور في نصابها لكن الشيء المثير فيها أنها تتشكّل بلون حاملها.. إذا كان أحمر صارت قوة حمراء وإذا كان أبيض صارت قوة بيضاء. إذا استخدمها حاملها في الشر صارت قوة شريرة وإذا وجَّهها للخير صارت قوّة خيرة. خير شاهد على أزمة الخليج استخدم واحد القوة ظلماً وطغياناً واضطر غيره إلى استخدام القوة نفسها لدحره.. إن أفضل استخدام للقوة هو استعمالها لإرهاب أعداء الشعوب، أعداء الخير، أعداء البشرية ذاتها، لذلك قال الله سبحانه وتعالى وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (الأنفال: 60). القوة تحافظ على المبادئ الإنسانية ولا تعصف بها إنها تحميها ضد التغول والبغي والعدوان، جميل أن يكون استخدام القوة الضاربة لإرهاب من يسيء استخدامها من أعداء الإنسانية. القوة مكلّفة تستلزم الإنفاق لذلك يجب أن يكون استخدامها في أضيق نطاق وبهدف (إرهاب) العدو الذي هو في الحقيقة عدو الإنسانية.
صفحات من التاريخ
ـ هل آن الآوان الآن لنكتب صفحات من تاريخنا العربي على صفحات سوداء؟ أقول هذا عبر ما تعيشه ساحتنا العربية من صراعات إنسانية.
ـ يجوز ذلك.. لكن كتابة التاريخ ليست لعباً ولهواً.
ـ هل تؤمن بأنصاف القرّاء؟
ـ كلا، فخطر أنصاف القرّاء وأنصاف المتعلمين أشد من خطر الأميين. فنصف القارئ ونصف المتعلم جاهل أما الأمي فهو غير متعلم ولكي تعلم الأمي تقوم بخطوة واحدة أو عملية واحدة هي عملية التعليم المستمر أما لتقويم الجاهل فتحتاج إلى عمليتين أولاً إخراج ما في عقله من علم ناقص ثم تعليمه بعد ذلك العلم النافع. لذلك كل البلاء ينبع من الأنصاف.. أنصاف المتعلمين وأنصاف القرّاء. وأنصاف الحلول.
ـ هل يوجد نصف مثقف؟
ـ لا يوجد الآن جهاز لقياس الثقافة ولكن الثقافة تنعكس في حياة الناس وتظهر بالتالي مستوى ثقافتهم عمقاً وضحالة نتيجة تصرفاتهم.
ـ كيف تعيد بناء وتشكيل الشخصية المسلمة، بعد أن افتقدت كثيراً من فاعليتها، ومنهجيتها وصوابها؟
ـ بالعودة إلى المنبع.. والتركيز على التربية الروحية السليمة وتطبيق المنهج الإسلامي الأصيل في تربية الفرد والجماعة خدمة للهدف الذي من أجله خلق الإنسان.
ـ كيف نساهم في تحقيق الوعي الحضاري، والتحصين الثقافي؟
ـ لدينا حضارة إسلامية بلغت شأواً بعيداً وثقافة إسلامية رفيعة أثرت كما هو معروف في مسار حضارات العالم عبر التمازج الثقافي الكبير في عهد الفتوحات الإسلامية.. وإذا رغبنا تحقيق الوعي الحضاري والتحصين الثقافي علينا بالتربية الدينية منذ نعومة أظافر الأجيال القادمة وتعديل مسار مناهج التعليم بما يتفق وعلوم العصر الحديث لتحقيق هذا الهدف.
ـ لماذا غاب ميزان الفهم العام في معظم التفاعلات الأدبية والاجتماعية ونحوهما؟
ـ هذا حكم مطلق.. ولست من أنصار الأحكام المطلقة.
ـ لماذا افتقدت مقوّمات الرجولة في الفكر والأدب؟
ـ أيضاً هذا حكم مطلق.. فالفكر والأدب ما زالا بخير في كثير من مجالات العطاء وليس بالضرورة أن أتحدث عن بلد معيَّن أو عمّا يصل إلى أيدينا فقط، فهناك عطاء جيد ولكن قد لا يكون متاحاً للجميع .
مرض الأدب
ـ كيف نشخّص المرض في الأدب؟
ـ الأدب لا ينشأ من فراغ. فهو انعكاس لما في السياسة والمجتمع. فإذا ظهرت علة في الأدب علينا أن ننظر في المجتمع الذي أفرزها، ونترك المجال للمختصين لدراسة الحالة وتشخيص المرض من وجهة نظر علم الاجتماع بالتنسيق مع مجالس الثقافة والآداب والنوادي الأدبية والجامعات للوقوف على السبب والمسببات ومن ثم إيجاد العلاج المناسب.
ـ هل يعيش الأدب حالة طوارئ؟.. كيف؟
ـ الإنتاج الأدبي في تصوري يأتي بعد مخاض طويل.. ومعاناة يقاسيها الأديب أو بعد تجربة شخصية تترك بصماتها في الروح الشفافة التي تميز الأديب عن غيره فتطرح إنتاجاً يجد القبول من المتلقي. أما أن يعيش الأدب حالة طوارئ ويكون الإنتاج بمقتضى هذه الحالة فهذا لا يتأتى وطبيعة الأشياء. قد يعيش الأدب حالة صدمة وتنتج عنها آداب رفيعة وقيمة.. كما تأتي الولادة أحياناً عن طريق الطلق الصناعي. أما حالة الطوارئ فلا تليق إلا بالجندرمة، لا أعتقد أنها تليق بالأدب.
ـ ألا تعتقد أن الإيمان بالفضيلة دون العمل بمستلزماتها، يضعف حقيقة الإيمان، ويؤثر على قوة النفس وضعفها؟
ـ الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل، إذن من الواضح أن الإيمان بدون عمل شيء مبتور وناقص ولا يترتب عليه الفائدة المرجوة.
ـ بماذا نفسر عبر المعطيات الأدبية والشعرية والصحافة من ضعف في ملكة اللغة، وضعف الشعور الصادر عن الانفعال العميق، وغياب التصورات الذاتية؟
ـ العناصر التي ذكرتم من ضعف في اللغة والشعور وغياب التصور الذاتي كلها موجودة ولكن لن تصبح ظاهرة، فبقدر ما نجدها ونألم لها نجد أيضاً ما يثلج صدورنا من حدب على أصالة اللغة ومن مشاعر جياشة تنسكب شعراً ونثراً بين حين وآخر تصورات ذاتية في منتهى الجمال. العيب ليس في المبدعين ولكن في القنوات التي تنقل إلينا الإبداع وتختار ما تراه هي مناسباً وتفرض علينا وصايتها وتتجاهل ما لا يتفق مع ميولها الأدبية.
جنسية الكتاب
ـ كيف نفسر زحف الكتاب الأجنبي الوافد على العربي السعودي؟
ـ أستغرب أن ينظر البعض إلى الكتاب وما يحتويه من فكر وأدب وفن على أساس (عنصري) أو (عرقي) وهل هو من جنسية يجري فيها الدم الأزرق أم لا؟ الكتاب بمجرد أن يخرج من دار النشر يصبح ملكاً للإنسانية فليس هناك حاجز بين الكتاب (الأجنبي) والكتاب (السعودي).. الكتاب لا يحتاج إلى تأشيرة وجواز سفر، إنه فكر حر يحلّق في آفاق العالم ليفرض وجوده عبر ما يطرحه من آراء وأفكار وثقافة.. فإما يثبت وجوده من خلال ما يطرحه من قضايا وإما يدخل غياهب النسيان. فإذا كان هناك زحف للكتاب (الأجنبي الوافد) على الكتاب (السعودي) فإنني أحيي هذا الزحف والقائمين عليه لأنه يعني كسر الطوق عن المعارف الإنسانية والاستفادة من معطيات العالم وأخذ ما يناسبنا وطرح ما سواه من منطلق الثقة في النفس ومعرفة احتياجاتنا الحالية والمستقبلية.
ـ كيف ينجح الأديب أو الشاعر أو المفكر؟
ـ بالصدق مع النفس والآخرين، باحترام عقول الناس، بتوخي منهج معيَّن يخدم قضية لها أبعاد إنسانية ومرتبطة بالمتلقي محلياً أو إقليمياً أو عالمياً.. وبقدر ما تتسع دائرة المتلقين تكون درجة النجاح.
ـ أيهما يأتي في المقدمة (الأديب) أم (الكاتب) ولماذا. وأيهما أقرب إلى العمق أو البساطة؟
ـ ليس لدي مرجع وإنما هو انطباع ذاتي بأن الأدب فن.. والكتابة حرفة، والإنسان قد يكون أديباً ولكن ليس بالضرورة أن يكون كاتباً بينما الكاتب ينبغي أن يكون أديباً حتى ولو كان تخصصه مثلاً الكتابة في السياسة أو الاقتصاد أو العلوم الإنسانية الأخرى. ذلك لأن الأدب يعطيه المدخل إلى مشاعر الآخرين حتى يصل بسهولة إلى هدفه. من ناحية أخرى، ذلك لأن الأدب يعطيه المدخل إلى مشاعر الآخرين حتى يصل بسهولة إلى هدفه. من ناحية أخرى، الأديب قد يكون منغلقاً على نفسه وإنتاجه حبيس أدراجه وملفاته، والكاتب يواجه الناس بما يكتب (لذلك صار كاتباً) وبالتالي أرى أن الكاتب يأتي في المقدمة على الأقل لاحتكاكه بالناس وتعريفهم بشكل يومي على أفكاره ومبادئه. أما مسألة العمق أو البساطة فتعتمد على شخصية الإنسان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :425  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 47
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج