شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حسين سراج: رائد الشّعر المسرحي (1)
بقلم: فاروق بنجر
(1)
طوى الموت الصفحة الأخيرة من كتاب حياة علم من أعلام روّاد الأدب في بلادنا بعد خمس وتسعين شمساً من السنين، وكان في عنقود الغصن الأخير يتلامح في البعد القصي وميضاً في البقية الباقية التي تعد على أنامل اليد الواحدة.
وحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن سراج المكي الطائفي مولدا (1331 ـ 1428/ 1912 ـ 2007) عاش رحلة عمره الأدبي ـ لأكثر من خمسة وسبعين عاماً ـ بين بلاده والأردن ولبنان ومصر، حتى لبى نداء ربه الكريم في القاهرة يوم السبت التاسع والعشرين من المحرم ودفن بها. وكانت حجب سنوات طويلة قد طوت ذكره وصورته إلا بين القلة من مواطنيه وزملاء فنه الأدبي ثم تقلبت عليه في شوط سنواته الأخيرة غيوم النسيان والنكران بين عارفيه وغير ذاكريه أي جلبة عنفوان مجتليات تيارات الإبداع الأدبي والذي كان فيه من أبرز مبدعي الفن المسرحي ومؤسسي الشعر المسرحي في بواكير هذا الجنس الأدبي الذي كان جديداً على زمن بيئتنا الأدبية، وكان طيلة ((المرحلة القرائية)) سنين قبل أن تبتدئ المرحلة التمثيلية المسرحية في: المدارس والنوادي، ثم في مسرحي الإذاعة والتلفاز، وفي الجامعات، حتى انطلقت بادرة في الفرق والجماعات والمنشآت المسرحية التي ما تزال محدودة الشيوع والانفراج.
وقد صوّر الشاعر المسرحي الرائد سوء حظه ـ بمرارة ـ في تقديم مسرحيته الشعرية ((الشوق إليك/طبعة تهامة: 1402هـ ـ 1982م)) حيث قال: ((وحضرت مؤتمر الأدباء السعوديين الذي عقدته جامعة الملك عبد العزيز عام 1394هـ في مكة المكرمة))، وخرجت تلفُّني غلالة النسيان، وتعتصرني مرارة الحرمان ألاّ أرى إنتاجي بين إنتاج الأباء السعوديين.
وسرت على غير هدى، اجتر آلامي وأحزاني، وفي نفسي ما فيها على القائمين بتنظيم ذلك المؤتمر، وفي رأسي أفكار يساجل بعضها البعض، وما أكثر ما قتل منها في هذه المساجلة.
وكدت وأنا في زحمة ذلك الصراع الفكري أن أطلق كتابة المسرحيات الشعرية ما دام قومي يتنكرون لي بالرغم من أني كنت بين شعراء الرعيل الول الذين احتواهم ديون (( وحي الصحراء )).
على أن ثورة غضبي لم تلبث أن هدأت بعدما تلوث ما تيسر من آي الذكر الحكيم، فتابعت سيري، ورأيتني وقد رست سفينة الظلام أفيء إلى ربوة تطل على الساحل، حيث استقبلني نسيم البحر العليل، فخرجت من سيارتي، وافترشت أديم الأرض أستروح نسمات الشاطئ الباردة، وأستجلي نجوم السماء الساطعة. وسبح تفكيري في ملكوت الله تعالى، فتناسيت ما جرى لي، وحملت ما فعله قومي معي على محمل حسن، وطفقت أردد ما قاله الشاعر:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وقومي وإن ضنوا علي كرام!
(2)
كان حسين سراج ـ الذي ينتمي إلى عائلة علمية أدبية ـ شاعراً هاجسه ـ بفتح الجيم والسين ـ نبوغ الشعر مبكراً، وهو دون العشرين من عمره، حين كان طالباً في ((الكلية الوطنية)) بعالية في لبنان، وتتلمذ للناقد الجهير ((مارون عبود)) الذي نمى فيه ـ على حد قوله في ((كتاب الاثنينية، الأعمال الكاملة: 1/26)) ـ حبَّ العلوم العربية وآدابها، وعلمه بداية الشعر والنظم والنثر. وبعد تخرجه في هذه الكلية التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت متخصصاً في اللغة العربية وآدابها، وصار شاعراً لجمعية ((العروة الوثقى)) بها، وتخرج فيها عام 1355هـ ـ 1936م، وهو في الرابعة والعشرين من العمر.
وفي هذه السنة الأخيرة تهيأت له المشاركة في إضمامة مجموعة (( وحي الصحراء )) بين النخبة من روّاد أدباء الحجاز، وكان بين فقر من الشبيبة من لداته النابغين أمثال: عزيز ضياء، ومحمد حسن فقي، وحسين سرحان، وعبد الله بالخير، وحسين خزندار ـ الذين برزوا بين صفوة من أساتذتهم ومن سبقهم من جيل الرعيل الأول أمثال: محمد سرور الصبان، ومحمد عمر عرب، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وعبد الوهاب آشي، ومحمد سعيد العامودي، وأحمد السباعي، ومحمد سعيد عبد المقصود.. وسواهم ممن كانوا من رصفائهم ومن كانوا بين الجبلين.
وفي هذه المرحلة وما أعقبها تلامح ظهور وتألق حسين سراج شاعراً مشاركاً في حركة أدب بلاده، وأخذت بوادر تجليات إبداعه الأدبي الجديد تومض في الأفق الثقافي في نقلة نوعية صوب الأدب المسرحي الذي كانت باكورة إبداعه فيه مسرحيته الشعرية ((الظالم نفسه))، قبل ذلك بأربع سنوات: 1351هـ ـ 1932م. وقد ظفرت المسرحية بالتمثيل في ((عمان ـ الأردن)): سنتها، كما ذكر ذلك عبد المقصود خوجه ((الأعمال الكاملة: 1/17)).
لكن مرحلة النضج الفني في الكتابة الإبداعية المسرحية تجيء ـ بعد ذلك بثماني سنوات ـ في نصه المسرحي الثاني ((جميل بثينة)): 1359هـ ـ 1940م الذي تسنى تمثيله في العام نفسه، في أول دار للسينما أنشئت بعمان: ((المصدر نفسه: 1/17)).
على أن النجاح الذي نالته هذه المسرحية شجعت الشاعر الرومانسي الذي تأثر بإيقاعات جماعة أبولو الشعرية المتناغمة مع طبيعة الشاعر الوجداني أن يشحذ أدواته الفنية في محاولة لمجاوزة الذاتية إلى بعد موضوعي في الدراما الشعرية، فكتب رائعته ((غرام ولاَّدة)) والتي صدرت ـ بعد ذلك ـ عن ((دار المعارف: 1373هـ ـ 1952م))، وإعادة طبعها ـ بعد ثلاثين عاماً ((تهامة: 1402هـ ـ 1982م))، وكانت قد ظفرت بتقديم عميد القصة العربية ((محمود تيمور)) الذي عبر عن إعجابه ببنائها الفني، وصياغتها اللغوية ونسقها الشعري وإيقاعها العروضي تنويع الأوزان ((غرام ولاَّدة طبعة تهامة ص: 9 ـ 14)).
وغرام ولاَّدة نص شعري مسرحي متماسك البناء في متنوعات قصائده، وفي: السيناريو الحوار الذي غطى على النزعة السردية، وأتاح للموقف الانسجام والتناغم مع الانفعال العاطفي المتموّج أحياناً، وتحقيق للنص الجمع بين ((الذاتية والموضوعية))، وتوافرت له ـ إلى حد طيب ـ عناصر ((الحوار ـ الصراع ـ الحركة)). وقد تكامل بناء النص في ((3 فصول و 14 مشهداً)) توالت في نسق شعري تمثيلي متوائم، على الرغم مما لاحظه الناقد الكبير عبد الله عبد الجبار في (التيارات الأدبية، 364) أن المسرحية حافلة بالمواقف الرومانسية وأن بعض شواهدها صورة من اتباعية الشاعر الذي يحتذي شاعر الأندلس الجهير (ابن زيدون) ويصفه محمد تيمور في (تقديمه، ص 10) بأنه أديب، شاعر، فنان وأنه مشغوف بالتمثيل وقد أغرم بالمسرح في بداية شبابه ومثّل يوماً شخصية (مجنون ليلى، وقيس بن الملوح) وهو ما يعني هذا الشاعر المسرحي من واقع الموهبة والتجربة والخبرة الفنية ويقول محمد تيمور في (13):
((والشاعر يبلغ ذروة الجودة في المواقف التي يقوم فيها ابن زيدون مقام الإنشاد.. وهذا فن من الاستجابة وصدق الاستيحاء والحق أو القصيدة الفوقية التي مطلعها:
أمست ليالي الهنا حلماً تناجينا
وأصبحت ذكريات الحب تشقينا
كنا خليلين في دنيا الغرام وقد
أضفت علينا من النعمى أفانينا
وهي التي يعارض بها نونية ابن زيدون المشهورة ـ تكاد أبياتها توهم القارئ أنها تكملة للأصل كانت خافية على الناس.
وقد أخذ إبراهيم الفوزان في (الأدب الحجازي الحديث بين التقليد والتجديد: 2/839) على بعض مشاهد هذه المسرحية غنائية الشاعر وميله إلى السرد الذي يعد من سمات الأسلوب القصصي ولكنه في (ص 840) يشيد بالمستوى الذي عنيت فيه المسرحية باللغة ومفرداتها وبالأسلوب والصور المناسبة للبيئة الحضارية في الشخصيات الحوار في المسرحية ويومئ إلى أن (الوحدة العضوية) متحققة حين يقف القارئ على المسرحية متكاملة.
ويشير ناصر الدين الأسد في (الاتجاهات الأدبية الحديثة في فلسطين والأردن، معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة: 1957م، ص 123) عند تناوله شعر حسين سراج في المرحلة الأردنية إلى أن هذه المسرحية حافلة بالمقطوعات الغنائية الغزلية، رقيقة عذبة مع قوة وجزالة عليها إشراقة الديباجة الزيدونية.
وآخر مسرحياته الشعرية الرائدة تلك التي أبدعها في بلاده في عام 1394هـ ـ 1974م في أعقاب حضوره المؤتمر الأول للأدباء السعوديين بمكة وهي مسرحية (الشوق إليك، تهامة: 1402هـ ـ 1982م) والمسرحية في 56 مشهداً وقد بلغت مستوى من القيمة الأدبية التي توافرت لها أدوات الإبداع الفني المسرحي وتحقق للمؤلف الكثير مما شحذ الهمة لتجسيده في بناء المسرحية بوعي الأديب وفهم الكاتب المسرحي المثقف.
يقول حسين سراج في تقديمه لها (الأعمال الكاملة: 1/36 ـ 38): (وصممت أن أكتب مسرحية جديدة.. وقلت في نفسي: يجب أن أنحو فيها منحى لم يتطرق إليه من سبقني من أساتذتي مؤلفي المسرحيات الشعرية وكان أول ما فكرت فيه هو أن أنطق شخوص مسرحيتي الجديدة بلغة البيئة التي يعيشون فيها وقد حاولت ألا يقتصر فهم هذه المسرحية على الطبقة المثقفة كما فعل أسلافي من مؤلفي المسرحيات الشعرية بل توخيت أن يكون شعر هذه المسرحية من البساطة بحيث يفهمه العامة وأنصاف المتعلمين بالإضافة إلى المثقفين.
وهذه المسرحية تعتمد ـ في جملتها ـ على الموضوعية والواقعية وليس فيها افتعال للحوادث كما راعيت أن يكون انسياب شخوصها وتحركاتهم على مسرح الحوادث طبيعياً وقد استفدت من (بحر الرجز) واستغليت (تفعيلات المجازئ) في حوار المسرحية).
وأعقب الشاعر هذه المسرحية بإصدار مجموعته الشعرية الوحيدة (إليها تهامة: 1403هـ ـ 1983م) وهي تحتضن 65 قصيدة ومقطوعة شعرية يغلب عليها الجو الوجداني الرومانسي وقصائد التجارب الإنسانية والمناسبات والأخوانيات وبعض الموشحات وقصائد ومقطوعات من إضمامات بعض المسرحيات الشعرية وفي عناقيدها ترانيم شعرية عذبة تشف عن وجدان شاعري محلق وبعد فلقد خلف حسين سراج إرثاً أدبياً غزيراً في الشعر والمسرحية والمقالة والقصة القصيرة وهي تشكل نتاجاً خصباً متاحاً للدراسات الأدبية النقدية المنهجية التي يجدر أن تتسع لإنصاف مبدع أدبي من جيل الريادة الذي شارك في بناء نهضة أدبية في المنجز الحضاري الثقافي لموئل العربية والأدب العربي ومنطلق تاريخه.
ولقد أحسن صاحب (الاثنينية) عبد المقصود خوجه إلى الشاعر وإلى تاريخنا الأدبي بتولي طبع وإصدار أعماله الأدبية الشعرية في (10 مجلدات) ضخمة فخمة، ضمّ المجلد الأول منها (الشعر) واحتضن المجلد الثاني (النثر) من تمثيليات وسرديات القصص القصيرة وأقاصيص إذاعية من روائع القصص العالمية، ومقالات ومحاضرات مما أنشأه إعداداًً وكتابة لبرامج شارك فيها سنين مديدة.
وحظيت المجلدات السبعة الباقية باحتواء مسرحيات إذاعية (نثرية) قدمها لسنوات عبر الأثير الإذاعي وهي تمثل نتاجاً أدبياً مسرحياً غزيراً متنوعاً يضع أديبنا في موقع رحب جدير بريادته الأدبية المسرحية التي عاشها مخلصاً لفنه الأدبي العريض واستقر له أن يكون أكثر وأغزر أدبائنا إنتاجاً مسرحياً وإذاعياً أدبياً مع تعدد مواهبه الأدبية وبروزه الريادي في الأدب المسرحي والمسرح الشعري الذي كان في فضائه كاتب أول نص مسرحي في تاريخ أدبنا المسرحي.. رحمه الله، وجعل الجنة مأواه!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.