شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تحرير الكلام من أدب الزيدان (1)
بقلم: أ.د. محمد بن مريسي الحارثي
ـ من هنا ليست لابتداء الغاية، كما هو الغالب في استعمالها. إنها هنا للتبعيض؛ لسد بعض مسدّها. والأدب في هذا العنوان يتجه إلى بعض مأثرة الزيدان من انطباعات وخاطرات أدبية، ذات علاقة بالنص إنتاجاً وتقويماً.
والأدب هنا ليس هو الأخذ من كل علم بطرف، كما هو أثر الزيدان الموسوعة الثقافية التربوية الكبيرة. هذا الكاتب الأديب الذي أدّب الكلمة ببيان اللغة الناصع حتى ليخيل إليك أن الزيدان الكاتب هو المعادل البياني لمحركاته، وبواعثه الخاطرية، والفكرية.
والزيدان الذي نعنيه، ونقصده في هذا الحديث هو الأستاذ محمد بن حسين زيدان الذي ارتبط اسمه، وفعله بالمشهد الثقافي العربي في غير قناة ثقافية مقروءة، ومسموعة ومرئية، حتى اختزنته الذاكرة الأدبية أديباً متنوّع الاهتمامات، والمشارب، ومؤدّباً لناشئة الكتاب الذين تأثروه في طرائق تناوله لقضايا الأدب من حيث البحث في بيانية العبارة المشوّقة، في وضوحها، وسهولتها وطلاقتها، وبثها متعة السامع، أو القارئ، من خلال أحاديثه التي كان يبثها عبر المذياع، عبر المنابر الأدبية ومقالاته المكتوبة.
واهتماماً، واحتفاء بهذه الشخصية الأدبية التي تركت أثراً من إنتاجها الأدبي اهتم صالون الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه (الاثنينية) بتكريم الساحة الأدبية كما هي عادته في نشر ثقافة الاثنينية اهتم بنتاج الأستاذ الزيدان، فنشر أعماله الكاملة في سبعة أجزاء عام 1425هـ بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية. وهذه الأعمال هي الرابعة والعشرون من سلسلة كتاب الاثنينية.
ونظراً إلى قيمة هذه الأعمال الزيدانية الكبيرة في مادتها المعرفية وكيفها الأدبي الأدائي أهداها الناشر شخصيتين من شخصيات الريادة الأدبية في المملكة العربية السعودية ومن السابقين في التأليف الأدبي هما: والد الناشر الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجه، ورفيق دربه عبد الله عمر بلخير يرحمهما الله. وهذا مؤشر واضح على قيمة الهدية، والمهدي إليه.
وإذا نظرت إلى أدبيات الزيدان المنشورة في هذا السفر الكبير ألفيت ذهنية واسعة الاطلاع، أصيلة في منطلقاتها المصدرية، وأصيلة كذلك في تعاملها مع مستجدات الحياة الثقافية.
هو كاتب صاحب قضية حضارية عربية إسلامية، وصاحب طريقة تشكيلية لقضيته الأساس، يكاد ينفرد بها، وتنفرد به، لولا توارده مع نفر قليل من كتاب المقالات الأدبية البيانيين من أمثال الرافعي، والمازني، ومحمد حسين هيكل والمنفلوطي في مترجماته، وغيرهم.
ومن الصعوبة بمكان أن نضع الزيدان في مكانه الصحيح من ميزان الأدب دون استقراء لمنتجه الأدبي جميعه، وهذا ما لا يتيسر لكتابة مقالات، تجمل، ولا تفضل، وتختار ولا تستقصي، وتفتح أبواباً للتداخل في أدبيات الزيدان ولا تقفلها، وتبحث من خلال هذه المعطيات أن تفتح أفقاً أو غير أفق لمن يريد أن يتوسع في دراسة المنجز الزيداني أو يدرس مادة من مواده، وقضية من قضايا كتاباته الأدبية والاجتماعية، والتاريخية، وخواطره الذاتية، ومعرفته الواسعة في الأنساب، وفي قدمه الراسخة في تربة تراث الأمة ومنجزاتها الجديدة، انتماء لهذا التراث، واعتزازاً، وافتخاراً به، واستحضاراً له، في مواقفه الثقافية الحضارية المادية، والمعرفية. فما هو إلا أن يصرف حديثه إلى أي قيمة حضارية، وشأن قديم، أو حديث حتى يتسابق المخزون التراثي، والمعطى الجديد أيهما يسبق الآخر إليه الإضاءة ما يريد الحديث عنه، تمهيداً لتوسيع نظرة مستقبل حديثة.
إن هذا الأديب أقل ما يقال عنه أنه ظاهرة ثقافية، ذات تنوّع قلّ أن تجده عند غيره من مماثليه..
أضف إلى ذلك البعد التربوي في ثقافته الممتدة على مساحة عريضة من أدبياته، وتفاعله مع قضايا الكون المعاصرة، إنه كاتب من طراز أصيل، طوّع عقلانية المعرفة بالترف البياني، وبلياقة التعامل مع الذات، ومع الآخر. خبير في اختيار قضاياه التي تشغل حيزاً من ذهنه، وخبير في اختيار لغته، وتركيب عبارته التي يزن بها عقله، ومشاعره رغبة منه في أن تأتي لغته على أقدار مضامينه التي عادةً ما يبثها عبر بيانية اللغة المثيرة.
قال عنه الأستاذ عبد الله بلخير: إن كلمات الزيدان تشعّ ألقاً كما تشع الأحجار الكريمة بألوانها، وضيائها. ووصفه الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين، بمهندس الكلمة، وسماه الأستاذ عبد الله الجفري (زوربا القرن العشرين)، هذه شهادات ثلاث من شاعر، وكاتبين لهم قيمتهم الأدبية، وهم من المقربين إلى روح الزيدان. لا أريد أن أرصد كماً كبيراً من شهادات المعجبين بأدب الزيدان فهي من الوفرة بمكان لأن الغاية من هذا الحديث ليس كلام الناس عن الزيدان، بل الغاية التداخل مع بعض كلام الزيدان في الخطاب الأدبي الإبداعي، وأثره على ذائقة الزيدان، وأثر ذائقة الزيدان في توجيعه.
وإنك لتلحظ في حراكنا الأدبي قديماً، وحديثاً، من يطرح الموقف، والرأي النقدي، ثم يلتمس له من الشواهد الاستشارية ما يعضد به ذلك الموقف، أو الرأي. فقد لمسنا مثل هذا في القديم عند ابن طباطبا في معيار الشعر. ولما كان مخزونه الشعري واسعاً مرّر لياقة المعيار بمحفوظه الغزير من الشعر العربي حتى كان ذلك المعيار مقبولاً من جهة الذوق المتمرّس بغزارة المحفوظ الشعري.
أما قدامة بن جعفر في نقد الشعر، فكان يسلك منهج ابن طباطبا في ابتكار المعيار، أو موافقة المتقدمين حوله. ولمّا لم يكن في مخزونه الشعري ما يدرّ ذوقه الأدبي كابن طباطبا اعترى الجفاف مقاييسه النقدية. فزعم بعض قرائه أنه أتى بمقاييسه من خارج الذائقة العربية، والأمر ليس كذلك. وقل مثل هذا عند النقاد، والدارسين الذين يكررون استشهادات من سبقهم على استقرار مفهوم لغوي بنائي في أي وجه من وجوه اللغة، وعلى أي مستوى من مستوياتها الأدائية.
أما الزيدان فإنه في الأغلب الأعمّ في مقولاته الناقدة، والنقدية كان يسلك عكس المنهج القرائي الذي أشرت إليه، فهو يستنبط المقولات النقدية من الشعر ولا يجهّز الشعر للاستشارة والشواهد. وهذا ينبئك عن روح نافذة قادرة على الاستنباط الصريح الصحيح للتعبير عن الموقف النقدي الراهن، وهي استنباطات لم تكن جاهزة لتجهيز النص الشعري بعد جاهزية النص النقدي.
تجد هذا المنهج الزيداني مبثوثاً بشكل واسع لا تخطئه العين في مقولاته النقدية التي سيكون لها نصيب فيما سنكتب عن أدبه لاحقاً.
إن ثقافة الزيدان الأدبية الشعرية والنثرية، التراثية والجديدة مؤشر واضح على الكيفية التي صقل بها الزيدان مؤدب الخطاب المعرفي غير الأدبي النصي ببلاغته الراقية وبعلمه المتمكّن في علم اللغة.
فقد كان يشيد باكتساب الكاتب المعرفة النحوية، تعلماً، وتعليماً، وكان يعوّل كثيراً على بيان القرآن الكريم في اكتساب المعرفة اللغوية الراقية. وكان يلحظ على بعض الكتّاب ما اعترى بعض ما يكتبون من لحن القول اللغوي، وما استقامت به لغتهم من فصيح اللغة.
فقد امتدح لغة عزيز ضياء الذي لم يكتسبها تعلماً، وتعليماً في المدرسة. وكيف تغلّب عزيز في نظر الزيدان على هذه الظاهرة اللغوية البنائية، التي لا يستقيم بها فكر وأدب دون خبرة عريقة بمعرفة أصولها، وأسرارها وقوانينها.
ولمّا لحظ قلّة نصيب ضياء من المعرفة اللغوية حاول أن ينبري لذلك من خلال ضعف المكتسب التعليمي من جهة وأن هذا الضعف لم يؤثر تأثيراً قوياً على استقامة الكلام، حتى وإن لم تستقم عبارة المتكلم.
فقد أخذ على ضياء اللحن القليل، وامتدح توصيل عبارته إذا تحدث في قضية ما، وهذا الاغتفار عن الوقوع في خطأ اللغة إذا جاز في الكلام غير البليغ لضعف خبرة المتكلم وتأخرها؛ فإنه من غير المقبول احتماله في النص الأدبي البليغ.
فقد كانت انحرافات النص الشعري عن قوانين اللغة محل رصد، ومتابعة، في حركة النقد الأدبي العربي.
فقد جمع المرزباني في موشّحه مآخذ العلماء على الشعراء منذ العصر الجاهلي حتى القرن الرابع الهجري. ولم نجد بعده موشحاً يرصد ما طرأ من أغاليط، ومآخذ على النص الأدبي الشعري، والنثري حتى يوم الناس هذا، اللَّهم إلاّ بعض الإشارات المتناثرة التي لم ينتظمها عمل واحد يرجع إليه من يهتم بتلك المتابعات، وذلك الرصد، ولعلّنا ننطلق من رصدنا بعض أدبيات الزيدان من إثارته المؤسسة على مصدر الفن.
فالفن عنده ملكة، والملكة ذاتية غريزية، ومكتسبة ويتقاطع مع مفهوم الملكة عنده؛ الموهبة، والاستعداد الذي يكبر ويزدهر، ثم امتلاك الخبرة المؤهلة باقتدار للإنتاج، من خلال القوى الطبعية الصانعة، والأخرى المائزة، واشتراك الذهن والحس في مصدر الإبداع اللاقط، والمشكّل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :380  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.