شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وخير هدايا الأحباب.. باقة ورد، وكتاب (1)
بقلم: عبد الله بغدادي
وكان صديقي وهو أحد الأحباب حسن الذوق رقيق المشاعر ودقيق الاختيار.. وحين حمل إلي هديته أثناء إبلالي من مرضي الذي ألم بي، باقة ورد نضرة، وكأنه انتقاها من حقل زهر خصيب ومن مرج قشيب رطيب.. فهذا الصديق الحبيب نعمت بصحبته ورفقته زماناً لا أذكر فيه أن أحدنا تعرض للفاترة الكارهة، فقد كان دمث الصفات رقيق حواشي الصدر، جعل محاسن الأخلاق له سيرة وتطيب منها وتعطر بطيبها من طيب الأطباب وطيب الطيوب.. وله ابتسامة المميزة لا تفارقه أبداً وكأنه من معدن الابتسام وعنده التهلل وكأنه المعني بقول الشاعر:
يغضي حياء ويغضي من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسم
وكأنه أختار هديته مجدداً وصالحه وقربه من خلقه الرضي الشجي ومن سجاياه الندية التي تحلى بها طيلة حياته.
وكل امرئ يولي الجميل محبب
وكل مكان ينبت العز طيب
ما أجمل الورد وهو يزهو مختالاً فوق أريكته ويلمع نضارة في رونق الضحى يهدي للمحبين ولكل العاشقين بهجة القلب وسرور النفس وبسمة عذبة ورائحته الزكية ينشرها لكل المعجبين وحتى للحاسدين:
كالورد ينفح بالشذى
حتى أنوف الحاسدين
والورد جميل وله أوراق
عليها دليل من الأشواق
إذا أهدى الورد حبيب لحبيب
يكون معناه وصاله قريب
والورد رمز الحب الكامن في أعماق النفس وتعبير جلي للمشاعر الرقيقة التي تختلج فيها ـ إن الهدايا على مقدار مهديها ـ وقد حملها إِليَّ صديقي وكانت خير رمز معبر وعنوان لحبه العميق ووصاله الذي لا ينقطع وقربه من القلب والروح والفؤاد.
وخير جليس في الزمان كتاب
وكان الكتاب الذي حمل إليَّ بصحبة باقة الورد، هو الصاحب والجليس الأنيس الذي يفكه النفس ويطرب القلب ويكسو صاحبه من حلى الفضل ثياباً، ويملأ برديه صدقاً وصواباً.
صاحب إن عبته أو لم تعب
لست بالواجد للصاحب عابا
كلما أخلقته جددني
وكساني من حُلى الفضل ثيابا
والكتاب هو الذي يجدد للقارئ ثقافته ومعارفه وينمي معلوماته ويزيده عمقاً في الفهم والأدب، ويعده بكل جديد يكون له عوناً وزادا في معترك الأيام..
وعتاده الذي لا ينضب وأمله الوارف الظلال كتاب الاثنينية.
وهو الكتاب الذي قدم إلي من صاحب الاثنينية الغراء في لياليها الزهراء وعلى الروابي الخضراء.. وهو روضة المطالع ونزهة القلوب والمسامع، حوى أحاديث ممتعة بالحسن وشيقة يسر بها الناظر ويقر بها الخاطر، وأدب سمر من النسق العالي، وطراز مجلس أدبي على منبر علوي وقد جاءني في إخراجه الأنيق وثوبه الرشيق وكأنه نزهة بليغة وطرفه أنيقة من معاني العشر ومراتع الأدب.
وصالون الاثنينية أقامه صاحبه الأديب الجهير عبد المقصود خوجه على شاطئ عروس البحر الأحمر مدينة جدة الوسط التجاري والأدبي.. فكان قنديلاً متوهجاً من قناديل الشعر والأدب.
ولهذا العاشق ((للكلمة)) نهراً يتدفق رواء وخضرة وحياة وشمساً تضئ العقول بالمعرفة.. عاش في ظلالها برعم ورد وطري عمر وتعنبر شباب، وعايش في خلالها الهوادي ومسامر الطلائع.. ولذلك امتهن السمر من صالونه الأدبي الماتع، وأحبه كما يحب الحب قربه ووصاله وقلبه وفؤاده، والعشق على اطلائها يستطيل سنديات وأشجار سرور لأولئك الرموز والمشاعل على دروب الأدب والفكر، وأشجار باسقة ظليلة في حياتنا الثقافية.. وذاكرته تعي أسماءهم وآثارهم الفذة وعطاءهم المنفرد. فكان لقاء الاثنينية بهم استلهاماً لتلك الذكريات الباهرة والرموز المضيئة، وعناق عطائهم والالتفات حولهم وتكريم النبغة منهم لسانهم ينفث الدرر الغوالي.
وبعطاء أدبي ثري وبما قدم خلالها من عطاء في ندواتها المتتالية من حوار شيق ومداخلات أدبية رائعة.. دخلت اثنينية عبد المقصود خوجه إلى فلك الصالونات الأدبية الراقية وباقتدار وتفوق.. والتي أشار إليها عدد من مؤرخي الأدب العربي في عصورها الزاهية وخلال حقبة من تاريخه الخصيب.. وهي الآن تبحر في زورقها الفضي المثقل بالجنى العنبر نحو شطأن الغد المشرق وطلعة الأمل البسام.
إنك واجد من خلال كتاب الاثنينية منافذ فكرية متفتحة لكل نسمات المعرفة وتقف من خلالها على مدى ثقافة صاحبها وترى اهتماماته الفكرية المتشعبة، تحفة طبقة عميقة الثقافة ذهنية الرؤى.. وتلمس الظواهر المضيئة في أدبنا السعودي المتميز في عهد أزهر بالحكمة الموروثة.. وتفتحت أجواؤه لمنابع الحضارة ومنافذ الثقافة.. وطاب وأزهر برموز صادقة وشخوص أدبية شامخة في سماء البيان.. فلقد أثرى ضيوف الاثنينية لياليها بأدبهم وثقافتهم وبعلمهم وأخلاقهم وبمواقفهم ومكنونات تجاربهم المثيرة للفضول والسؤال والحوار ومن تواصل الحاضرين معهم بالتعقيب والاستيضاح والمداخلات.. تكثيفاً للمتعة وتعميقاً لنغم الاستمتاع بتلك الأمسيات الجميلة.
وهذه الأحاديث التي حواها كتاب الاثنينية فوق أنها عملية فكرية للإمتاع والحوار.. تضيء جوانب هامة في عقلية الحضارة في الفترة التي عاشها ((ضيوف الاثنينية )) وتحملها ذكرياتهم التي وعت أسمى آثارها وأروع آدابها وهي توفر للمشارك في هذا الحوار المتعة والفائدة في آن معاً..وهي تشكل صفحات من التاريخ الأدبي، كما أنها تشكل في مبناها شهادة للتاريخ على عمر البدايات والتكوين الأدبي لهذا الوطن.. من الرجال الذين عاصروه وأسهموا فيه ثم حملوه في صدورهم وامتد بهم العمر حتى رووه للأجيال ليكون أمانة في يدها ووعياً في ضميرها، وهو رصيد ثقافي ومخزون أدبي وثروة لا تقدر بثمن.
أما بعد (( فالاثنينية )) كانت ميلاداً أدبياً رائعاً وإشراقة مضيئة في سماء البيان.. بقناديل الشعر والأدب تتوهج على شاطئ العروس وصالوناً أدبياً ماتع صاحبه جوهري زانه بعقود الشعر ويحبه حباً جماً له، فقد تربى في حصن الأدب وتغذى بليانه وعاش في أحضانه برعاية والده الأديب الرائد ـ رحمه الله ـ صاحب أول كتاب يقتحم مجاهل الفكر الأدبي في بلادنا ويفتح مغلقات الطريق، فكتاب (( وحي الصحراء )) كان واحة ظليلة ونسمة عليلة.. ولقد اختلط الأدب بأيام صاحبنا وسنوات طفولته والبهجة كانت تغمر قلبه الصغير دافئة وتدفق الحب وأشرق نوره وسناه.. فكان لقاء الاثنينية وقد سمته الصحافة هكذا فيما بعد أعطاه عمره وشبابه وحبه كلل هامة الأدب بالحب لديوان العرب.
والاثنينية: أحياء لعهد أبيه (رحمه الله) فقد رأى تردد الفضلاء إليه وتهافت الأدباء عليه في كل مجلس من مجالسه الأدبية العامرة.. ثم لقاءاته العديدة بهم لصباحات مكة المشرقة وأمسيات ((منى)) الوضاءة والتي كان يعقدها على شرف أدباء ومفكرين من العالمين العربي والإسلامي فهي استلهام لتلك الصباحات والأمسيات ومحاولة لاسترجاع مشاعر البهجة.
جبل الورد
وللأخطل الصغير قطعة شعرية رائعة تصور جبل الأرز الأشم بأنه جبل من الورد:
أزاهر في حنايا السفح وادعة
من الحياء على أهدابها بلل
مسحت عن جفنها الأسيان دمعته
حتى ترقرق فيه الأنس والجزلُ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :436  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 37 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج