شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على الصارية
أحجار المعلاة الشاهدية بمكة (1)
عبد الوهاب أبو زنادة
ـ 1 ـ
فاجأني سعادة الدكتور عبد العزيز حامد أبو زنادة، أمين عام الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، كعادته بمفاجأة سارة من عيار 24 قيراط. تمثلت في تفضله بإرسال نسخة من كتاب (أحجار المعلاة الشاهدية بمكة المكرمة) خصني بها كهدية قيمة سعادة الأستاذ الدكتور سعد بن عبد العزيز الراشد.. وكيل وزارة التربية والتعليم، للآثار والمتاحف.. والمشرف العام على إعداد المادة العلمية التاريخية للكتاب المذكور.. وطباعته على ورق فاخر صقيل وإصداره بغلاف مزدوج.. وقد طبع عنوان الكتاب على أرضية خضراء مموهة بالخط الثلثي الجذاب وببصمة ذهبية رائعة.. وبلغت صفحات الكتاب ستمائة وإحدى وسبعين صفحة من القطع الكبير.
وحول قيمة هذا السفر التاريخية جاء تقديم الكتاب بقلم الأستاذ الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي.. أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة الملك سعود فقال:
(يجيء نشر هذه المجموعة في هذا السياق لتؤكد مضامينها كثيراً من حقائق التاريخ الحضاري والاجتماعي الذي نجده مسطوراً في المصادر التاريخية المكية، وتضيف حقائق لم تصل إلى علمنا من قبل وخصوصاً في أسماء المتوفين في مكة والمدفونين في مقبرتها العتيقة (مقبرة المعلاة) ثم استرسل سعادته وهو يثمن محتوى هذا الكتاب القيم قائلاً: (وسيجد القراء والدارسون في هذا السفر الحافل بالنقوش المكية الشاهدية تنوعاً كبيراً في أشكال الخطوط، وتطورها، وأساليب زخرفتها وكذلك في زخرفة الإطارات، والحواشي الجانبية وفراغات ما بين السطور وتحليتها بعناصر نباتية وهندسية قل ما يماثلها في سواها من المجموعات الشاهدية الأخرى).
وبعد أن طالعنا رأي الدكتور أحمد الزيلعي في هذا الكتاب أرى من الأهمية بمكان أن نطالع أيضاً تثمين سعادة الدكتور سعد الراشد لهذه المجموعة النادرة من الشواهد لأن تثمين الدكتور أحمد الزيلعي والدكتور سعد الراشد يضيفان إلى هذا السفر عمقاً علمياً ورأياً أكاديمياً يُعتد بهما في المحافل الآثارية العالمية.. يقول الدكتور سعد الراشد: (إن الشواهد الحجرية تُعدُّ وثائق أصلية يُعتمد عليها في علم الآثار والدراسات التاريخية والحضارية والاجتماعية والثقافية.. لما تحويه من معلومات تتعلق بالشخصيات المذكورة أسماؤهم على الشواهد الحجرية ومراكزهم الاجتماعية، بالإضافة إلى الآيات القرآنية والأدعية وتطور الخط وأساليب تنفيذه وأنواع الزخارف الخطية التي تبين شخصية الخطاط وبراعته في الفن الإسلامي خاصة وأن مصدر هذه الشواهد من مكة المكرمة).
ولا ريب عندي في أن آراء الدكتور أحمد الزيلعي والدكتور سعد الراشد تشتمل أيضاً على إشادة خاصة وثناء عاطر على أفراد الكتيبة المؤهلة من الأساتذة أعضاء لجان الإعداد وتفريغ النقوش والمراجعة والتصوير والتسجيل.. تقديراً لتكاتف جهودهم وعملهم الدؤوب في صمت في سبيل إخراج هذا السفر بمواصفات لعلها إلى الكمال أقرب.
إن أطيب ما أختتم به الحلقة الأولى من هذا المبحث هو نص كلمة الامتنان التي سطرها بعفوية وشفافية رائعة قلم الدكتور سعد الراشد وتمثلت في الإشادة التالية:
(.. كذلك نُزجي خالص الشكر للأستاذ الأديب عبد المقصود محمد سعيد خوجه.. على تفضله بتمويل الطباعة على نفقته الخاصة.. إيماناً منه بأهمية هذا العمل وضرورة التعريف به لصلته بتاريخ مكة (شرّفها الله) وحضارتها الإسلامية..).
على الشّراع:
تتخلف الآثار عن أصحابها
حيناً ويدركها الفناء فتتبع
ـ 2 ـ (2)
استعرضت مع القارئ الكريم في الحلقة الأولى من هذا المبحث والتي نشرت بتاريخ 18/7/1425هـ شيئاً يسيراً من التعريف بهذا الكتاب القيم الموسوم بـ (أحجار المعلاة الشاهدية بمكة المكرمة) عبر تثمين كل من سعادة الدكتور أحمد الزيلعي وسعادة الدكتور سعد الراشد لمضمون هذا الكتاب وقيمته التاريخية مختتماً الحلقة الأولى بإشادة الدكتور سعد الراشد بدور الأستاذ عبد المقصود خوجه الذي تكفل مشكوراً بطباعة الكتاب على نفقته الخاصة تثميناً لأهمية محتواه.
واستأذن القارئ في تخصيص هذه الحلقة لاستعراض سريع لنصوص أحجار مقبرة المعلاة الشاهدية من حيث نوعية الأحجار وتطور فنون خطوطها ونقوشها وعددها.. واستقراء بعض المؤشرات التاريخية والحرفية والاجتماعية والاقتصادية عبر منطوق نصوص تلك الأحجار الشاهدية كما ورد مسماها في الكتاب وهو مسمى إلى الوضوح أقرب.
وقبل أن نبحر سوية في خضم هذا السجل الآثاري ومادته التاريخية المفعمة بالثراء الفني الجميل رأيت من المناسب في البدء أن أوضح للقارئ أن ميدان هذه الدراسة هو مقبرة المعلاة المكية وبالتحديد أحجارها الشاهدية أو الشواهد الحجرية التي كانت توضع على المقابر المكية للدلالة على أصحاب رفاتها والترحم عليهم بدءاً بالقرن الثاني الهجري.. حيث لاقت تلك الشواهد ما تستحق من اهتمام من وكالة وزارة التربية والتعليم لشؤون الآثار والمتاحف فقامت مشكورة بتجميعها وصيانتها وتصنيفها وتفريغ نصوصها وتسجيلها وتوثيقها وتحريزها في مكان أمين.
وقد بلغ عدد صور الشواهد في الكتاب خمسمائة وواحد وتسعين شاهداً كلها من أحجار البازلت المكي التي تراوحت ألوانها ما بين البني الداكن والفاتح والأصفر والذهبي والمموه..
وجاءت كتابة النصوص الشاهدية لتعكس موهبة الخطاط أو الناقش المكي الذي خلد براعته واحترافيته بنقش الشواهد بالخطوط الكوفية والنسخية والثلثية إما غائرة أو بارزة.. وأيضاً تأطير الكثير منها بنقوش نباتية وأشكال هندسية جميلة وزخارف وحليات رائعة.. واختلفت أشكال أحجار اللوحات الشاهدية ما بين المربع والمستطيل والبيضاوي والدائري..وتضمنت أكثر الشواهد أسماء أصحابها من المكيين وبعض المجاورين الذين جاءت أسماؤهم وكناهم وألقابهم برهاناً ساطعاً على استجابة رب العرش العظيم لدعوة نبيه إبراهيم عليه السلام..
وقد تضمنت بعض الشواهد أسماء الناقشين المكيين.
كما تضمن أكبر عدد من الشواهد سورة الإخلاص وآية الكرسي والدعاء إلى الله بأن يكتب صاحب القبر في معية المصطفى في الفردوس الأعلى. ورغم انطباق الصفات أعلاه على الكثير من أحجار المعلاة الشاهدية إلا أن بعض الشواهد قد جاء مخالفاً لتلك الصفات.. وسأورد في العجالات التالية نماذج منها وأخص بالذكر تلك الشواهد التي تميزت إما بإمكانية الاستقراء أو بالصرافة في مضمونها:
ـ اشتملت بعض أحجار المعلاة الشاهدية على شواهد مزدوجة لصاحب قبر واحد والمرجح أن صاحب الحدث من سراة المجتمع المكي أو من الأعيان أو من أصحاب المقامات الرفيعة.. فخصه أهله بحجر شاهدي وخصه معارفه والأصدقاء بحجر شاهدي آخر ربما للتعبير عن محبتهم وتقديرهم له ولأهله.
ـ إن العديد من أحجار المعلاة الشاهدية قد نقشت عليها بعض أبيات الرثاء التي لا زالت تعكس دفء المشاعر ورقة الإحساس.. حتى بعد مرور مئات السنين على نقشها كما جاء في المثال التالي:
طوى الموت ما بيني وبين أحبتي
وليس لما تطوي المنية ناشر
لأن أوحشت ممن أحب منازل
فقد آنست ممن أحب مقابر
ـ لقد تماثل الكثير من أحجار المعلاة الشاهدية من حيث خلوها من التأطير مثلما تشابهت في العديد منها الآيات القرآنية والأدعية التي جاءت في الأسطر العليا من الشواهد بينما خصصت الأسطر السفلى منها لأسماء المتوفين وتواريخ وفاتهم التي كتبت في جميع الشواهد بالحروف وليس بالأرقام.. ولعل في ذلك ما يرجح أن أسواق مكة في تلك الحقب قد حفلت بالعديد من المتاحف أو ورش الناقشين ولعل تلك المتاحف قد عرضت فيها شواهد حجرية جاهزة للبيع.. بمعنى أن ذوي الموتى يشترونها بعد أن يقوم الناقش بإضافة اسم المتوفى وتاريخ وفاته في فراغ الأسطر السفلى.. وتلك مهمة يمكن إنجازها خلال ساعات لا يتعرض خلالها الجثمان للفساد في رمضاء مكة ويكون حجر الشاهد جاهزاً للوضع على المقبرة فور دفن الجثمان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :713  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 137 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.