شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صوت من الخليج
الصديق خوجه وأعيدوا اكتشاف الغزاوي (1)
بقلم: د. غازي القصيبي
يفاجئني الصديق الأديب عبد المقصود محمد سعيد خوجه مفاجأة ثقافية سارة.. بين الحين.. والحين.. وأحياناً بين الشهر.. والشهر.. تجيء الهدية على هيئة ديوان نشره على نفقته.. أو على هيئة سيرة تمت إعادة طباعتها بعد أن نفدت.. أو على هيئة مجلدات تجمع ما تحتوي عليه اثنينيته العامرة من أدب وفكر.. هذا كله يعرفه الناس..
* * *
ما لا يعرفه الناس.. وما عرفته بمحض المصادفة.. أنه يجبر عثرات الكرام من الأدباء والشعراء.. في زمن قل فيه جابرو العثرات.. علمت، لا منه، بل رغماً عنه، أنه عالج عدداً على نفقته.. وخصص لعدد منهم رواتب شهرية.. ولا أحسبه يود أن أستطرد في هذا الجانب من جوانب رعايته للأدب.. أكتفي بالقول إن عبد المقصود حوّل نفسه إلى وزارة ثقافة مصغرة.. تُكرّم.. وتقيم الندوات.. وتنشر.. وتوزع.. وتثقف.. (مجاناً!) عسى أن تقتدي وزارة الثقافة بجهوده.. إذا شاء الله أن تنشأ عندنا!
ومفاجأته الجديدة الجميلة.. كتاب ضخم قيّم.. من ستة أجزاء ضخمة.. يتضمن الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأديب الكبير الرائد أحمد بن إبراهيم الغزاوي ـ رحمه الله.. يعلم الله وحده.. كم بذل عبد المقصود في هذا العمل من جهد.. لا يستغربه الذين يعرفون وزارة الثقافة التي تجسدت رجلاً..
* * *
لا أدّعي أنني قرأت الأجزاء الستة كلها.. بل أدّعي أنني قمت بسياحة سريعة فيها.. رجعت منها بشيء من الاستغراب.. الصورة الشائعة عن الغزاوي أنه شاعر مناسبات.. أو كما يقول عبد المقصود بدبلوماسية ظريفة:
((وشاعرنا الكبير يعدّ من شعراء المنصّات العالية.. فقصائده للمحافل أولاً ثم للقراءة ثانياً، وعشاق شعر المحافل يكتفون من الشاعر بالإثارة الوجدانية وتأجيج المشاعر..)).
شعر المناسبات، في عصرنا هذا، شعر مظلوم.. لا يكاد يعيره أحد من النقاد والدارسين اهتمامه.. رغم أن الباحث فيه سيخرج بومضات شعرية كثيرة.. هذا لا يعنيني الآن.. يعنيني أني كنت أعتبر الغزاوي شاعر مناسبات فحسب.. قد يكون شاعر مناسبات عظيماً ومع ذلك يبقى في هذا الإطار..
عندما انتهت سياحتي في المجلدات الستة.. أدركت أننا بصدد شخصية لا يجوز أن تختزل على هذا النحو.. وجدت شعراً ينبض بالعاطفة الوجدانية الصادقة.. ووجدت نثراً مليئاً بالبحوث الجادة (والطريفة).. أعدت اكتشاف الغزاوي.. وأدعو باحثينا الشباب إلى إعادة اكتشافه (2) .
* * *
لم أكن أتصور أن مثل هذا الشعر المؤثر يمكن أن ينسب إلى شاعر مناسبات:
((دلفت على الستين لا متأسفاً
على ما مضى منها ولا متحسّرا
سوى بعض أيام تولّت كأنها
طيوف وأحلام تزاورن في الكرى))
أو مثل هذا الشعر المؤثر:
((أين مني الرفاق؟ أين ليالٍ
كالرؤى غودرت؟ واين الأماسي؟
أين أيامنا.. وما هي إلا
من حبور ولائم الأعراس
أين مني الصبا؟ وأين انطلاقي
بالعشيات.. والظبا.. والكناس؟
أين لا أين صبوتي وشبابي
وروائي ونضرتي وحماسي؟))
أو مثل هذا الغزل الذي تحسبه قادماً، مباشرة، من عمر بن أبي ربيعة:
((إذا ما غدوا نحو المحصب.. وانقضت
ليالي مني.. والعيس ضجّ حنينها
وقفتُ ودمعي حائر مترقرق
وللقلب آهات تمرّ شجونها
أكتم وجدي زافراً وأبيحه
وأشفق أن يبغى عليّ عرينها
فكيف ومسراها السماء عشية
بذات جناح.. كالبراق متونها))
قال أبو يارا:
كان ابن أبي ربيعة يطارد الجميلات المسافرات على النوق.. أما الجميلة التي ذهبت بالطائرة.. فهيهات.. هيهات!
* * *
اكتشفت الغزاوي الناثر.. ووجدت لديه ولعاً مثيراً بتتبع الأصل العربي للكلمات العامية.. وقرأت له هذه النظرة النفاذة..
((وما من كلمة تتداولها الألسنة في مختلف الأغراض والمعاني إلا ولها واحد من مصدرين: أصيل محرف أو دخيل مولِّد ويدرك ذلك ويصل إليه كل من تصدى له أو تخصص فيه.. ولعلنا نحظى بمن يشفي الغليل في سفر جامع يعيد كل النظر إلى محله من الأصالة أو السلالة أو التهجن أو النبالة)).
* * *
قال أبو يارا:
لعلنا!!
وفي يومياته في ((الندوة)) وتعقيباته وتعليقاته الكثير من المُلح والطرف والفوائد (3) .
وقد أفدت فائدة عظيمة حين قرأت فيها:
إن قلم الحبر ليس اختراعاً غربياً ولكنه من صنع الحضارة العربية..
يقول الأستاذ الغزاوي:
الحقيقة إنه اختراع عربي قديم وأوّل من صنعه صاعد بن الحسن بن صاعد (475هـ) وكان يغرب في أشياء يخترعها منها فلك فيه نجوم وما يشبهها عمله للأمير شرف الدولة مسلمة بن قريش و((قلم حديد)) يملؤه مداداً يخدم قريباً من شهر..
قال أبو يارا:
واحسرتاه!
نخترع نحن القلم.. ثم ننسى الكتابة!
* * *
وبعد:
ثمة ملاحظة بسيطة لا يكاد يسْلم منها كتاب من كتب الأعمال الكاملة التي تجمع بعد موت صاحبها.. في ص 1690 من المجلد الرابع هناك أبيات تبدأ:
((بالذي ألهم تعذيبي ثناياك العذابا
والذي صيّر حظي منك هجراً واجتنابا))
والأبيات من شعر شاعر عربي قديم وأحسب أن الغزاوي ـ رحمه الله ـ
أوردها.. ليعارضها..
وفي صفحة 1729 من المجلد نفسه قصيدة بعنوان ((قمرية الوادي)) تبدأ:
((بي مثل ما بك يا قمرية الوادي
ناديت ليلي فقومي في الدجى نادي))
والقصيدة من قصائد شوقي المعروفة.. ولعل الغزاوي أعجب بها فنسخها وتركها بين أوراقه..
* * *
باسم محبي الثقافة أقول لعاشق الثقافة عبد المقصود محمد سعيد خوجه:
شكراً..
وجزاك الله خيراً..
وأعانك الله على إعطاء المزيد..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :659  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.