شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عبد العزيز الرفاعي.. صور ومواقف (1)
تأليف: أحمد سالم باعطب ـ الناشر: عبد المقصود خوجه
قراءة وتعليق: حنان بنت عبد العزيز بن عثمان بن سيف
عبد العزيز الرفاعي رجل فقده الأدب والقلم، رجل عاش كريماً، ورحل كريماً، هو نجم من الأخلاق هوى، وبنيان خالد ذهب عموده ومرتكزه الأساسي، لكنه ظلّ قوياً متماسكاً صلباً لم يتصدّع ولم يهو، وبقيت ذكراه خالدة في النفس والروح والشعور، هو رجل أحبّه الناس لأنه أخلص لهم، وقدره الناس لأنه احترم ذواتهم وأخلاقهم وطباعهم، فهو عفيف النفس، عفّ اللسان، ثاقب البصر والبصيرة، دمث الطبع والطبيعة، وفي وصف حب الناس له، يقول تلميذه وصديقه وأنيس روحه ونفسه، مؤلّف الكتاب الذي بين يديك ملخّصه وتلخيصه: (هو حب صراح قراح خال من الرياء مجلو من الغشِّ والخداع)، وفيه يقول أحد أصدقائه المتأدبين بندوته، والمنتفعين بشعره وشاعريته:
عبد العزيز الرفاعي منتهى أدبي
بعد الإله ومقصودي ومطلبي
فإن ظفرت به فالله يكلؤه
فقد ظفرت بقول العلم والأدب
وفي الندوة الرفاعية يقول مؤلف الكتاب:
نبع تدفّق في الرياض سناء
ينساب سمحاً رائعاً وضاء
تتعانق الأرواح فيه طروبة
وتطيب في ثغر الزمان غناء
تسري النسائم منه عاطرة الندى
تروي الليالي الخالدات عطاء
وإذا كانت هذه هي مشاعر المؤلّف تجاه الأديب الكبير عبد العزيز الرفاعي فلا غرو أن يكتب فيه كتاباً كبيراً يقع في (291) ورقة تقريباً من القطع الكبير، وهو الذي بين يديك الآن، وقد بدأ الكتاب بإهداء أدبي شيّق من كاتب سطور هذا الكتاب، جاء صادقاً حياً مخلصاً من قلب وقالب، ومن مؤلّف ومؤلَف إلى نسمات عبد العزيز الرفاعي الطاهرة رحمة الله عليه، فهذا الكتاب هو سيرته بل هو بعض مسيرته، يضعها المؤلّف الفاضل بين يدي قراء هذا الكتاب ليطّلعوا عليه، وليهنأ مؤلف الكتاب وليسعد، فقد أجرى الله على لسانه، وفتح على قلبه وقلمه وبيانه، ما بلّ غليل القراء، ونشر من عطر كلماته، ما دلّ ويدل وسيدل إن شاء الله تعالى على سمو سيرة الأديب عبد العزيز الرفاعي، ونقاء سريرته.
وقد قدّم الناشر الأديب عبد المقصود محمد سعيد خوجه للكتاب بمقدمة أدبية جامعة، تفوح منها رائحة الحب والإخلاص لفقيد الأدب والفكر الرفاعي، فهي أشبه ما تكون بسيرة ذاتية دقيقة لشخص الأديب العملاق الرفاعي، حيث تصف هذه السيرة خلقه وأخلاقه، جوهره وعرضه، باطنه وظاهره، ويعرف فيها الرفاعي بقوله: (الرفاعي باختصار رجل أحبّ الله ورسوله، فأحبه الله ورسوله، أخلص للأمة والوطن لذا أصبح اسمه منقوشاً على جذع الدهر، وسيبقى ما بقيت الفضيلة مرسى للأفاضل) وقد ضحّى الرفاعي وجاد بنفسه مخلصاً راضياً في سبيل قضية كبرى وهي قضية أن يكون الكتاب توأماً لرغيف الخبز، فسعى إلى نشره بين شرائح المجتمع المختلفة وبأسعار زهيدة، ثم أصدر مجلة (عالم الكتب) ليتابع الأدباء والعلماء والمثقفون ما جد ويجدّ في عالم الفكر والأدب، ويلي كلمة الناشر، مقدّمة معالي الدكتور الفاضل محمد عبده يماني، ثم تمهيد رائع، وإرهاص بارع بقلم مؤلف الكتاب، وفيه الإشارة إلى سبب تسمية الكتاب بهذا الاسم وهو كما جاء على لسان المؤلّف الموهوب: (اخترت أن اسمي هذا المؤلف بـ ((عبد العزيز الرفاعي ـ صور ومواقف)) وذلك لأن الرجل الحق موقف، يفرض على الآخرين أن يقفوا أمامه إكباراً واحتراماً).
وأول استهلالات الكتاب الميمونة وصفت اللحظات السعيدة التي رفرفت في سماء والديه إبان مولده وقدومه، حيث كان مولده في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك عام (1342هـ) في أم لج. وهنا كان مؤلف الكتاب باحثاً مدققاً يجيد الحوار، ويكره الجدل حين أخذ في مبحث تسمية هذه المدينة بأم لج أو أم اللج، ثم يطرق المؤلف نسب الرفاعي ويظهر له أنه حسيني الأسرة، من ناحية الأب والأم، ونسبه يمتد إلى الحسن بن علي بن أبي طلب رضي الله عنهم أجمعين.
وحينما تجاوز عبد العزيز الرفاعي السنة الأولى من عمره انتقلت أسرته من أم لج إلى الوجه ثم الليث ثم ينبع وأخيراً إلى جدة وفيها حدث خلاف عائلي بين أبيه وأمه كانت عاقبته الطلاق، ومن هنا بدأت رحلة الشقاء والضنك والتعب وكانت أمه مثالية صبورة قاومت نصب الأيام، فأخذت تعمل مع شقيقته الكبرى شيئاً من الأعمال اليدوية البسيطة، ويتولى عبد العزيز الصغير بيعها في المساء، لأنه كان منتظماً صباحاً في مدرسته وقد كانت والدته تعينه ببعض الهللات القليلة تشجيعاً له على الذهاب إلى المدرسة، فكان يلهو بها لهو العقلاء الكبار لا لهو الأطفال الأصغار، فيشتري بها كتباً ليقرأها، ومن هذه الهللات القليلة بدأت رحلة عبد العزيز الرفاعي مع الكتب والمكتبات، لكن نفس هذا الطفل حنونة عطوفة، فقد عرض على أمه ترك المدرسة والتفرّغ لحياة العمل، خاصة أن أخته الكبرى قد تزوّجت، وأصبح العبء ثقيلاً على والدته، غير أن هذه الأم الرؤوم كانت أشد حناناً وعطفاً وصرامة منه، فرفضت اقتراحه هذا كل الرفض، وأصرّت على استمراره في الدراسة، فما كان منه إلا الإذعان لرغبتها، أما هو فظلّ يفكّر ويفكر في طريقة يجمع بها بين الأمرين دراسته وعمله، واهتدى في النهاية إلى فكرة مؤداها أن يعمل في المساء إضافة إلى دراسته الصباحية، لكنه بدا له أن التوفيق بين هذين العملين أمر في غاية الصعوبة، فاستقرت به الحال إلى التفرّغ في العمل، والاتفاق مع مدير المعهد العلمي السعودي على تأدية الامتحان على طريقة المنازل، ثم تقدم للمعهد ونجح وفاز بشهادته، وهنا انتهت مشاكل العيش عند عبد العزيز الرفاعي، ويشير الكتاب إلى درجات سلم الحياة العملية التي ارتقاها الرفاعي وهنّ على التوالي:
ـ درجة سلم الحياة الأولى وهي عبارة عن بيع ملابس جاهزة حينما كان في السنة العاشرة من سني عمره الزاهر.
ـ الدرجة الثانية من السلم هي محاسب وهو ما يزال في غضون السنة الثالثة عشرة من عمره.
ـ الدرجة الثالثة من السلم هي مدرس قبل التخرّج لأبناء بعض الأسر الكبيرة.
ـ الدرجة الرابعة من درجات السلم الذهبي الصقيل تتمثّل في تعيينه مدرساً بالمدرسة العزيزية في مكة المكرّمة ولا سيما بعد حصوله على شهادة المعهد العلمي السعودي عام 1361هـ.
ـ الدرجة الخامسة كان محرراً بديوان مديرية المعارف.
ـ الدرجة السادسة عين في شرطة العاصمة.
ـ الدرجة السابعة عين في النيابة العامة.
ـ الدرجة الثامنة تم تعيينه على اعتبار أنه مستشار بالديوان الملكي.
ـ الدرجة التاسعة عضو بمجلس الشورى.
وقد عاش الرفاعي ضمن أطوار حياته التسعة محبوباً كريماً حابا للناس، فهو جبل من العلم والأدب والأخلاق، وصخرة من الحلم والأناة وسعة الصدر، لا يضيرها نقد ناقد، أو حقد حاقد أو حسد حاسد.
وحول حديث المؤلّف عن ندوة الرفاعي الخميسية وصلته بصالونات الأدب فقد كانت هذه الصلة منذ عهد بعيد، فكان يجتمع بأترابه ولداته في مكتبات الحرم وهذه المكتبات هي صالونات أدبية تجمع بين دفتيها الفكر والثقافة والحوار والنقاش، وفي أحايين أخرى كانت دور أصحابه هي مقر هذه الصالونات، لكن فكرة إنشاء صالون أدبي خاص،ودارة تضم رجالات العلم والفكر كانت متمكّنة في عقله وقابعة في ذهنه.
فدأب الرفاعي حينئذ على فتح داره لمثقّفي زمانه مساء كل خميس، وكان الباعث الحثيث وراء هذه الندوة، كما جاء على لسان مؤلف الكتاب: (هو العمل الجاد في سبيل بث الوعي الثقافي، ونشره بين أبناء الوطن).
وهل استطاع الرفاعي هذا الأديب الكبير أن يحقق قصده وقصيده من خلال هذه الندوة الرفاعية؟ وهذا ما يجيب عنه المؤلف من خلال حديثه عن الإرهاصات الأولى لهذه الندوة، ففي بداية عام 1380هـ، حدث انتقال الشيخ الرفاعي إلى الرياض، وترك عائلته في جدة يزورها بين الفينة والأخرى، وفي الرياض كان يشعر بحاجته إلى من يؤنس غربته، فخصّص مساء الخميس لخاصة أصحابه من طبقة المثقفين لعقد هذه الندوة في داره، وقد بدأت الندوة الخميسية الرفاعية بذرة صغيرة، ما لبثت أن تأصّلت واستطالت وامتدت جذورها في الأرض راسخة قوية عميقة، وكان لرجال الصحافة دور كبير في الدعوة إليها، فهي مجلسهم الأخضر، ومجمعهم العلمي الثقافي الرائد، فزاد مرتادوها يوماً بعد يوم، فاضطر إلى تغيير مسكنه عدّة مرات ليحصل على مساحة أكبر، وكان يحضر الندوة رجالات لهم ثقلهم ووزنهم في حياة المجتمع السعودي العامة والخاصة، وهم يحملون بين جوانحهم كتباً لا كتاباً، مليئة بدرر المعارف وكنوز العلوم، ولم يكن لها كروت تطبع، بل هي مطبوعة في قلوب الناس وعقولهم، وقد صارت هذه الندوة ملتقى الوزراء والسفراء والعلماء والأدباء والشعراء ورجالات الإعلام وحضور الندوة غير مشروط فيحضرها وجهاء المجتمع خاصة، وعامتهم من شباب مثقفين يبحثون عن مصابيح مضيئة تنير لهم دروب الفكر والأدب والثقافة، ومن أبرز من كتب عن هذه الندوة واستفاض في حديثه عنها هو الدكتور عائض الردادي في مؤلف مستقل أطلق عليه العنوان التالي: (ندوة الرفاعي)، وشخصية الرفاعي في ندوته كما وصفها الأستاذ عامر العقاد في كتابه (لهيب السطور) حيث قال: (وأول ما لفت نظري أن أستاذنا الرفاعي لا يفرض الرأي،ولا يسيطر على الحاضرين، وإنما الفيته يدع الكلمة تأخذ منطلقها، والرأي يجري كالماء النمير)، ولم يقتصر جهد الرفاعي على ندوته بل كان وراء فكرة المكتبة الصغيرة ومؤدّى فكرته تأليف كتيبات صغيرة ذات مواضيع عظيمة، لم يتطرّق لها الأدباء أو لعلّها جاءت نتفاً مبعثرة في كتب المؤرّخين لم تشد إليها الألباب، فيعطيها حقها من البحث والدراسة والتنقيب ثم تنشر.
ومن بركات ندوة الرفاعي ميلاد فكرة مجلة عالم الكتب وحصر رسالتها في متابعة كل جديد في العلم والمعرفة والتأليف في العالمين العربي والإسلامي لتفتح الدروب أمام عشاق الأدب والتراث، وكانت تصدر عن دار الرفاعي للنشر والتوزيع وكيف لا يهتم الرفاعي بالكتب ودعوة الناس إليها، فهو القائل في كتابه (رحلتي مع المكتبات) ((الإنسان هو المعرفة، والمعرفة هي الكتاب)) وقد اشتهر الرفاعي بخلق كريم وأدب جم فهو رجل الوفاء ورمز الإخلاص وقد جبل على حبِّ الخير وعدم الإساءة إلى أحد وأصيب الرفاعي بسرطان في البروستاتا، وقد رضي بأمر السماء الذي لا مفرّ منه، وظلّ يخفي مرضه هذا عن كثير من الناس ويتحمّل وحده آلام المرض نفسياً وجسدياً وفي فجر يوم الخميس 23 ربيع الأول عام 1413هـ انتقل ذلك العلم الشامخ إلى جوار ربه ولله درّ المؤلف حين قال: (وطويت بذلك الصفحة الأخيرة من رحلته الأخيرة، بل الحقيقة لم تطو وإنما تزاحمت الكلمات على السطور، وبلّلتها الدموع، وأضاءتها الشموع).
بقي أن أشير إلى براعة المؤلف في عرض كتابه، وقدرته الخارقة في انتقاء ألفاظه، وهل يحق لنا أن نصف هذا الكتاب بما وصف به المؤلّف حديث غيره حين قال: (والمقالة في جملتها لا تحتاج إلى تعليق أو إيضاح فكل كلماتها وعباراتها قناديل مضيئة تهدي شذاها إلى روح عبد العزيز الرفاعي) وأما المراجع التي اعتمد عليها المؤلف فهي محصورة في ثلاثة اتجاهات الأول: معاصرة المؤلف الذاتية للمترجم عنه، والثاني: كتب الرفاعي نفسه ومقالاته، والثالث: ما كتب عنه من كتب أو سُطر عنه، من مقالات أو ما قيل فيه من شعر.
وكان المؤلّف يأخذ بميزان العدل ومحك القسطاس، في حديثه عن هذه الشخصية العملاقة فيقول: (ولن أجعل للحب الذي أكنّه لعبد العزيز الرفاعي سلطة على كتابتي عنه فأنسب له ما ليس فيه، ولكني أحاول قدر استطاعتي أن أثبت بالدليل ما يؤيّد صدق حديثي عنه) وقد أضيف إلى الكتاب ملحق للصور حاول المؤلف قدر الطاقة أن يثبت على صوره الشخصية أسمها، وهي مما أضفى رونقاً وجمالاً على بهاء الكتاب وحسنه.
والمؤلّف كان أميناً في نقله، مستأمناً على أدب غيره وكان أيضاً قلقاً مضطرباً متمنياً أن يخرج الكتاب على أحسن وجه حين قال: (أعاود الكتابة من جديد مستعيناً بالله على أن يوفّقني ويعينني على إخراج هذا الكتاب بالشكل الذي تقر به أعين قارئيه) ولعمري لقد أرضى المؤلّف الأذواق، وأحسن الاختيار، ووفى الشخصية العملاقة حقها، وكتب أجمل الكلمات،ورمز لأحلى النغمات التي قيلت في عبد العزيز الرفاعي عليه رحمة الله وغفرانه، فطب نفساً أيها الرفاعي الرائد فقد كتب عنك، ما خوّلك أن تحيا حياة هانئة طيبة ذائعة وأنت في عداد الأموات.
وأما صيتك فهو بوق ناعق يستخرج منه كل أديب ومثقّف أجمل وأحلى النغمات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :483  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 142
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.