شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(7)
مرابع الجمل.. ومراتع الغزلان
ولقد قال الجدابي الحَمَّار.. والعهدة عليه.. أن من بين تلك الحيوانات: الثعالب، والذئاب، والكلاب، والغيلان تمرح في اخاء.. وبدونه.. مع الغزلان والحمر الوحشية.. والأنعام.. وأخشى أن أذكر تتمة روايته وأسماء من ردد أسماءهم من الحيوانات الأخرى فأكون ملحقاً به في الاختراع والتنميق.. مع علمي التام بأن ناقل الكفر ليس بكافر..
وعلى كل حال ـ كما نقول دائماً ـ فقد كان من ضمن العبر والمعلومات والحقائق الجديرة بالذكر والتي كوناها وسردنا بعضها في هذا المجال.. أن الغناء الحدري والأهازيج الجماعية كما هي مظاهر سرور واغتباط.. وأداة تنشيط للمزارع أثناء تأدية عمله الشاق في حقله وسواه.. فإنها كذلك سلاح دفاعي محمود في تنفير الحيوانات المفترسة والحيوانات المؤذية أو المقلقة للراحة على الأقل.
وأن كثيراً من تلك الحيوانات وأهمها أصناف من الغزلان والحمر الوحشية وسواهما.. قد انقرض أو كاد في بلادنا لأسباب خارجة عن سياق استطراد حكايتنا اليوم.
وأنه قد آن الأوان جدياً لسن القوانين الحكومية الصارمة لحماية البقية الباقية من حيواناتنا الإقليمية.. فإن من المفارقات الشائنة أن يأتي اليوم الذي يقال فيه أنه لا يوجد جمل.. في بلاد الجمل.. ولا يوجد غزال.. في بلاد مرابع.. ومراتع الغزلان.. والآرام.
وهكذا كان.. فبعد أن تناولنا وجبتنا بالكر، الوالد وأنا مع جماعة الحمَّارة يداً بيد ولقمة بلقمة.. ذهبنا في رحلة أخرى.. رحلة نوم عميق، لذيذ الأحلام العدسية.. ومتنزهاتها السحرية.. ونومتنا هذه ـ وإن لم تكن طويلة في حساب الزمن والتاريخ.. إلاّ أنها هجعة مريحة منعشة بعد اليقظة للجسم وللذهن معاً.. فقد استيقظنا كذلك في أعقابها حيث قمنا بأداء صلاة الفجر في نشاط وابتهال، وخشوع، وأديناها صلاة حقيقية تمت في أداء ساذج، مقبول ـ بلا شك ـ لحرارته، ولصدقه، ولعمق مبناه ومعناه عند الله.
وكتقليد محبب ـ أو غير محبب.. للعبة المعروفة خارجياً باسم "نطة الإنجليزة".. والمشهورة داخلياً لدينا وفي الحارة.. كلعبة شعبية واسعة الانتشار قديماً بالأزقة والبرحات من مدننا المباركة باسم لعبة ـ يا مسانكا وديني وانكا ـ وأروح وجي عند النبي.. إلى آخر اللازمة المسجوعة الحلوة التي كان يرددها اللاعبون حين ممارسة هذه اللعبة.. كفرع واحد من فروع أخرى من ألعاب ساحاتنا الشعبية آنذاك مثل.. الكبت.. القال ـ وهو الجولف ـ دآنى نروه.. الإنِني وسواها من ألعابنا المحلية البحتة والتي لا تفوتنا دعوة المسؤولين تأكيداً لما سبق منا إلى إحيائها بأسلوب عصري منسّق ـ على ألا يذهب بتسميتها الأحياء الجديدة.. والدوبلاج الحركي المضبوط..
أقول.. طال عمرك!.. كتقليد محبب لهذه اللعبة فإنني قبل أن أنسى ـ وكثيراً ما أنسى.. أرجو بالإذن أيضاً أن أسجل هنا وقبل مباشرة صعودنا للجبل من الكر أنه حصل حين عودتنا من الطائف إلى مكة وبعد نزولنا من كرا ومغادرتنا الكر على نفس حمارينا وبصحبة الجدابين الكبير والصغير.. وفي مسرانا ليلاً وكان الوقت ظلاماً دامساً.. إننا كنا نسمع عالياً وفي وضوح تام وقع الحوافر من ذواتها الهاربات من طريقنا تبتعد مؤقتاً لحين مرورنا عن الجادة المطروقة.
ولقد كنت أشعر فعلاً ببعض رهبة عندما أسمع تلك الأصوات وعندما قيل لي أنها وقع حوافر وأقدام وأظلاف حيوانات بعضها مفترس بالطبيعة وبالغريزة وبالفطرة.. وبعضها مفترس بحكم الجوع الكافر حين لا يجد مأكله السهل المعتاد.
ولقد كانت وسائل دفاعنا أمام تلك الحيوانات المتنوعة والمنتشرة أن يعمد الحمارون إلى رفع أصواتهم الجهورية بالغناء وقوامه الحدري وهو غناء ساذج وحلو.. ورقيق في أسماع بني آدم.. ولكنه بالنسبة لتلك الحيوانات إنذار مباشر مسموع.. بأننا.. هنا!..
ولا شك أنها ـ أي الحيوانات ـ تحسب حساب الجماعة المتكتلة صفاً واحداً.. فإن يد الله مع الجماعة.. وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية. فبسماعها الأصوات الجماعية الهازجة.. ورتابة وقع حوافر الحمير.. تفر هي.. لنسمع نحن وقع خطواتها الهاربة.
أما خط الدفاع الأصلي ضدها.. فإنه لم يكن من صنع أفواهنا بل من صنع الحجيج في عرفات.. فإن تلك الحيوانات المتجمّعة منها سرت أفواجها من الجبال والشعاب على طول وادي نعمان والأودية قبله وفي جواره.. رغبة في التزوّد من البقية الباقية من مخلّفات الحج بعرفات.. بما في ذلك بقايا اللحوم المجهولة الهوية من بقايا الذبائح.. وسواها.. مما كفل درء الشر عن رواد هذا الطريق عقب الحج مباشرة.. بهذا البديل..
والمغزى من هذه الإشارة العابرة.. الإشارة إلى ما كان من توفر أصناف الحيوانات المنتشرة في باديتنا.. يومذاك.. حتى مجيء الوقت الذي بادت فيه إما بفعل الإبادة البشرية منا لها، أو الموت صبراً.. أو جوعاً لعدم وجود مخلّفات موسمية لموسم الحج بعرفات ومِنى.. بفضل تقدم وسائل النظافة والتطهير..
ومن المستحسن في رأيي للجهة المختصة عن نظافة الحج الآن أن تتخذ من هذه الواقعة التاريخية دليلاً ساطعاً على ذلك.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1278  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج