شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 29 )
خواطر...
الشيوعية، كمذهب نفسي تعبيري باللسان والفكر عن شذوذ الحياة.. إشارة بشرية عامة للدلالة عليه.. وجدت قبل أن يوجد "كارل ماركس" أو روسيا. مذهباً، أو حكومة متصفة به صفة احتكارية له.. فإن من حق المحروم أن يتنفّس أتوماتيكياً بالشكوى الدالة على حاله. تبريراً واسعاً للخيبة، وحداً للشذوذ المتضخّم لا تفصده طبيعة شخصية، أو فرض ديني محتوم، أو قانون وضعي عام.. لكن إلى الحد الذي لا يسلب حقاً للغير، أو يميت حياة في النفس..
فالحظ، بهذا الاعتبار، إيماناً به وكفراً، قاعدتها الأساسية المتضخمة، والمرتفعة بمرور القرون، وتطور الحياة والأجيال، كمسلة إلى عنان السماء.. أو إلى كلمة الشيوعية.. والناس لن ينفكوا أسرى هذا الوهم أو الحقيقة، أو المعنى، يدعونها، أو تدعى في أسس قواميسهم، بالحظ.. يعتمدون عليه عزاء أو تبريراً أو سلباً معنوياً للغير، أو شكوى، قانونية للعدالة خفيت أسبابها على العقول، أو تمثّلت في نطاقها الرسمي المنظور..
وما الظن بآلاف، أو ملايين الفقراء، لا يجدون البلغة. لا الكفاف.. في حين يبصرون ما يقوم في كيانهم حياة كاملة يبذل كجزء من ألف جزء من فضول مباح في "سبرمانية" الترف وشذوذه.. إن لحق التطور المعاني، فكانت للترف سبرمانية.. كما لحق أو سيلحق الأحياء؟..
ثم ما الظن بهؤلاء.. إن مثلهم الشباب المثقّف، المرهف الحس، والمتذوّق الحياة لا ينقصه الدماغ المفكّر، ولا الزند الفاعل، ولا الجلد اللازم، لا يجد لنفسه في مجال الكسب "مغرز إبرة" من ضيق الاحتكار.. لا من اتساع الرقعة مع ازدياد الزحام؟ أليس من حقّ هؤلاء، وأولئك، بعد الهبوط في كفّتي ميزان إحداهما ـ مقر الأقلية البارزة ـ في أعلى السموات.. وثانيتهما ـ مقر الأغلبية المنسحقة لا الساحقة ـ في أسفل الأرض.. أن يحكوا عن إحدى عجائب الدنيا حكاية لا تسلب حقاً. وإن حركت جموداً. ولا تنكر ميزة، وإن نبهت إلى مجهول بين المعارف، أو ميت بين الأحياء؟.
كنا ندير هذه الخواطر في طبيعة مطلقة، عقب مرورنا بعد الخروج من الأوبرا على كتل بشرية لصبيان وصبيات لا يتجاوز عمر أكبرهم عشرة أعوام.. ولا تستر أبدانهم إلا مزق من أسمال فوق هياكل مصها الجهد والهزال. يتوسّدون "التلتوار" بجوار حديقة الأزبكية من الناحية المقابلة "للكونتيننتال"! وفي اليوم الذي كنا نطوف فيه بالأحياء البلدية نهاراً، وبقسم من الريف قبل أيام.. وبمصر حيث يتجاوز الغنى الفاحش، والفقر المدقع ـ لا وسط بينهما ـ في رضى واطمئنان.
إن من الإجحاف والظلم، والحرمان للطبيعة البشرية، أن يعزى كل قول، أو إشارة إلى هذه "الروسيا" المظلمة الحياة، لو سلّطنا على واقعها، نور الحقيقة الكاشف لحقائقها السوداء.. أو إلى كلمة "الشيوعية" هذه لا تحدد مجهولاً، أو تعيّن معلوماً واضح الزمان والمكان، أو الحدود، والنهايات..
لا شك أن الناس منذ كانوا، عشائريين، أو قبليين، أو مدنيين، أو شعوباً، أو حكومات، أو إمبراطوريات.. وولايات.. لم يكونوا في حياتهم السابقة والممتدة خرساً، أو بلهاء، أو عمياً.. عن رؤية الفارق.. وإن لم يكونوا قبل إلاّ في وضع "أسنان المشط" أو درجات السلم.. حتى إذا جدت ماكينة الكهرباء لِكَيِّ الشعر.. والأسانسير لإلغاء الدرج،.. وعادوا بين محلق، ومعفر.. عادوا أبعد مما كانوا، نفاذ بصيرة، وقوة إدراك، وطول لسان..
إن الدين الإسلامي العظيم، بجعله الزكاة ركناً من أركانه الأساسية، قد دلّ على هذا.. وكفل للبشرية سعادتها، ولجموحها حدّه.. فهل كان ـ لو روعي قيام هذا الركن على الوجه الأكمل ـ يوجد هذا الجماح اللاهي، والقصور المحروم.. بين الجانبين؟
وهل كان ملك مصر، ودعاتها الإصلاحيون على أثره في الثورة على الفقر كمعول من الثالوث ـ الفقر والمرض والجهل ـ الهدام إلا مقدرين للحقوق الإنسانية لا يسلبها السبق، أو الإحتكار، أو فلتة الحظ، أو إهمال الشرع، أو قصور الوضع ـ حقها الحيوي فعلاً أو قولاً داعياً إليه في حدوده الدنيا؟..
إن وجود الطبقات.. أمر لا بدّ منه في كل مجتمع وحياة.. وإن للحياة حقائقها التي لن تزول فقراً وغنى، وعطاء وحرماناً، ونجاحاً وفشلاً، وذكاء، وغباء.. و.. ومن كل صفة ومقابلها.. وإن للشرائع السماوية، والوضعية.. ديانات، ودساتير، وأنظمة، ومذاهب وقوانين معاييرها الموجودة دائماً لمساعدة ضبط موازين الحياة، وتحديد مسافات الأحياء..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :779  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 31 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج