شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 25 )
توديع...
قصدنا "السويس" لتوديع أحد إخواننا.. ونهبت السيارة الأرض.. وأمامنا سلسلة من هذه المعسكرات. والمخيمات.. تحفل بزرق العيون لا يحفلون بسواهم.. حتى لكأن السائر منهم أو الواقف وحده أمة وحده.. انشغالاً بداخل عامر. واعتماداً على واقع ضخم. أو تحقيقاً لظن عدم تحقيقه منه خيانة عظمى للإمبراطورية وأبنائها.. في سمعتها ونماذجها الممثلة في كل منهم كائناً ما يكون، كيفما كان، وأياً كان..
والسويس بالنسبة للحجازي القادم إليه الرعشة المفرحة تسبق هزّة السرور الشامل.. فهو الممر الأنيق يفضي للصالة الرائعة، فالنظرة إليه آنذاك نظرة الإعجاب تسبق البهر لما ومما بعده، كما هو بالعكس في نظر الآيب رأى من القاهرة وفتنتها ما يجعله في نظره الثور لراكبه. بعد الجواد كما يقول أبو الطيب.
على أن في وجود السويس بطريق الحجاز للقاهرة توطئة ضرورية لضمان تمهّل السير ومسايرة الفكرة المتتبعة في اتساق وصعود.. وللحجاز، تمهيد له، وتناس لما قبله.. رغم التغصص البادي الآن على وجه صاحبنا المسافر والملموس في كآبته الواضحة..
وفي طبيعة "السويسي" من "الجداوي" ملامح ومشابه وصلات وتشابك.. فالسويس وجدة، ساحلان من سواحل هذا البحر الأحمر. والتبادل الانتقالي من، وإلى، ملحوظ معروف من السابق، وفي اللاحق.. وهو الباب لهجرة المصريين هرباً من الجندية، مثلاً.. والحجازيين هرباً من قحط. أو ضغط إلى الحجاز، وإلى مصر..
وقد نزلنا في أوتيل بنك مصر.. وهو فندق محترم أثبت به المصريون وجودهم إزاء الأجنبي المستأثر بكل شيء.. وإن لم يغب عنك الأجنبي حتى فيه.. فالإدارة الرئيسية بيده. فيما هو مصري كهذا الفندق..
واقتضت حالة توديع الصديق الوصول معه إلى الباخرة.. فكان لا بدّ من المرور على الجمرك، والمرور على جمرك السويس مرور على "الصراط" الرسمي الممقوت.. حدة في السير، ورقة في الشعرة. فالتمحك، وتطبيق أعسر ما وجد وما لم يوجد في بنود النظام ـ حتى بالنسبة للهدايا البسيطة جداً والتي لا بدّ منها لغريب آيب ـ ميزة موظفيه نحو الحجازيين..
إنها مقابلة عكسية في المعاملة، يقدمها المصري رداً على حسن المعاملة، والمجاملة التي يلقاها دون سائر الأجناس والحجاج في جمرك الحجاز.. بل وفي الحجاز وبلدانه عامة..
وصعدنا إلى الباخرة حتى حان وقت إبحارها. فودعنا صاحبنا الموزّع النفس بين ما كان عليه، وما هو صائر له مما لا بد منه.. وقد وقف على الحاجز زائغ النظرات.. يقول مردداً قولي له.. بلسان حاله:
وقفت لدى السويس، أمد طرفا
إلى مصر، وآخر للحجاز
كأني همسة حيرى أسرت
بها شفة لسمع في احتراز
 
طباعة

تعليق

 القراءات :721  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج