شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 15 )
نكرات...
الإنسان، كحيوان اجتماعي ميال بطبيعته إلى التعارف والتآلف. والامتزاج. ويسره هذا حين يكون لدى من فهمه حق الفهم. ليكون هو مفهوماً عنده ولو إلى الحد الذي يمكن من أخذ التجاوب سبيله الأول.. ولا يمنع قيام ذلك علو وهبوط. اعتباريان أو ماديان.. وبالأخص حين يحتاج العالي إلى الهابط لتركيز معنى، أو تضخم صوت.. أو تعزيز مركز ما.. كحاجة مصر الآن إلى تركيزها دولياً بواسطة تزعمها الشعوب العربية جمعاء..
ونحن الحجازيين مدمني القراءة في هذا الفراغ الساكن، نعرف عن المصريين سياسة وساسة، وأدباً وأدباء، وفناً وفنانين. وحياة عامة تاريخية، وجغرافية، واقتصاداً، وعلماً، واجتماعاً من كل ما هو في حدود معرفتنا.. وبمطابقة طاقتنا العامة، ولكل ما كان سبيل معرفة. فألفة. فحب..
ولكن المؤسف كل الأسف أن المصري ـ ما عدا مدمن الحج ـ يجهل حتى البدائة فيما يتعلّق بنا أو ببلادنا التي يتجه إليها يومياُ في صلاته ـ ولو اعتبارياً لدى الأغلبية ودينها الإسلام طبعاً! ـ من ناحية المأكل والمشرب، وسكنى الجبال. وستر العورة.. وهو نقص جوهري في أساس تكوينه الثقافي العام أو الإدراكي، المتحسس، أو السماعي العازف عن السماع الدارس..
وقد لا نطمع، ونحن لم نتوصل إلى الذهن المصري عن طرق الوصول العصرية.. إذاعة ونشراً، وإيضاحاً متواتراً بأمثال هذه الوسائط ـ أن نكون مفهومين في واقع له حدوده ومميزاته.. ولكننا نطمع فيما نعتبره من أولى البدائة.. في أن يكون لنا كيان ما في ذهن المتعلمين منهم على الأقل.. وهذا ما ننعيه عليهم لأنه مفقود كلياً..
ولعلّ عزاءنا أن هذه الغفلة من المصريين عامة بالنسبة لمن دونهم من إخوانهم العرب ثقافة وحضارة.. فالمصري في مجموعه عاجز عن التفرقة المحددة بين السوري، والعراقي، والفلسطيني، واللبناني، والحجازي، وحتى السوداني المكمل لوحدة وادي النيل..
فدمشق. وبغداد، والقدس، وبيروت، ومكّة.. والخرطوم مثلاً.. أعلام لا قواعد معلومة لها عنده..
إني أرد هذا الشعور الإهمالي إلى شعور كامن في قراءة المصريين عامتهم.. هو النقصان الذاتي لا يكمل في النفس إلا بأن يكون ملحقاً "لكامل" في نظره.. ولو عن سبيل التبعية في الفهم، والعلاقة بين أعلى وأدنى.. وقد يشفع لهم في ذلك أنهم يتلقون علومهم. ومعارفهم، ومكوّناتهم اليومية.. في بلادهم وخارجها على يد الأوروبيين في الأساس عامة.. وحتى الآن خاصة..
فهم "والحالة هذه" في حكم المضطر للاقتصار على الوقوف عند حد فهم هؤلاء، ومعرفتهم، والتكامل بهم معنى، وصورة وأداء. ولكنها شفاعة التمحك من جانبنا والضعف المقصود الخائر من جانبهم.. وإلا فكيف لم يصدق هذا على السوري، أو العراقي مثلاً!! وهو في وضع مماثل، واقعاً مادياً لهم، وإن لم يمتد إلى جذور الفردية، وقوام الاجتماع طبعاً وتحرراً من أساسه، ووعياً لما ينبغي أن يكون عليه من عرف أين موضع قدميه.. وأين يجب أن يكون شعوره المؤسس على العلم والمعرفة، ولو في حدودهما التي لا تخدش شعوراً لمعرفته عند نفسها، تجد التنكير المطلق.. عند أولى المعارف لديها!
أليس من المؤسف المؤلم أن تتزعم مصر اليوم حركة الدعوة العربية، وأن تقوم الجامعة فيها.. وليس بين زعمائهم ومفكريها من يعرف القضية العربية أو الأقطار العربية معرفة استقراء.. وتتبع أو معرفة تمييز واضح المعالم على أقل تقدير إلا رجل أو رجلان؟؟ لقد عبّر عمّا عبرنا عنه هنا إخوان لنا سوريون وعراقيون ولبنانيون وفلسطينيون بل وسودانيون في قلب مصر، ولعلهم لا يقلون عنا غرابة واستنكاراً، لأنهم بالنسبة لنا في مستوى أرفع.. أو هم في راس السلم يشرف على الممر المؤدّي لأول درجة منه حيث عرفونا.. فعرفناهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :706  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.