شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > محمد عبد الصمد فدا - سابق عصره > إحياء ذكراه > من أعلام القرن (14) محمد عبد الصمد فدا
 
من أعلام القرن (14)
محمد عبد الصمد فدا
بقلم: محمد علي مغربي
ـ متوسط القامة معتدل الجسم أسمر اللون له لحية خفيفة يضع نظارة على عينيه ويرتدي العباء والعقال.
ولد الأستاذ محمد فدا في مكة المكرمة عام 1343 هجرية وتلقى تعليمه في مدارس الفلاح بمكة المكرمة ثم ابتعث إلى مصر والتحق بكلية الشريعة في جامعة الأزهر متخصصاً في القضاء وعاد منها إلى الحجاز عام 1370هـ، وعيّن عقب تخرجه قاضياً في مدينة رابغ إلاّ أنه كان يرغب العمل في سلك التعليم فاعتذر عن قبول الوظيفة التي أسندت إليه ومن ثم عيّن مدرساً بالمعهد العلمي السعودي في أوائل عام 1371هـ وحين ظهرت مواهبه في التدريس عيّن في 1/11/72 مديراً للمدرسة الرحمانية الثانوية وانتقل في 1/2/76 إلى المدرسة العزيزية الثانوية مديراً لها ثم عيّن مستشاراً في مكتب المستشارية لوزارة المعارف من 1/11/77 إلى 1/5/78 حيث اختير مديراً للمدرسة النموذجية بالطائف التي تحولت فيما بعد إلى مدرسة الثغر النموذجية في جدة.
قام المرحوم إبراهيم أدهم وهو والد سعادة الأستاذ كمال أدهم بإنشاء المدرسة النموذجية في الطائف لغرض نبيل فقد أسست المدرسة في البداية لتكون مدرسة للأمراء وقام المرحوم إبراهيم أدهم باحتضان التلاميذ اليتامى في المدرسة المذكورة لإيوائهم وتعليمهم وسرعان ما أصبح عدد هؤلاء التلاميذ اليتامى كبيراً وأصبحت العناية بالمدرسة المذكورة ضرورة حتمية فشملها برعايته صاحب السمو الملكي الأمير فيصل النائب العام لجلالة الملك ـ جلالة الملك فيصل فيما بعد ـ وحوّلها إلى مدرسة نموذجية ومن ثم اختير الأستاذ محمد عبد الصمد فدا رحمه الله مديراً لها لما عرف عنه من القدرة الإدارية الفائقة، وقوة الشخصية إلى جانب مؤهلاته العلمية وخبرته السابقة في التعليم حوالى الثمانية أعوام ومنذ تولى الأستاذ محمد فدا إدارة المدرسة النموذجية في الطائف استطاع أن يكتسب ثقة جلالة الملك فيصل رحمه الله فاتخذ بتأييد من جلالته الإجراءات التي تكفل لهذه المدرسة أن تكون نموذجية فعلاً لا اسماً وقد رؤي أن تنتقل المدرسة إلى مدينة جدة ليكون الانتفاع بها شاملاً لا يقتصر على سكان مدينة الطائف وحدها..
ولقد بدأت المدرسة النموذجية في الطائف تكتسب سمعتها الأولى فانتقل إليها بعض أبناء كبار رجالات مكة وخصوصاً من موظفي الدولة وحين تم بناء المدرسة في جدة وإعدادها انتقلت المدرسة النموذجية إليها بكامل طلبتها وخصصت لها ميزانية ضخمة في كل عام وأطلق عليها اسم مدرسة الثغر النموذجية..
وفي هذه الفترة عرفت المرحوم الأستاذ محمد فدا إدارياً قديراً ومربياً عظيماً ورجلاً قوي الشخصية لا يتهاون في تطبيق أنظمة المدرسة إزاء صغير أو كبير، فالطالب الذي يسقط في سنة من السنوات ولا ينجح في الملحق لا بقاء له بين صفوف طلاب الثغر بل ينتقل إلى مدرسة أخرى والدراسة في المدرسة علمية في مرحلة التوجيهية فالطالب الذي لا يتفوق في المواد العلمية أو الذي لا يميل إليها لا بقاء له في المدرسة ولو كان متفوقاً في المواد الأدبية ولن يشفع له أبداً أن يكون ابن أمير أو كبير ولن يشفع له كذلك أن يكون أبوه صديقاً حميماً لمحمد فدا بالذات ولعلّه كان أشد ما يكون صرامة مع الطلاب من أبناء أصدقائه وذوي قرباه، وعلامات الطالب تراقب في الاختبارات الشهرية وترسل نتائجها إلى آباء الطلاب وكنا نترقب هذه العلامات في كل شهر بقلوب واجفة خشية أن يكون أحد الأبناء مقصراً في بعض الدروس والويل لمن تأتي الشهادة الشهرية وفيها علامة حمراء فمعنى هذا أن الخطر على الأبواب.
وتحل المصيبة العظمى إذا أساء الطلاب أحدهم أو بعضهم سلوكه في المدرسة ولم يعترفوا بما اقترفوا ويدلون على الفاعل هنالك ينتقل الأمر إلى آباء الطلاب وأولياء أمورهم وهناك ترسل الخطابات إلى هؤلاء الآباء بطلب الحضور وكنا نعرف أن المقابلة ستكون عاصفة وأننا لا نملك فيها إلاّ التسليم بما يرتأيه الأستاذ فدا، وبهذه الوسائل كان البيت مرتبطاً بالمدرسة أشد ارتباط وكان الآباء والأمهات على علم تام بأحوال أبنائهم الدراسية بل وبسلوكهم وأخلاقياتهم وهكذا كان الأستاذ محمد فدا شخصية يحسب حسابها الجميع ويحبها الجميع أشد الحب لأنهم يضعون بين يديه مستقبل أبنائهم ويعرفون أن هؤلاء الأبناء في يد أمينة كريمة.
ولتكتمل الصورة لدى القارئ عن هذه المدرسة أو المؤسسة العظيمة مدارس الثغر النموذجية لا بد من أن نذكر أن المدرسة تضم قسماً داخلياً تهيئ فيه للطلاب كل وسائل الراحة من المأكل والمضجع والتطبيب إلى مختلف النشاطات الرياضية التي تحفل بها برامج هذه المدارس وكذلك البرامج الاجتماعية والفنية وكان الاختيار لكل العاملين في هذه المدارس من مدرسين وعاملين في مختلف أعمال المدرسة وشؤونها يتم على أسس مؤهلات علمية وخبرات سابقة وكان الأستاذ محمد فدا يشرف على الكبيرة والصغيرة في شؤون هذه المدارس مواصلاً الليل بالنهار في تقصي هذه الأمور لضمان سيرها على الوجه المطلوب..
وكانت الحفلة السنوية التي تقيمها المدرسة والتي تعرض فيها نشاطات الطلاب يتخللها بعض البرامج التمثيلية الناجحة يدعى لها آباء الطلاب بل والأمراء والوزراء ويحضرها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل ولي العهد ولم ينقطع عن حضورها إلاّ بعد أن ولي العرش وأصبح وقته كله مشغولاً بشؤون الدولة نقول إن هذا الحفل السنوي كان أشبه بمظاهرة ثقافية يحرص الجميع على حضورها في كل عام.
وليس سراً أن مدارس الثغر النموذجية سبقت جميع المدارس إلى تقديم الوجبة الغذائية التي كانت إجبارية على جميع الطلاب والتي كانت غنية بأصناف الطعام ولقد سألت الأستاذ فدا رحمه الله لم لا تكون هذه الوجبة اختيارية؟
فقال حتى لا يشعر الطلاب الذين يحتاجون إليها بالفارق بينهم وبين زملائهم الذين يجدون مثلها في بيوتهم في كل يوم وليست هذه بأولى ملاحظات الأستاذ فدا بل ومحافظاته على شعور أبنائه من الطلاب وغرس روح المساواة بينهم، كما كانت مدارس الثغر أول مدرسة في ما أعلم توحد الزي الطلابي وهو إلزامي فيها، ولقد كان الأستاذ فدا يعرف قدرات طلابه ويرعاهم الرعاية الكاملة.
حدثني مرة أنه يعرف طالبين من أنجب الطلاب في مكة المكرمة وكان يترقب لهما مستقبلاً زاهراً إذا أتما دراستهما وكان يرغب في أن ينقلهما إلى مدارس الثغر توطئة لابتعاثهما إلى الخارج لكن والد الطالبين كان يعارض حتى في مجرد انتقالهما إلى جدة فضلاً عن السفر إلى أمريكا أو أوروبا فما زال به حتى أقنعه وانتقل الطالبان فعلاً إلى مدارس الثغر في جدة ولقد صحت نبوءة الأستاذ فدا رحمه الله حين عاد أحد الطالبين مهندساً عظيماً من الولايات المتحدة ولم يمضِ طويل وقت حتى أسند إليه منصب رئيسي في مجال عمله بل أستطيع أن أقول إن معظم من عرفت من طلاب الثغر هم من أصحاب المكانة المرموقة فمنهم من أكمل الدراسة الجامعية إلى أقصى مراحلها وأصبحوا من الأساتذة المعروفين في الجامعات ومنهم من برز في ميدان الهندسة أو في الأعمال التجارية والجميع يذكرون أستاذهم محمد فدا بالإكبار والحب ولعلّي لا أفشي سراً حين أقول إن أبنائي وقد قرأوا ما أكتبه عن أعلام القرن الرابع عشر سألوني لماذا لا أكتب عن أستاذنا محمد فدا؟ ولقد أكبرت فيهم هذا الوفاء لأستاذهم العظيم ولم أكن له ناسياً فهو علم من أعلام هذه البلاد في مجاله يرحمه الله..
ـ وفي رحاب مدرسة الثغر ولدت فكرة جامعة الملك عبد العزيز أو على الأصح ولدت الترتيبات الخاصة بها وكان المرحوم محمد فدا في رحلة في الخارج حين ظهرت الفكرة ودعى الناس للاجتماع لانتخاب الهيئة التأسيسية للجامعة وكان المطلوب من الراغبين في عضوية هذه الهيئة ترشيح أنفسهم لها ولما كان الأستاذ محمد فدا غائباً عن البلاد فقد ارتأت الهيئة التي تشرف على فكرة الجامعة أن يكون الأستاذ فدا من ضمن المرشحين لهذه العضوية فأعلن المرحوم السيد أحمد شطا اسمه كأحد المرشحين الذين لم يستطيعوا ترشيح أنفسهم لغيابهم وقد نال في هذا الانتخاب الكثير من الأصوات لما يتمتع به من سمعة طيبة ومقام ملحوظ.
ولقد اختارت الهيئة التأسيسية للجامعة مدرسة الثغر مقراً لاجتماعاتها الأسبوعية والتي كانت حافلة بالجهود الكبيرة للتأسيس ولم تنتقل منها إلاّ بعد أن تسلمت مباني الجامعة التي قدمها لها المرحوم الشيخ عبدالله السليمان وتم إصلاح المبنى الأول فيها وهكذا ساهمت مدارس الثغر في احتضان فكرة الجامعة التي هي مفخرة من مفاخر مدينة جدة ومعلم من أكبر معالم النهضة في البلاد، كما أن الحفل الذي نظم لجمع التبرعات للجامعة أقيم كذلك في مسرح مدرسة الثغر بجدة وحضره جلالة المغفور له الملك فيصل وتدفقت التبرعات السخية للجامعة في ذلك الحفل الكبير.
ـ عضو جامعة الملك عبد العزيز:
في أحد اجتماعاتي بالأستاذ فدا بعد أن توثقت أواصر الصداقة بيني وبينه قال لي إنني أقرأ ما تكتبه عن رحلاتك في الخارج وأود لو رافقتك في بعض هذه الرحلات فإنني أزور إنكلترا، لكني لا أعرف شيئاً عن معالمها السياحية فحركتي محدودة بين الطبيب والسفارة ومنازل بعض الأصدقاء إلى جانب جولات في شارع أكسفورد استريت الذي أنزل في أحد فنادقه بعد العشاء، قلت إنني مسافر هذا الصيف ورحلتي فيه تشمل مدناً في أواسط أوروبا وشمالها وأنه ليسعدني كثيراً أن تكون رفيقي في هذه الرحلة وتواعدنا على الاجتماع في لندن وحضر رحمه الله في الموعد الذي عيّنه ونظمنا برنامج الرحلة بحيث نزور الدنمارك وألمانيا وسويسرا معاً وقبل سفرنا من لندن بثلاثة أيام حضر المرحوم الصديق الشيخ محمود عطار وكان معنا في لندن وقال لي أبلغ الأستاذ فدا أن الطبيب فلان يريد أن يراه فقد علم مني عرضاً أنه هنا في لندن وهو يصر على ذلك وأبلغت الأستاذ فدا ما سمعت فوجم فألححت عليه أن يذهب ما دام الأمر يتعلق بصحته فوافق وفي اليوم التالي قال لي وفي صوته رنة حزينة لا تنتظرني فإني سأطيل المقام هنا بحسب نصيحة الطبيب وكنت أعلم عن مرضه، فطمأنته وأعطيته أسماء الفنادق التي سأنزل بها وقلت له إنني سأتصل به فيما بعد ومن مدينة ميونيخ في ألمانيا اتصلت به وقلت له إنني سأكون موجوداً في جنيف بعد ثلاثة أيام قال وستجدني هناك وفي فندق مجاور للفندق الذي تنزل فيه وفي الموعد المعيّن حضر وكان بادي الانشراح منبسط الأسارير وقضينا بضعة أيام في سويسرا نزور معالمها كما نظمنا رحلة بالسيارة تشمل كثيراً من المدن السويسرية وتخترق بعض المدن الفرنسية وتناولنا الغداء في مدينة لوزان وخلال جلسة الغداء أدهشني الأستاذ فدا بمحفوظاته من الشعر وقد أسمعني قصائد قديمة من الشعر الغزلي نشرت لي في الخمسينات فأدركت أن للرجل ذوقاً أدبياً إلى جانب شخصيته الحازمة في التربية والتعليم ثم اقترب موعد عودتنا إلى المملكة فافترقنا على أمل أن نجتمع مرة أخرى في الصيف القادم وقد صمت فجأة ثم قال يبدو لي أن ليس في عمري بقية لرحلة أخرى، إنني أقترب من النهاية قلت اتق الله يا رجل فإنك في خير حال وفي الصيف التالي قال إنني قررت الذهاب هذه المرة إلى أمريكا فإني لم أزرها من قبل فتمنيت له كل خير وقلت له إن الطب هناك متقدم كثيراً عنه في إنكلترا التي تزورها دائماً لهذه الغاية.
وسافر إلى أمريكا وما لبثنا أن علمنا أنه أدخل المستشفى ثم اشتد عليه المرض فكان هناك يتنفس في خيمة من الأوكسجين وأن صحته تتداعى ومع ذلك فقد أصر على أن تعود زوجته وبناته إلى جدة للالتحاق بمدارسهن حيث كان موعد افتتاح المدارس قد أزف وفي مساء الخميس 11/7/1385هـ أسلم الروح بمدينة واشنطن في أمريكا ونقل جثمانه في الطائرة حيث دفن في مقبرة المعلاة بمكة المكرمة مساء الثلاثاء 16/7/1385هـ في مشهد مهيب اشترك فيه أصدقاؤه وطلابه رحمه الله فلقد كان مربياً قديراً وأستاذاً عظيماً تغمده الله برحماته وأحسن جزاءه في جنات الخلود.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1700  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 52
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج