شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الثانية عشرة
ـ ((هذه الأرض التي أسقط عليها ميتاً
كل يوم.. هي الحب!
الحب.. إذا أردت أن تعرفه على
حقيقته))!!
ـ سيدتي:
هاأنذا.. أسلخ نفسي من درعها وآتي إلى نبضك مثخناً بالعزلة!
بدونك.. تجرحني فراغات الساعات، وأنا.. واحة ادخرت أجمل الأغنيات لإصغائك، وأحلى الهمسات لبوحك.
قبلك.. كنت قد أفرغت العمر من الأماني، والضوء.
أخذت حقيبتي، ومضيت جوالاً، مسافراً... تندس أحزاني في زحام الدنيا، وأنسى: كيف تندمل؟!
قبلك.. كان فطامي هو: العجز الذي يحيل العشق ((تعوّداً))!
قبلك.. كان صيامي هو: ذلك التبلد الذي يصنع الفراغ في حدقاتنا.
وفي كل مشوار.. تأخذ ((الآه)) مدارها في نفوسنا، وترتطم باليباس!
قبلك.. ودعت دروبي، في مساء توقفت فيه الضحكات.
تركت الروح والنجوى، والجوانح في القفار.. وعدت إلى وجوه الناس: يتيم الروح!
في غيابك.. كنت أرهن صبري في بنك التفاؤل، وأرخي ستائر نفسي كلما انتصف الليل.. وأبقى وحيداً، أنتظر بزوغ طيفك كالهلال!
بدونك.. صرت مثل شجرة ((نيم)) موغلة الجذوع.. تنشر شذاها الليلي، وتتساقط ورقة ورقة.. في انتظار الصباح الذي يسجن نفحها ولهفتها!
الليل عمر حقيقي... في الحنين. في الوجع. في الشوق. في الانتظار.. ومع ميلاد الحنين المتجدد بين الضلوع كل مساء، أناديك:
ـ أنت الشاطئ الذي أحتضن أمواجي، وغسل رمالي.. وأنا هذا البحر الذي استلقى هياجه على صدر الشاطئ.. قريراً!
* * *
أعلن لك... من أجلك سيدتي: أنني قد توقفت عن السفر!
بحثت عن أنفاسي اللاهثة.. أود أن استردها منك بعض الوقت، لأعيدها إليك كل الوقت.. حتى لا ترمينا لحظة النوى المفاجئ عند شاطئ مهجور!
أعلنت لك رفضي لهذا ((الزمن الصغير)).. حين بدأت به التخفي في التعب!
أعلنت لك: إن خفقاتي لم تكن ضالة، طوال بحثها عنك، ونداءها عليك.. لكنني أمامك دائماً: أفرغ جروحي، وأبلسمها، وأنظمها... وأتوحد في عينيك!
كان تعبي يكسر ساعاتي، ويذرو أغنيتي في أجران الحزن.
كان اختبائي يطمس روحي، ويبدد أنفاسي في مبخرة المساء.
وحين انتشر وجهك - حبيبتي - في لا مدى سمائي.. وجدتك القمر، وأنا ضوؤك.. وجدتك الوطن، وأنا مساحتك.. وجدتك السماء، وأنا رعودك وسحبك ونجومك.. وجدتك المطر، وأنا الأرض التي تهطلين عليها.. وتتلقى ارتواءك فتزهر!
وعندما احتضنت كفاي يدك الدافئة/اللجوء... سكبت شفتاي عليها قبلة الرجاء/العهد!
وعندما سكنت يدك في دفء كفي كعصفور.. كنت أزرع في حدقتي عينيك الأمان والوعد، والغد!
قلت لك.. حين طال جلوسك في دائرة الشك بحبي لك:
ـ إنك تفرين مني إلي.. وفي كل مرة أنحني لألتقط جلوسك هذا، ولا أسأم. ولا أشك في عودة يدك إلى كفي!
أنتِ التي فتحت خزائن قلبي، وجوارحي... وامتلكت كنوزها.
صرت معك.. أكتب أغنيتي: كلمات من شموسك.
صرت معك.. أبدع لحنها: أنغاماً من ظلال أمسياتك.
ـ وتسأليني حيناً: لم كل هذا السكوت؟!
ـ وأجيبك كل حين: لأنني أتوالد في صوتك.. كالبروق، لأنني أحمل همساتك في صدري القديم.. كالمزن!
فهل كنت تعلمين - يا حبيبتي - أنني سيد جنونك؟!
فهل كنت تعرفين - يا حبيبتي - أنني هاجس استراحتك المتخفية في التعب؟!
وأنت أيضاً: طريقي إلى اختراق الأزمنة.. أنت التي رضيت أن أستريح في جنونك، وأن أحترق في هروبك ((الأحياني))، وأن أضيء في غضبك العاشق لي... حتى تشرق ابتسامتك صبحاً على شواطئي!
* * *
تعالي - أيتها الحبيبة - المسكونة بك أضلعي!
انظريني - في غربتنا - أخاصم الابتسامة، وأتآكل لحظة.. لحظة!
أنشر الهمسة في أصداء الليل.. من بوحك... من اختيالك، وتتبعثر الهمسة داخل النقاط البيضاء... فترجع إلى صدري مثقلة بالحنين، وبالوداع، وبالموج الذي يعربد بين أضلعي!
وأتلفَّت.. أنادي الاكتشاف.
كأنني أقف على سور عالٍ.. يشرف على ساحة، هجرتها بيوتها القديمة، وفوانيس شوارعها، وخطوات السائرين فيها... وهجرها القمر، والنجوم، والهمسات الخليلة!
وفي كل خطوة من دخول ليل... كانت تحمل إلى مساحاتي: وجهك!
والليالي لا تطول، ولا تقصر.. نحن الذين نطول بالإحساس، ونحن الذين نقصر بالتبلد، وبالفقد، وبالتنكر!
كان الجميع يقف على ابتكار أمانيه، ويلون تلك الأماني.. كذيل طاووس يختال، وعندما يفقد الطاووس ذيله الزاهي.. لا بد وأن يتحول إلى غراب!
* * *
وبعد الدخول إلى جزر البهاء في عالمك الأثيري.. اكتشفت أرضاً تنبت الربيع من صدرك.
كنت أمشي إلى البحر البعيد.. أحمل رموش عيني، وصدري: محارة ضائعة فوق رمال السنين.
صرت الآن أناديك: وعداً لا يخون.. فهل خنت؟!
بعد الدخول إلى وعد منك ينتشي بحنانك.. صرت أنادي المسافات إلى مدنك المعشبة بالحياة وبالعطاء.
صرت أنادي القلب الذي يضم وجهك:
ـ أرجوك أيها الخفاق.. تريث، فالحياة الأجمل معها.
حتى صارت الكلمة الصادقة، ما بين قلبي وكفيك.. ما بين قلبك واحتوائي!
حتى صرت هاهنا.. أجلس فوق الرمال، وأرسم وجهك: تعويذة الأمل في ارتقاب الصباح:
أتوخّى ترنيمة يزرعها ((الحلم)) في صدري فألاً.
أطارد النجوم لتركض.. فألحق بها، حتى تبلغ حدود.. فيسقط الشمال والغرب في عناق البحر والموجة!
* * *
لقد انتصف الليل يا حبيبتي..
وما زلت أرتقب ((بَدْري)) يطلع من وراء المسافات.
زجاج النوافذ مغطى بالطلّ..
وأخترق هذا السكون إلى خارج المدى... حيث يكون وجهك/حبيبي!
ترى.. من يحدثني عنك الآن؟!
أهدابك.. ماذا تحمل؟!
خرافاتك.. كيف تكبر؟!!
رعودك.. متى تتحرر من أنينها؟!
أنت طفولتي، ورائحة فجري، نزق غجريّتي!
أنت خيولي التي تصهل فوق أرضي التي أضاعت مسافاتها في نواك.
تعتادين نظرتي.. كأنك الربيع في غصوني.. كأنك وأنا سُهَّار الحنين، نعبر إعياء النهر!
نحن - إذن - ننتظر اللحظة التي يتعرى فيها القمر من غيومه.
هنا.. بقيت حكاية أصيلة.
بقيتِ - يا حبيبتي - أنت: السيف والغمد.. الكلام والصمت.
وبقيت أنا.. أحكي عنك، تحت هذه النقاط البيضاء!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :999  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 212 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج