شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الثامنة
ـ ((قد يتغير كل شيء فينا، كما
يتغير كل شيء حولنا!
لكن أشواقنا كثيراً ما تعاودنا))!!
ـ سيدتي:
تتعاطف أبعاد السماء الآن على امتداد بصري.
تتآلف نتف السحب، وتتحول إلى وشاح رمادي.
وتظمأ نظراتي.. وهي ترتقب غيثاً تجود به السماء.. يهمي، فيغسل هذا ((الهجوع)) النفسي في داخلي... ينظف حبات الرمل المتناثرة في صدري، ولها صورة: القفر، والضجر، والاجترار الأليم لتحولات.. أرادتها قواهر الظروف، لحياة ((اثنين)) كانا: واحداً... لتبدو اليوم: حياة واحد في اثنين انشطرا، وتناءيا!
وتحت ظل تعاطف أبعاد السماء... ألتقط ((الجوهر))، رغم النوى، وعلامات الطريق الخطرة، المصلوبة والقائلة: قف... الطريق مقفل!
يلوح لي أحياناً - يا سيدتي - أن اندفاع أفكاري في الطريق إليك، تحدّه علامة مصلوبة، منبهة.. تلك التي نُنْتضى مفاهيمها من جدليات، وضعنا لها مسميات.. انبعثت من المجتمع، وعوامل القدر، وثقوب النظرة البشرية!
* * *
يا سيدتي الأمثل، والأعز:
بدونك.. كيف تعي ((الجدليات))؟!
لقد أسقيتني من حروفك، ومن همستك، ومن حوارك... وحتى من ((جدلك)).. فارتويت حقبة زمنية، خلت نفسي فيها أنهل من بئر لا تنضب!
لم يتبادر إلى شرانق الضياء في نفسي أن في البئر: أحزاناً!
دائماً.. كنت مقتنعاً أن البئر تعطي السقيا.. تروي النبتة.. فلا يضمر بسببها ((جيد)) فارع، أو غصن مخضرّ!
إن ما حصدته - بعد زمن - هو: عمق الرؤية.
أما ما أرغدني - بحق - فقد كان: في الرؤى!
تلك ((الرؤى)) التي أردت أنت اقتضابها.. فعسفتِ بها يوم نقاشنا - معاً - لثقوب النظرة البشرية!
والفكر - يا حبيبتي - توأم الروح.. والروح لا تحتمل وقدة الجدل.
إن الروح والفكر... هما: ((الإيمان)) الذي يجعلنا نشعر بأننا أكبر، وهو الذي يعطينا القدرة على الابتسام للحياة.. رغم الألم العميق الذي قد تعيشه نفوسنا!
إنها ((حروفك)) هذه التي وصلتني قبل زمن.. فهل تناسيتها وتناءيت عنها بمرور الأيام؟!
الحروف أصل الكلمة... والكلمة - يا سيدتي - عاطفة، مثلما هي عقل... وتكون في العاطفة: لهباً، وعشقاً، وبوْحاً، وبُركاناً!
والعاطفة تتفتح بالحب، وفي الجمال.
والكلمة... تعبير عن الحب، والجمال... أو هي: تعبير التعبير!
كذلك... فإن ((الإيمان)): شعور.. والشعور هو: ((حلقة الاتصال بين ما قد كان، وما سوف يكون.. أو هو جسر قائم بين الماضي والمستقبل)) كما قال ((برجسون))!
تذكرين يوم تحدثنا عن ((برجسون)) بالذات.. عن الاتجاهين المتعارضين: الحياة والمادة!
وكيف قدر إنسان هذا العسر أن يمزج الحياة بالمادة، و أن يحيل أكثر أمور الحياة إلى ((مادة))... بينما خفتت إضاءة الروح!
لقد أهمل الكثير من الناس: ((الحدس))، وركضوا وراء فقدان الذاكرة.. بينما ((الحدس)) - كما قال برجسون - يحقق إدراك حقيقة الزمن، و ((حقيقة الديمومة تظهر في قوة الذاكرة))!!
* * *
وأنا هنا - يا سيدتي - لا أعدو وراء عملية جراحية لشعورك!
لكني شغوف بالتأمل هذا!!
هكذا جعلتني - يا حبيبتي - أنساب في طيات الغيمة الرمادية، على سماء رحبة... أتطلع إلى اللاّمدى، وأتساءل:
ـ هل تمتلئ السماء تعاطفاً؟!
أقصد: هل تتعاطف نتف السحب بزرقة السماء.. بومض البرق... بزخات المطر.. بظهور ((قوس قزح)) بعد ذلك؟!
إن كل هؤلاء.. يشكلون المتناقضات، لكنهم - معاً - يعطون الغيث!
وبين شفتي، وفي قلبي: عاطفة.. حروف تقول:
((جادك الغيث.. إذا الغيث همى
يا زمان الوصل... بالأندلس))!
أليس في بعض الملامح: ((أندلسيات))؟!
حتى في النظرة إلى واقع حال أمتنا العربية اليوم... ونهاية تلك الحقبة الأندلسية!
أليس ((الأندلس)) موطن: ولاَّدة، وابن زيدون؟!
لذلك.. تجدينني ما زلت مفتوناً بالروعة في الطبيعة، والإنسان ابن طبيعته.. مهما كان هجوم المتغيرات الأخرى!
وفي حضن هذا الإحساس الفاتن... أذكر عبارة الشاعر الإنجليزي ((ويليام بليك))... قالها بشعورٍ ظامئٍ إلى الغيث:
ـ ((إنني أرى العالم كله في حبّة الرمل.. والسماء في الوردة البرّية.. وأمسك باللاّنهائية في قبضة يدي، وبالخلود في ساعتي الزمنية))!!
وهذا ((الشعور)) الذي له ألوان لوحة باهرة.. قد يتعارض مع لوحة شعرية أخرى، رسمها شاعر بالكلمة، فقال:
الليل... كالزنجي مسو
دّ الذوائب والطرر
لفّ الحياة.. بصمته
لمّا تثاءب، واعتكر
والدرب أقفر، والرياح
تناوحت.. تنعى القمر
إلاّ خُطى العسس الثِّقال
المنبئات عن الضجر
وأنا هنا... أجترّ أحزا
ني.. فيلفظها القدر!
وهكذا... أحسّ بأنني لا أصطبر على هذا البوح الحقيقي، المؤلم... لكني أستاف العطاء... كل العطاء، حتى من الألم!
والسماء دائماً: لا نهائية...
والعاطفة: فكر، وروح...
وهما - بمعطياتهما - أبعاد، ومعانٍ أبدية!
* * *
يا سيدتي:
هاأنذا.. أجلس - في الصمت - من بعدك.. أحدق في الظلال، وارتقب!
ها هي ليلة أخرى - من البعيد قادمة - تأخذني من منتصف الفرح، أو إلى منتهى البغتة، ومن ثم الاحتدام، والتفاني حتى الموت!
الذين يتفانون - وفاء - لا يموتون.. وإن قتلهم ((التناسي)) أحياناً!
هاأنذا - في غربة نفسك عنك - أتدلّى في فراغ العمر.. وأتبدّد كالصدى!
إنني أهمس في تجويف الليالي... أنادي عليك - أنتِ توأم الروح - وتبرعم سنوات العمر.. أخاف أن تهرب الأشواق.. أخاف عليها أن يسرقها الخوف مرة، ويسرقها الملل مرة أخرى!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1212  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 208 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج