شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أريج يثيره أريج
بقلم: عبد السلام طاهر الساسي
ودع محمد عمر عرب أنفاس الحياة فودع بوداعه صوت وطني عرفته البلاد من قيثارة الشعر الذي طالما غذى به نفوس الواجدين والمنكوبين من أبناء وطنه حتى أحبه الكثير من عشاق الأدب والشعر على الأخص فقد كان يسكب العزاء في تلك النفوس ويدخل المسرة والانتعاش في أجوائها حتى تعود فتبتسم للحياة وترحب بها.
لقد كان عمر عرب مدرسة يرتادها جمع منسق من عشاق الأدب والشعر، وكان يضفي على رواده أَلَقاً من كنوزه الشعرية ونفثاته السحرية؛ وكان حديثه شهياً طرياً يستهوي العواطف ويستفز المشاعر ويبعث الأمل في النفوس.
ويجدر بنا أن نتحدث بإيجاز عن ناحية من فن الفقيد في الأدب والشعر فنقول إنه كان رحمه الله يلتمس الجمال الفني للشعر العصري الحديث؛ وقد شارك بنفسه في ترويج الأساليب العصرية في الشعر الحديث مع لفيف من أَدباء العصر وشعرائه وفي طليعتهم عملاق الأدب الجديد الشاعر الأستاذ محمد حسن عواد حيث دارت بينه وبين الفقيد مساجلة شعرية في عام 1342هـ وكان أن قدم الأستاذ العواد قصيدته المشهورة ((مع الورقاء)) وقد جاء فيها:
غانية الأيك سقاك السحاب
نوحي معي قد راقني الانتحاب
وحركي المغرم في وجده
فالحب أضناه
يا سلوة العاشق يا ذات ((آه))
يا كهرباء الوجد واحسرتاه
فؤادي العاني على وقده
شدوك أشجاه
فبعث الفقيد إليه إذ ذاك قصيدته التي عنوانها: ((قلب المحب)) وقد جاء فيها:
يا بلبل الروضة حي الصباح
مقبلاً عني ثغور الأقاح
واصدح فإني موله مولع
تيمه الحب
واعزف فإني قد دهتني الشجون
ومضنى الوجد ولا من معين
فبت دامي القلب لا أهجع
وعقني الصحب
إلى أن قال رحمه الله:
يا ظبيتي رفقاً بقلبي الكليم
عينك اصمت مهجتي في الصميم
فاحني عليه إنه موجع
قد مضه الخطب
بحسنك البالغ حد الكمال
وقدك المائس ذي الاعتدال
إني لغير الحب لا أخضع
لو خرت الشهب
فبهذا النفس والنفس العالية استطاع عمر عرب أن يجاري تيار التجديد ويساير ركب الحياة الشعرية نوعاً ما كما فعل زملاؤه الآشي وعبد القادر عثمان ومحمد سرور الصبان وصلاح خليدي وغيرهم من شعراء الرعيل الأول وإن قصرت بهم الخطى في كثير من دروب الأدب فشعر عمر عرب في هذا اللون قد صبغ من طبيعة نفسه الحساسة ومن هذه العوامل المؤلمة الجارحة التي تجعله يحن إلى وطنه بصفة خاصة وإلى الشرق العزيز بصفة عامة. ولنذكر هنا بعض أبيات قصيدته التي يجاري فيها الشاعر المهجري الكبير ميخائيل نعيمة في قصيدته المشهورة ((النهر المتجمد)) حيث يقول الفقيد رحمه الله بعنوان: ((إلى الشرق المستكين)).
يا شرق هل نفدت قوا
ك وهدك الخطب الكبير؟
أم قد جبنت عن النضا
ل وهالك الرزء الخطير؟
بالأمس كنت إذا أرا
ك أقول: مرحى أمتي!!
واليوم بت أرى الجمو
د فأين أين عشيرتي؟!
إلى أن قال:
لكن سينقلب الزما
ن وتجتني النصر المنيع
ونهب من هذا الرقا
د ونبلغ الشأو الرفيع
ونكرّ كرَّة ضيغم
نقصي العداة عن الديار
ونصول فيهم صولة
ونعيد ذياك الفخار
ونعيد للشرق العزيز
تراثه السامي العظيم
ونشيد ركن علائه
من فوق هامات النجوم
ونراه إلى جانب حنينه وتألمه يفصح عن أمانيه وآماله، وهذا لعمري يعود إلى صدق الشاعرية، وحساسية المزاج لأنه كان قوي الإيمان رقيق الشعور خفيف الظل، عذب الروح، حلو الحديث حاضر البديهة يسترسل في مهام الأحاديث ويطوف على ظواهر الحياة وبواطنها تارة يضحك وتارة يبكي، وعلى هذا النحو كانت حياته دمعة وابتسامة.
ولم يقتصر أدب الفقيد على الشعر فحسب، بل له جولات في عالم النثر الفني الذي لا يخرج عن كونه شعراً عذباً يذوب في كأس الحياة وينقع الغلة، فله مقطوعة شعرية منثورة بعنوان: آية من أسطورة الحب (1) .
نثبت هنا طرفاً منها للتاريخ والتقدير والواجب قال رحمه الله:
في الرياض: بين حفيف الأشجار، وأريج الأزهار رأيت عروس الفجر ترتل نغمة الحب.
في الرياض: بين النسيم العليل والهواء الرقراق البليل سرت في أعضائي تلك النغمة السماوية وجعلت روحي ثملة من خمرة الحب.
في الرياض: تحت أشعة القمر الفضية ورقابة أعين الدراري جلست أردد نغمة الحب، تلك النغمة التي أرسلت إلى نفسي شعاع الأمل.
في الرياض: عند ابتسام الورد وتحديق النرجس عرفت معنى السعادة وانسكبت في نفسي قطرات الحب.
وإن أنس لا أنس يوم أن زرت الفقيد بمنزله في حي أجياد وكان ذلك في صيف عام 1370 هجرية عندما عزمت على إصدار كتابي ((شعراء الحجاز في العصر الحديث)) فطلبت إليه الاشتراك مع زملائه الشعراء في كتاب يضمهم جميعاً، فكان أن قابلني رحمه الله هاشاً باشاً شاكراً ومقدراً إلى أن قال: إِنك بعملك هذا سترفع اسم الوطن العزيز الذي لم يقدر لشعر بنيه أن يصدر ليطرح بين النقدة الأحرار فقدم إلي كل ما لديه وقتئذ لأني كنت متأهباً للسفر إلى مصر لطبع الكتاب، وقد خيرني إِذ ذاك في نشر تشطيره لقصيدة الشاعر المهجري ((إيليا أبي ماضي)) بعنوان ((موطن لا ينالهم فيه ضيم)) فقبلت منه ذاك ونشرت التشطير في الكتاب بحذافيره فكان في غاية الإبداع والتصوير وإيضاح المقصود ويحلو لي أن أورد هنا بعض ما جاء في التشطير:
((موطن لا ينالهم فيه ضيم))
أو صغار فهم به سعداء
في نعيم منه فلا بؤس فيه
((لا ولا يدرك الشباب الفناء))
((وكذا يولد الرجاء من اليأ
س)) إذا ما طغى عليه الشقاء
حبذا اليأس يبعث اليأس في النفس
((إذا مات في القلوب الرجاء))
سلام لك أَيها الحبيب الصديق من مواطنيك وتلاميذك. سلام لك.سلام لك من الأعماق وسكب الله على ضريحك يا فقيد الأدب والشعر شآبيب الرحمة وأَلهم آلك وذويك يا فقيد الوطنية جميل الصبر والسلوان (2) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1180  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 37
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.