شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة مؤلف كتاب (الشجرة ذات السياج الشوكي)
في 6 - 5 - 1375 هجرية، 20 - 12 - 1955 ميلادية اختطف الموت من بين ظهرانينا نجماً ساطعاً من الأنجم القلائل التي أضاءت سماء الأدب في مستهل نهضته والتي أنارت الطريق للأدباء زهاء ثلث قرن من الزمن.
هذا النجم هو الأستاذ ((محمد عمر عرب)) رحمه الله أحد الروّاد المعروفين لأدبنا في هذه البلاد.
وقد عظم المصاب بفقد هذا الألمعي الأديب فقد كان طوداً شامخاً في الميدان الأدبي، وكان أحد الكواكب المشرقة في سماء أدبنا. كان يدور في نفس الفلك الذي يشرق فيه جبابرة الأدب وشوامخه في هذه الجزيرة وفي سائر الموطن العربي الكبير.
لقد انهار هذا الطود فيما يشبه لمح البصر. وقد وقع النبأ على مواطنيه موقع الصاعقة عندما نقل المذياع نعيه إلى أسماع الجماهير في الصباح الباكر من ذلك اليوم. فكان لا يكاد أحد يرى إلا وهو مطأطئ الرأس حزيناً لهذا الفاجع الأليم..
وليست المصيبة في فقده ناشئة من مكانته في المجتمع كأديب رائد - كما سيعرف القارئ من الصفحات الآتية التي سطرها الأدباء عن حياته وأدبه وقيمته - فحسب، وإنما نشأت من هنا ومن أنه كان - رحمه الله - فذاً في وداعة خلقه وفي ميزته في عمله الحكومي طوال مدة قيامه به في شتى الوظائف التي تقلدها في الدولة، كما أشار إلى هذا زميله الوزير السيد إبراهيم السليمان ابن عقيل رئيس ديوان مجلس الوزراء سابقاً وسفير المملكة العربية السعودية في الجمهورية العربية المتحدة بعد ذلك، وكما أشار أصدقاؤه الذين كتبوا عنه ما يراه القارئ في هذا السجل الصغير.
كان الفقيد دمث الخلق وادع النفس، وكان لا يخلو من الابتسامة الرقيقة تبدو على محياه حيث يقابل زواره بالبشاشة والترحاب سواء من يعرفه ومن لا يعرفه.
نعم كان في سلوكه كما كان في أدبه مثالاً حسناً جذاباً، وقد أحببت أن أخدم الأدب بتسجيل السطور الأولى من قصة حياته بنشر ما كتبه زملاؤه وأصدقاؤه عن هذه الحياة مع بعض آثاره رحمه الله لأننا في أمس الحاجة إلى ربط أطراف أدبنا بعضه ببعض، وإضاءة تاريخه الحي ليكون ذخيرتنا في بناء مجتمعنا على أسس واعية مشرفة.
وإن كان لي أن أقترح شيئاً فهو أن أطلب من حكومتنا البارة أن تطلق اسم محمد عمر عرب على أحد الشوارع في مكة تخليداً لذكراه الطيبة، كما أطلب إلى أصدقائه الأخصاء وأقاربه وشركائه في نشأته الأولى وأخص منهم شقيقه الأستاذ أحمد عرب رئيس محاسبة المستودعات بوزارة المواصلات، ورفيق صباه وأليفه ((في المنزل الخشن)).. الأستاذ محمد سرور الصبان، أن يقوما بتأليف لجنة منهما أو من غيرهما تتولى جمع آثار الفقيد المشتتة وتضمها مع بيان حافل يشمل تاريخ حياته مفصلاً لتقديمها إلى المطبعة تخليداً لذكرى أديب بارز شارك في رفع رأس هذه البلاد أدبياً.
وقد رأيت - وأنا لست من رجال هذه الطبقة، ولا من فرسان هذا الميدان - أن أبدأ بفتح هذا الباب المغلق وأسبق أولئك الذين كان من حقهم أن يسبقوني إلى هذا التخليد، حفزاً للمهم، وإحياء للضمائر التي لا أرتاب في حياتها وقدرتها على السبق رغم ظروفها المعيشية التي لو كانت قادرة على الحيلولة دون هذا العمل لكانت قدرتها عليه أكثر تجلياً في شخصي الضعيف.
فتوكلت على الله وفتحت الطريق المسدود: طريق تخليد عظمائنا العاملين في حقول الثقافة والفكر والفن.
ورأَيت أن لا أتجاوز مداي المحدود في هذا الواجب الوطني الحر فسارعت إلى مفاتحة الأديب المفكر الذي أضمن تشجيعه، بمقدار ضماني لفعالية الوعي الأدبي الساطع الذي يمتاز به بين أدبائنا، وهو صديقي وصديق كل ذي حيوية متوثبة من الأدباء العاملين عملاق الأدب الحديث الأستاذ ((محمد حسن عواد))، لما يتمتع به من المكانة الفذة المرموقة والمركز الاجتماعي والتفرد بتوجيه حركات الأدب لا سيما عند الناشئين.
فاتحته في الفكرة فكان اسرع مني إلى الترحيب وبلورة العمل وقام بما يجب:
1 ـ فكتب لهذا السفر مقدمة دراسية تحليلية ضمنها أفكاراً تدفق بها قلبه الثائر قبل أن يسيل بها قلمه البليغ.
2 ـ واختار لهذا الكتاب اسماً قصصياً شعرياً ليكون أكثر جاذبية لمن يستهويهم هذا اللون من ألوان الأدب الجديد وهذا الاسم هو: ((الشجرة ذات السياج الشوكي)).
3 ـ وأشار بتغيير عناوين المقالات العادية التي كتبها أصدقاء الفقيد وتكوّن منها هذا الكتاب، لتحل محلها عناوين أخرى هي اقرب إلى أن تكون عناوين نصوص جزئية من قصة واحدة تضمها وحدة الإخراج، وتبدو للقارئ وكأنها مراحل لقصة الشجرة المسيجة بالشوك أو أزياء من نفس الرداء الذي ارتداه الكتاب بهذا العرض الجديد. فالثمرة، والأريج، واللون الأخضر، والمعطيات، والطبيعة، والربيع، والسياج، والورد، والشوك - وهي الألفاظ التي يراها القارئ في عناوين فصول الكتاب - كلها ألفاظ فنية نباتية من جنس ((الشجرة))، وهي عنوان هذا الكتاب أو هذه القصة من قصص الحياة، تمثل إطاراً متموجاً رائعاً تبدو فيه وكأنها حادث يتحرك، أو عمل فني من أعمال الطبيعة يمشي بين أيدي الناظرين والقراء مشية فيها كثير من موسيقى الحياة وموسيقى التعبير.
وقد قصد الأستاذ العواد من تسمية الفقيد الراحل بالشجرة ذات السياج الشوكي، أن يوحي إلى القراء أن ذلك الأديب كان قوة مثمرة ذات اثر يشبه الأريج الفوّاح، وذات معطيات ساهمت في تغذية الفكر بلون زاهٍ من الوانه، يتمشى مع حيوية الطبيعة ونغمات الربيع، وأن معارضيه في أفكاره من الرجعيين كانوا يضعون حوله سياجاً من شوك المعاكسات ليصدوا عنه النشء الذي كانوا يريدون أن ينشئوه على مبادئ انحلالية من الفكر المحطم والعلم الكسيح.
أما المقدمة، فلن يساور أحداً أيما ريب في أنها إحدى الروائع المعهودة من قلم العواد الجبار. وأنها خير ما كتب وما سيكتب عن هذا الفقيد وعن موضوع الكتاب، ذلك لأنها تعتمد على عناصر جديدة من عناصر العمل الأدبي والتفكير الممتاز، وتلك العناصر هي الدقة والصراحة، والتحليل، والإيمان، والتوثب، والقيادة، والنقد الموحي العميق.
وكل أملي هو أن يحل هذا السفر الصغير محله من قلوب الأدباء وتقديرهم كما يحل محله من المكتبة العربية الكبيرة فيغدو أحد المراجع المعتمدة عن الأدب الحجازي، أو السعودي الذي خدم مراجعه من قبلي الصديق الناهض الأديب الأستاذ عبد السلام الساسي خدمة مشكورة مقدرة بما قدمه إلى المكتبة في مرجعيه الجليلين: ((الشعراء الثلاثة)) و ((شعراء الحجاز في العصر الحديث)). وقد كانا أهم مراجعي في هذا الكتاب مع المراجع الأخرى كالمعرض وخواطر مصرحة وأدب الحجاز ووحي الصحراء.
رشاد سروجي
مكة في 1 محرم سنة 1380هـ، 25 يونيو سنة 1960.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1093  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 37
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.