تَذَكَّرْتُ عَهْدَ الصِّبَا وَالشَّبَابْ |
وَحُلْماً عَزِيزاً تَوَلَّى وَشَابْ |
وَصَبْوَةَ عِشْقٍ رَقيقِ المُنَى |
وَهَمْساً شَفِيفاً نَدِيًّا مُذَابْ |
وَغِنْوَةَ طَيْرٍ عَلَى أَيْكِهِ |
تَفِيضُ مِنَ الحِسِّ لَحْناً عُجَابْ |
وَمَوْجَةَ بَحْرٍ عَلى شَطِّهِ |
تَمُدُّ وتَجْزِرُ بَيْنَ الشِّعَابْ |
وَبَدْراً مُشِعًّا يُنِيرُ الدُّجَى |
وَيَسْكُبُ ضَوْءً خِلاَلَ الضَّبَابْ |
وَزَهْرَةَ عِطْرٍ تَفُوحُ شَذَى |
كَنَفْح الخُزَامَا بِجِيدِ الكِعَابْ |
وَنَجْماً يُوَصْوِصُ في أُفْقِهِ |
تَسَلَّلَ مِنْ بَيْنِ هَامِ السَّحَابْ |
يَقُصُّ عَلَى الخَلْقِ أُقْصُوصَةً |
هِيَ الحُبُّ وَالأَمَلُ المُسْتَطَابْ |
لماذا نَعِيشُ عَلَى سَأْمِنَا؟ |
وَفَيْضُ التَّفَاؤُلِ بَيْنَ الجِنَابْ |
لمَاذَا نُعَتِّمْ فَجْرَ الهَنَا؟ |
وَنَفْتِكُ بَطْشَاً بِهِ مُسْتَرَابْ |
نُدَاري مِنَ الحَبْطِ صَوْتَ الجَفَا |
وَنَجْرَعُ كَأْساً مَرِيرَ الشَّرَابْ |
كَأَنَّا نَعِيشُ أَسَىً ضَارِياً |
يُعَمِّقُ في النَّفْسِ صَوْتَ العَذَابْ |
وَنَغْدُو نَمَلُّ بِهَذِي الدُّنَا |
وَوَجْهُ الحَيَاةِ جَميلُ الإِهَابْ |
وَهَذي العَنَادِلُ مِنْ حَوْلِنَا |
تُغَرِّدُ لِلصُّبْحِ لحْناً وَطَابْ |
وَتَشْدو مِنَ الحُبِّ مَا يَجْتَلي |
وَيَبْعَثُ في المَرْءِ نَبْضَ الشَّبَابْ |
عَلاَمَ نَمَلُّ وَنَجْفُو الوَفَا؟ |
وَنَبْرَمُ حَتَّى مَلَلْنَا ـ العِتَابْ؟ |
وَزَهْرُ الرَّبِيعِ يَفِيضُ شَذَىً |
وَيَبْسُمُ تِيْهاً بِخُضْرِ الهِضَابْ |
وَوَجْهُ الحَيَاةِ جَمِيلٌ إِذَا |
نَزَعْنَا عَنِ العَيْنِ سِتْرَ الحِجَابْ |
وَسِرْنَا على الدَّرْبِ في غِبْطَةٍ |
نَخُوضُ وَنَسْمو عَنِ المُسْتَعَابْ |
رَبِيعُ الحَيَاةِ لنَا ضَاحِكٌ |
فَفِيمَ نُجَدِّفُ حَوْلَ السَّرَابْ؟ |
وَحَتَّامَ نَغْشَى مَلاَلَ الدُّنَا؟ |
كَأَنَّ الحَيَاةَ قُنُوطٌ.. يَبَابْ؟ |
وَصَوْتُ خَرِيرِ المِيَاهِ صَفَا |
كَلَحْنٍ رَقِيقٍ لِهَمْسِ الرَّبَابْ |
لِمَاذَا نُعَاني صُنُوفَ الأَذَى |
وَتَبْدُو الحَيَاةُ لنَا كَالخَرَابْ! |
وَهَذي الحَيَاةُ تَفِيضُ رُؤَىً |
وَحِسًّا جَمِيلاً بِسَامي الرَّغَابْ |
وَتَبْعَثُ في النَّفْسِ دِفءَ السَّنَا |
يَشِعُّ بِحَجْمِ اتِّسَاعِ الرِّحَابْ |
فَلاَ عَاشَ مَنْ كانَ في عَيْنِهِ |
غَبَاشٌ وَعَشْوٌ عَنِ المُسْتَطَابْ |
وَأَذْعَنَ في لُجِّهِ يَائِساً |
يَرَى كُلَّ شَيءٍ جَمِيلاً مُعَابْ |
وَيَخْنُقُ صَوْتَ هَزَارِ الرُّبَا |
بِحَبْلٍ وَفَأْسٍ وَظُفْرٍ وَنَابْ |