الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > الحلقة الرابعة

الحلقة ـ 4 ـ

ابن أبي: حتى أنت يا شاس تؤمن بهذه الحقيقة..

شاس: هذا هو الواقع يا ابن أُبي ولا سبيل إلى الجحود أو الإنكار..

ابن أبي: ومصير جماعتك اليهود في هذه البلاد ألا تضعه نصب عينيك..

شاس: هذا شيء.. والحقيقة الساطعة شيء آخر..

ابن أبي: إذن أنت بسبيل الدخول في دين محمد كما أدخل عبد الله بن سلام من قبلك.

شاس: لو تجلت لي هذه الحقيقة يومئذ لكنت سبقت عبد الله بن سلام إلى الإيمان بمحمد..

ابن أبي: ولكن هذا التزعزع في موقفك من محمد وعدم الثبات على ما اتفقنا نحن عليه مع اليهود من تكريس جهودنا وتوحيدها ضد محمد يدل على أنك عاجلاً يا شاس أم آجلاً ستدخل في دين محمد..

شاس: إنك تقسو في حكمك علي يا بن أبي.. لئن جهرت برأي في أمر فهذا لا يعني أني أدين بهذا الرأي وإنما أردت أن أقول الحقيقة والحقيقة مرة على كثير من الناس..

ابن أبي: أراك تعرض لي يا أبا اسحق وأرانا بدأنا نختلف في الرأي وهذا الاختلاف لا شك أنه من سحر محمد..

شاس: أجاد في كلامك يا بن أُبي حول سحر محمد أم إنك هازل.؟؟

ابن أبي: إني أعتقد أن محمداً ساحر وليس بنبي..

شاس: وكل هذه البينات التي ظهرت على يدي محمد ألم تقنعك بأنه نبي أما أنك لا تؤمن بهذا النبي فهذا شيء آخر..

ابن أبي: إني مصر على رأيي يا شاس..

شاس: العناد ضرب من الكفر.. وأرانا مشينا في طريقين مختلفين تتسع فيهما الشقة كلما استطال الجدل فلتعد من حيث بدأنا.

ابن أبي: صدقت يا شاس صدقت فلنعد من حيث بدأنا..

شاس: قريش تستعد لغزو يثرب للثأر لهزيمتها في بدر.

ابن أبي: هذا ما تواترت عليه الأخبار..

شاس: فما عسانا نفعل لشد أزر القرشيين ضد محمد..

ابن أبي: أرى أن تكون هناك خطة مشتركة بيننا تهدف إلى مساندة القرشيين وضرب محمد..

شاس: سأذهب للاجتماع بقادة اليهود لتقرير الخطة وأنت؟

ابن أبي: سأجتمع برجالي لوضع الخطة اللازمة وسنتصل ببعضنا للاتفاق على طريقة التنفيذ..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي سفيان يقول):

أبو سفيان: كانت مقاومة سهيل بن عمرو لاشتراك المرأة في القتال شديدة وخاصة عندما علم أنك صاحبة الفكرة يا هند..

هند: تباً له ما أشد حقده علي..

أبو سفيان: ولكني استطعت بمؤازرة الأكثرية من زعماء قريش أن أتغلب عليه وأن أحصل على موافقتهم على اشتراك المرأة في المعركة القادمة وعلى أن تكوني أنت قائدة النساء المشتركات..

هند: بورك فيك.. بورك فيك..

أبو سفيان: ولكن ما هي خطتك للعمل يا هند.. إن المسؤولية ضخمة والعبء ثقيل..

هند: لا تخف يا أبا سفيان سأزور بنفسي النساء اللائي أرى فيهن القدرة على خوض المعركة وسأجس النبض وبعدها أدعوهن إلى اجتماع عام نقرر فيه ما يجب..

أبو سفيان: رأي سديد يا هند ولكن..

هند: ولكن ماذا يا أبا سفيان؟

أبو سفيان: يجب أن تحسبي حساب سهيل بن عمرو..

هند: كيف يا أبا سفيان.. كيف؟..

أبو سفيان: إنه بكل تأكيد سيبعث من أتباعه وصنائعه من يثبطون النساء عن الاشتراك في المعركة القادمة..

هند: أتبلغ بأبي جندل الحِِطَّةُ إلى حد مقاومة أمر فيه استرداد لكرامة قريش.. لا.. لا.. إن سهيل بن عمرو أجلُّ وأرفع من أن يتدنى لمثل ذلك..

أبو سفيان: أرجو أن تكوني مصيبة في رأيك.. على كل حالٍ يجب أن تحتاطي لئلا تذهب مساعيك أدراج الرياح..

هند: سوف ترى يا أبا سفيان أن زوج سهيل بن عمرو وابنته الكبرى ستكونان في طليعة المشتركات في هذه المعركة..

أبو سفيان: سيكون ذلك مدعاة لسروري يا هند.. إن انتصارك في هذه المهمة انتصار لي فأنا وأنت شيء واحد..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول):

سهيل:كانت معركة حامية الوطيس بيني وبين أبي سفيان هذا اليوم في الندوة..

مكرز: ولم كانت المعركة يا سهيل بن عمرو؟..

سهيل:كانت حول اشتراك نساء قريش في المعركة المرتقبة..

مكرز: نساء قريش سيشتركن في المعركة..

سهيل:أجل يا مكرز وهذا ما عرضه أبو سفيان على زعماء قريش في الندوة..

مكرز: أأصاب أبا سفيان مس من الجن فجن..

سهيل:بل قل أصابه مس من هند بنت عتبة فهي لا شك كانت المحرض له..

مكرز: بلى.. بلى.. يا سهيل الآن أدركت أي جنية هي هند.. إنها تلعب بعقل أبي سفيان كما يلعب الأطفال بالدمى والحجارة..

سهيل:لقد حاربت الفكرة.. وجندت ما عندي من حجج وبيان وبراهين ولكني فشلت..

مكرز: إذن وافق زعماء قريش على اشتراك المرأة القرشية في القتال..

سهيل:بلى.. بلى.. وبكل أسف..

مكرز: أما كفتنا فضيحتنا في أسرانا يوم بدر حتى نجللها ونعظمها بافتضاحنا في نسائنا إذا خسرنا المعركة المقبلة..

سهيل:ولكن أبا سفيان يقول إن وجود المرأة بيننا سيشجعنا على القتال في سبيل الحفاظ عليهن وعلى كسب النصر مهما يكن الثمن..

مكرز: ولكن هل نسي أبو سفيان أن فرسان المسلمين وشبابهم سيقاتلون بضراوة ليستحلوا نساءنا..

سهيل:قلت هذا يا مكرز ولكن لا حياة لمن تنادي..

مكرز: وستقود النساء هند بنت عتبة؟..

سهيل:وهل كان دفاع أبي سفيان إلا في سبيل قيادة هند بنت عتبة لنساء قريش..

مكرز: ولم لا يجعل أبو سفيان هند بنت عتبة القائد العام للمعركة المقبلة..

سهيل:هل يخامرك شك يا مكرز في أن أبا سفيان لا يصدر أمراً ما لم يطلع هند بنت عتبة عليه وتوافق عليه..

مكرز: كانت قيادتنا في أيدي الرجال فإذا بها تصبح في أيدي النساء يا لسوء المصير..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت ابن أُبي يقول):

ابن أبي: خطة جماعتك اليهود حكيمة يا شاس..

شاس: وخطتكم أنتم يا زعيم يثرب محكمة وسديدة..

ابن أبي: أرجو أن يحالف التوفيق ما اتفقنا عليه..

شاس: ما دمت ستشرف أنت على التنفيذ فالكل مطمئن وواثق من النجاح..

ابن أبي: نجاحنا متوقف على مجيء قريش.. فكلما أسرعوا في المجيء تكون إمكانات النجاح مضمونة..

شاس: ولم تربط نجاح الخطة على سرعة مجيء القرشيين يا ابن أُبي..

ابن أبي: أخشى أن يعرف بها محمد فيفسدها كما أفسد غيرها..

شاس: وأنى له أن يعلم بها وقد تعاهدنا على كتمانها..

ابن أبي: قد يكون محمد نبياً كما تقول فيطلعه ربه على ما بيتنا له..

شاس: أراك تدق بأول إسفين لهدم الخطة..

ابن أبي: لا.. ولكن سوء الظن من أقوى الفطن..

شاس: أرجوك يا بن أُبي لا تزعزع ثقتي بنجاح الخطة..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية وقرع الطبول وكر الخيل وفرها وأصوات تهليل وتكبير وسقوط قتلى وأنين جرحى مما يدل على حدوث معركة حامية الوطيس هي معركة أُحد نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول):

هند: ويهاً بن عبد الدار ويها حماة الأدبار ضرباً بكل بتَّار

إن تقبلوا نعانق، ونفرش النمارق، أو تدبروا نفارق فراق غير وامق

(أصوات تهليل وتكبير وكر الخيل وفرها وسقوط قتلى وأنين جرحى تختلط بقرع الطبول وصليل السيوف والموسيقى يعقبها صمت رهيب نسمع بعده صوت أبي سفيان يقول بصول عالٍ):

أبو سفيان: أنعمت فعّال.. إن الحرب سجال.. يوم بيوم بدر.. أعل هبل..

(موسيقى حربية سريعة تختلط بصهيل الخيل ووقع حوافرها وغمغمات وهمهمات نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول):

هند: هنيئاً لنا بالنصر.. لقد ثأرنا لقتلانا في بدر..

أبو سفيان: وثأرت أنت لقاتل أبيك وعمك وأخيك..

هند: أجل.. أجل.. ثأرت لقتلاي.. والآن آن لدموعي أن تكف ولنفسي العطشى أن تطمئن بعد أن ارتوت.

أبو سفيان: يا لجرأتك وقوة جنابك يا هند..

هند: بل قل ما أجرئكن يا نساء قريش.. قاتلتن قتالاً مستميتاً ولا سيما في بداية المعركة حين كادت الدائرة تدور علينا..

أبو سفيان: لولا غلطة رماة محمد الذين تركوا مركزهم الحصين والتهوا بالغنائم فانتهز خالد بن الوليد الفرصة وكر بخيله فاحتل مكانهم فانقلبت المعركة من هزيمة محققة إلى نصر مؤزر..

هند: وإنها لمن يمن طالعنا نحن النساء أن اشتركنا معكم فجلبنا لكم النصر وأي نصر.. إنه نصر استردت به قريش كرامتها وعزتها وسيادتها..

أبو سفيان: أجل.. صدقت يا هند.. صدقت.. إنه نصر مبين..

هند: نسيت أن أخبرك في غمرة الفرحة بهذا النصر أن أقول لك..

أبو سفيان: تقولين ماذا.. قولي بربك..

هند: وددت لو كنت معي تشهد زوج سهيل بن عمرو وابنته تردان بسيوفهما فلول المنهزمين من قريش عندما ابتدأت المعركة..

أبو سفيان: زوج سهيل وابنته كانا معك..

هند: واللات والعزى يا أبا سفيان.. وعندما تكسرت سيوفهما لجأتا إلى أعمدة الخيام ورماح القتلى فحملتا على المنهزمين وهما تصرخان: يا للعار يا للشنار.. أتتركون نساءكم يفتضحن بين المسلمين..

أبو سفيان: يا له من منظر بطولي رائع.. كم كنت أتمنى أن أشهده وأن أشد على يدي سهيل بن عمرو لأهنئه بزوجه وابنته البطلتين..

هند: أما أنا فإن أبصرت سهيل بن عمرو فسوف أهنئه ببطولة زوجه وابنته..

أبو سفيان: لا شك أنك إن فعلت يا هند فستقطعين لسانه عنك إلى الأبد..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت شاس يقول):

شاس: انتصرت قريش وأصبح الخطر محدقاً وأتباعه من كل جانب..

ابن أبي: أجل يا شاس وإني لأعجب كيف أن أبا سفيان بعد أن هزم جيش محمد وتمزق شر ممزق لم يحتل يثرب..

شاس: شيء عجيب وغريب يلفت الأنظار ويحير الأفكار..

ابن أبي: لقد كنت ومن تخلف معي عن شهود أحد ننتظر دخول جيش قريش لنفرش طريقه بالزهر والرياحين.. إنها فرصة ذهبية صنعها أبو سفيان ولن تسنح له بعد اليوم..

شاس: كيف تقول لن تسنح للقرشيين بعد اليوم.. هل يستطيع محمد أن ينهض بعد هذه الهزيمة المنكرة.. لا ورب موسى لقد قضي على محمد ودينه إلى الأبد..

(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية سريعة وصاخبة نسمع بعدها صوت المنادي يقول):

المنادي: يا معشر المسلمين! يا معشر المسلمين! يا معشر المسلمين! رسول الله يدعو من شهدوا معركة أُحد للخروج معه لتعقب جيش المشركين..

صوت صادر من مكان بعيد: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. صدق الله العظيم (سورة التوبة: 41)..