شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أثر الآداب الأخرى
يصف العديد من الباحثين ونقّاد الأدب، المرحلة الأولى للأدب العربي السعودي بأنها كانت ذات صبغة واضحة من أدب المهجر، وأفكار أدباء العربية في مصر وسوريا والعراق، وهذا حق، يظهر أمام القارئ لما كتب في تلك الحقبة، غير أن من المحقق أن نلمس أيضاً بوادر فردية تنادي باستقلالية الروح الأدبية، والنزوع إلى توجهات فكرية تنحو إلى التجديد.
فهذا الأستاذ، محمد حسن عواد، لم يتردد في شن حملات متواصلة ضد (أدب الإفلاس) و (أدب التقليد) و (الأدب الكاسد).
وفي المقالة التي كتبها عن: (الأدب في الحجاز) (1) يكشف الغطاء عن المقلدين للأدب القديم، ويدعو إلى أفكار متجددة تتجاوب مع متطلبات الحياة العصرية. يقول الأديب (العواد):
(بعض من شبابنا الأدباء، وبعض من قرّاء الكتب الدارجة يفرض القطع الشعرية البديعة الناصعة –ناصعة والحق يقال– ولكن ماذا يضمنها من الأفكار؟
- ينظمها في الخمريات حتى يسابق أبا نواس.
- وفي الغزل حتى يغلب الشاب الظريف.
- وفي المديح حتى يفوق البحتري.
- وفي الحماسة حتى ينسينا ذكر عنترة.
- وفي الحكمة حتى لا يضاهيه أبو العتاهية.
وكل هذه - من الأفكار المائتة التي دفنت مع عصور أبي نواس، والشاب الظريف، والبحتري، وعنترة، وأبي العتاهية، فلا تصلح لنا.
أما إذا لم نستطع أن نأتي بفكر جديد - ولدينا من الأفكار والمقاصد والأغراض الشعرية ما يكمم أفواهنا عجزاً وقصوراً عن استيعابه - فأحرى بنا أن نحطم أقلامنا ونسكت.
- أمامنا الوطن بحاجاته المادية والمعنوية وما يتطلبه الشعر فيها!.
- أمامنا العادات، والأخلاق، بما فيها من فساد يتطلب النقد!.
- أمامنا الحرية بأنواعها، وما يجب من تمكينها في النفوس!.
- أمامنا الطبيعة بظاهرها وباطنها ووحيها للعقل والقلب!.
- أمامنا العرب بحالتهم السياسية وواجب الشعر في هذا المجال!.
- أمامنا الغرب باختراعاته ومدهشاته وأعماله وما يتطلبه المقام في ذلك من تمثيله والحث على مناقشته!..
- أمامنا الحياة كلها بما فيها من خير وشر!.
إذن: فمالنا نرجع إلى الوراء حتى في الأدب، والأدب هو أول الطريق؟
جناية جناها على أفكارنا وأقلامنا الأقدمون فطأطأنا لها الرؤوس..
ثم يوجه خطابه إلى أدباء الحجاز:
(كفى يا أدباء الحجاز! ألا نزال مقلدين حجريين إلى الممات؟ وأقسم لولا حركة عصرية في الأدب تقوم الآن في الحجاز بهمة لفيف من أحرار الأدب العصري الحديث لما عرف العالم شيئاً في الحجاز يدعى الأدب الصحيح).
وبينما كان محمد حسن عواد ينتقد الأدب في الحجاز، ويتهم أدباءه بتقليد القديم، فإن الأديب عزيز ضياء، لم يتردد في اتهام (العواد) بتقليده ومناصرته للأدب المهجري.
يقول الأستاذ عزيز ضياء في المقال الذي كتبه بعنوان (تصفية2) (2) :
(كان أدب "جبران خليل جبران"، أو أدب المهجر كله، نغماً عذباً استغرق مشاعر المتأدبين، ومنها هذه البلاد التي بدأت - بزوال العهدين البائدين - تهتز للحياة وتستقبل فجراً جديداً كان العواد من أسبق المتأهبين للانطلاق على ضوئه، إلى غايته كرجل أدب وفكر.. ومع أن الأدب في مصر وسوريا والعراق كان ينبغي أن يكون أشد تأثراً وانفعالاً بهذا النغم الجديد، بالنسبة لسبقها الفكري، والثقافي، واندفاعها الطبيعي وراء صيحات التحرر والتجديد، فإن ما وقع هو أن الأدباء والمتأدبين في الحجاز قد جاوزوا حد التأثر والانفعال بهذا النغم إلى التقليد والمحاكاة، بحيث تقرأ لبعضهم أو يقرأ لنا البعض مقطوعات من الشعر المنثور يتلامح فيها أسلوب جبران والريحاني. والذين قرأوا جبران يذكرون ثورته على قيود الشعر وتمرده على القديم في كثير من كتبه الأولى ولم تجد هذه الثورة عندنا مجرد استجابة وهوى فحسب، وإنما وجدت دعاة وأنصاراً، ونحن نسجل للعواد أنه كان –بطريقته– في طليعة هؤلاء الأنصار، وليس من شك أن خواطره المصرحة كانت تعبيراً قوياً عن تأثره وإيمانه بها ودعوته إليها..).
ويؤيد أستاذنا الأديب الناقد عبد الله عبد الجبار، ما ذهب إليه (عزيز ضياء) في تأثر العواد بالأدب المهجري بقوله: (كما تأثر العواد في خواطره من قبل بالريحاني والرياشي وجبران خليل جبران وغيرهم) (3) .
كما ألمح إلى أن (أحمد السباعي) (كان يسير على خطى جبران ثم استقل بطريقة خاصة) (4) .
ولم يكن الأدب المهجري وحده مركز التأثير في الأدب الحجازي –آنذاك– فقد كان هناك تيار الثقافة المصرية (وكما تأثر الأدباء بالأدب المهجري تأثروا أيضاً بالأدب المصري، ويبدو ذلك في نثر العامودي، وحامد كعكي. إلا أن تيار الثقافة المصرية لم يبد بوضوح إلا في الفترات اللاحقة) (5) .
وقد لاحظ صاحب التيارات الأدبية (أثر العقاد في العطار –وبخاصة في بواكير إنتاجه– وأثر طه حسين في عزيز ضياء، كما يبدو أثر الرافعي في محمد حسين زيدان، وأثر التابعي ومدرسة أخبار اليوم في العريف، الصحفي والأديب) (6) .
وعزا الأستاذ عبد الله عبد الجبار اختيار (محمد سعيد عبد المقصود) للتوقيع تحت الاسم المستعار (الغربال) إلى (تأثره إلى حد ما بميخائيل نعيمة) (7) ، وفي اعتقادي أن اختيار ابن عبد المقصود للفظ (الغربال) لا يعني التأثر بفكر وأسلوب ميخائيل نعيمة، فالفرق بينهما كبير في هذه الناحية؛ وإن التقيا عند فكرة اسم (الغربال) والتي تدلل على الرغبة في ممارسة العملية النقدية، فالأديب (ميخائيل نعيمة) استعمل لفظة (الغربال) لعنوان كتاب له صدر عام 1923م جمع فيه مقالاته النقدية في الشعر العربي الحديث –وهو الأسبق في اختيار الاسم– أما (محمد سعيد عبد المقصود) فقد اختار اسم (الغربال) ليخاطب به مجتمعه؛ ولما لهذا الاسم (المستعار) من دلالة توحي بمصداقية الطرح، ومعالجة القضايا الحياتية بمنظار النقد الاجتماعي الموضوعي، لتنقية عادات المجتمع من الشوائب.. تماماً كما ينقي (الغربال) الحَبَّ.
وإذا كان أستاذنا الأديب (عبد الله عبد الجبار) قد لاحظ تأثر (ابن عبد المقصود) –إلى حد ما –بالأدب المهجري، فإن الأستاذ محمد عبد الله العوين، قد لمس التأثير ولكن بـ (الأدب المصري). يقول في ذلك (8) :
(وأكاد ألمس تأثر قراءة شبان الحجاز للأدب المصري في تقليد (محمد سعيد عبد المقصود) إبراهيم المازني في (صندوق الدنيا)، حين يضيق الوقت به، فلا يجد ما يكتبه لأن (المطبعة كجهنم لا تشبع ولا تمل قولة "هات") (9) ، وحينئذ لا يجد المازني مخرجاً من هذه الأزمة إلا في البحث عن موضوع يقول: (.. وأروح أفكر في كلام أكتبه صباح غد، وأشرب فلا أسهو، وأضحك فلا أراني ألهو، ويضيق صدري فأتمرد وأخرج إلى الطرقات، أمتع العين بما فيها مما تعرضه الحياة، فإذا بي أقول لنفسي إن كيت وكيت مما تأخذه العين يصلح أن يكون موضوع مقال) ..
ويقول (محمد سعيد): (:. وصدقني أيها القارئ أني خفت من أن أضل مفازة فقمت هارباً من جهلي المركب الذي لم يساعدني على أن أكتب في موضوع ما، وألقيت القلم من يدي وتركت المكتبة.. وقمت هارباً إلى الشارع، علني أرى، أرى شيئاً يمكنني أن أكتب عنه، اخترقت الشارع العام من أوله إلى آخره، وقد رأيت كثيراً ولكن لم أجد من نفسي دافعاً يدفعني للكتابة، وأخيراً وأولاً وقع نظري على غربال بين أحد المارة فلم أشعر إلا ولساني يقول: غربال .. لا بأس أن تكتب عن الغربال ..).
ثم يبدي العوين نظرته في قوله: (والاحتمال وارد أن المغربل الجديد اطلع على كتاب (صندوق الدنيا) إذ أن مقالة محمد سعيد كتبت في عام 1350هـ، حوالي عام 1930م، والكتاب أخرج في طبعته الأولى عام 1929م، ومن الجائز أن يكون من باب توارد الخواطر).
ومهما تكن الآراء حول تأثر الأدب الحجازي بالأدب المهجري، أو الأدب المصري أو غيرهما، فإن هذا الأمر لا ينقص من قيمة ومكانة أدبائه، ولا يعتبر عيباً في نسيجه، بل كان لذلك التلافح الفكري أثره في تأسيس نهضة أدبية وفكرية في البلاد تنامت مع الزمن، لتتميز بشخصيتها المستقلة. وإذا كانت الحضارة الإنسانية تنمو وتزدهر بفضل التمازج الثقافي الذي يتم بين الأمم والشعوب، فلا غرو أن يكون ذلك في حياة الأمة العربية ذات اللغة الواحدة، والتفكير الثقافي الموحد.
ولعلَّ هذه الإلماحة عن (الأدب الحجازي في منتصف القرن الرابع عشر الهجري) تكون كافية لإلقاء الضوء على تلك الفترة التي تعد بمثابة الانطلاقة الأولى للنهضة الفكرية والأدبية في الأدب العربي السعودي الحديث.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :908  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.