شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النهضة الأدبية (1)
(عاش الأدب الفترة التي سبقت النهضة الأدبية الأخيرة بغير رواد ولا معالم واضحة ثم بدأت النهضة وكنتم من روادها (.. هذا كل ما نعرفه عن النهضة) الأدبية الأخيرة في بلادنا فحبذا لو حدثتمونا عن النهضة وملابساتها ومراحل تطورها وكيف نشأت؟ ومن تعهدها معكم من روادها؟ وكيف كانت وسيلة نشر ما يكتب وما يقال إبان النهضة؟ وإننا بذلك سوف نسجل لهذه النهضة ونسلك بها إلى تاريخ الأدب العربي سبيلاً، ومما سمعناه عن الأدب أنه كان ينشر بطريقة المراسلات فما مدى صحة ما سمعناه؟ ننتظر أن نجد الإجابة الوافية).
هكذا كان نص العبارة التي أفضل فبعث بها إلى الأستاذ الجليل رئيس تحرير (مجلة قريش) وكان أغرب ما جاء فيها قوله: وكنتم من روادها.. وقوله: ومن تعهدها معكم من روادها - ما شاء الله لا قوة إلا بالله وحسبي الله ونعم الوكيل.
إن كان ما يصح أن يتوفر في (الرائد) من شروط أو مواصفات هو أن يكون ممن يحسن القراءة ويفك الحرف أو يفهم ما يقرأ ولو مبدئياً أو بعد إمعان طويل، أو يستطيع أن يحفظ بعض الأبيات الشعرية أو يتمثل بها فما أكثرهم إذن وإن كان من الضروري أن يتصف بالأهلية (للريادة) وأن يكون صاحب مؤهلات تبيح له أن يوصف بها من حيث ما يتزين به من علم غزير وأدب وفير وإطلاع كبير وإحاطة بفنون الأدب قديمه وحديثه، فما أحسب أننا نجد من يعد على أصابع اليد الواحدة في ذلك العهد الذي يبتدئ من أوائل النهضة العربية حتى عام 1343هـ أي من عام 1334هـ. وللحقيقة والتاريخ والإنصاف أيضاً يجب أن أقرر في طمأنينة وارتياح ما كنا نسمعه قبل ذلك العهد لم يكن يعد و (مقامات الحريري) يحفظها بعض من سبق من عشاق الأدب من الأشياخ أو ذوي البيوت العريقة في (العلم) ولا بأس من أن ينضم إلى ذلك بعض أبيات من ديوان أبي الطيب المتنبي أو ابن الفارض أو ابن معتوق وبعض جمل أو فصول من رسائل بديع الزمان الهمذاني. وتشطيرات وتخميسات للمتأخرين في أبواب الغزل أو الحكم (كسحرة) و (عبد الواحد الأشرم) و (زين العابدين الكبير) وفلان وفلان.. من لا أذكر أسماءهم الآن، ويتميز بعض الرواة من هؤلاء بالخط الجميل والسمت البديع والمظهر الخلاب والأداء المنمق والترتيل المنسق، ومن أشهرهم وأبهرهم في ذلك فضيلة السيد محمد علي بن السيد حسن الكتبي. والشيخ طاهر الصباغ (هو ممن شاق وراق شكلاً وموضعاً ورواية لعطوفة أمير البيان في مقابلاته معه في (باريس) وتحدث عنه في بعض مقالاته ومؤلفاته) وهو حجازي مكي صميم وجاء من بعدهم (الشيخ حسين ميش) وتخصص في رواية الأدب الجاهلي القديم وما جرى مجراه من قصائد القرون الأولى بعد الإسلام كشعر ابن هانئ الأندلسي ومن إليه، وقد كان في تلك الحقبة أدباء كبار كالمرحوم الشيخ عثمان قاضي (مدير البرق والبريد) بالطائف والمرحوم الشاعر محمد صبحي وأيضاً الشيخ بكر شرف عضو مجلس الشورى سابقا ولكل منهم آثار شعرية وأدبية، وقد سبق هؤلاء شعراء وأدباء آخرين منهم فضيلة الشيخ عبد الله كمال والشيخ أحمد النجار بالطائف، ولهم قصائد مختارة وقد تحدث عنه الشاعر الكبير والوزير السفير الأستاذ خير الدين الزركلي في كتابه (ما رأيت وما سمعت) ولا أنفي أنه كان هناك رجال غير هؤلاء من الكهول أو الشبان قد ضربوا بسهم وافر في ذلك كله أو أكثر أو أقل سواء في مكة أو جدة أو الطائف أو المدينة المنورة وغيرها من بلدان الحجاز إلا أنني أذكر ما علق بالذاكرة ممن أتيح معرفتهم من قريب أو من بعيد..
كما لا يجب أن يعني كلامي هذا أن الناس كلهم ما عدا من ذكرت لا يحفلون بالأدب ومتعلقاته فإنه كان هناك رجال أعلام يشار إليهم بالبنان من المدرسين أو العلماء والطلبة البارزين، وما من شك أنهم كانوا على معرفة تامة بالأدب وتاريخه وماضيه وحاضره.. بل ولهم الباع الطويل والقدم الراسخة في فنونه وآلاته وصرفه ونحوه وبلاغته وكان من أشهرهم عبد الحميد قدس وله مؤلف في (البدائع) أو معارضة بديعية تجري مجرى المعارضات المعروفة غير أن الذي كان يهم الأكثرين من هذا الفريق هو (العلم والتدريس) إلا ما تأتي به المسامرات أو الشواهد.. عرضاً وكلهم من الوعي والإدراك والذكاء بحيث يتجلى عليهم جماله وجلاله في حركاتهم وسكناتهم وعلاقاتهم بالأصدقاء والأقرباء وتعاملهم مع الجمهور ورجل الشارع.
أما شواهد علوم الآلة واللغة والتفسير والحديث من الشعر العربي الأصيل فقد كانت تتجاوب بها أصداء حلقات الدروس في المسجد الحرام وكأني بكل من العلماء الكبار الذين كانت تزدحم بهم (حصوات المسجد) وأروقته وحولهم من الطلاب الشباب هالة لا تقل عن المائة أو الثمانين في أقل تقدير وأمامهم (المقرئ) و (اللالات والفوانيس ذات الشمع الأبيض أي شمع الحوت) يتناولون الشرح والإيضـاح في إسهاب وأطناب وانطلاق.. على الطريقة التقليدية وإذا اقتضاهم الموقف استشهاداً بالشعر العربي جلجلت به أصواتهم وحناجرهم حتى أولئك الذين كانت حلقاتهم ودروسهم قاصرة على تعليم الجاليات من كل جنس من أجناس المجاورين الذين كانوا يتخلفون بمكة لتلقي العلوم عن علمائهم في المسجد الحرام.
وأتمثل أمامي منهم الآن المرحومين (الشيخ محمد زيدان والشيخ حبيب الله) الشنقيطيين وما يزال في سمعي مدوياً قول الثاني وهو يلقيه بلهجته المغربية في درسه بعد صلاة العصر أمام الكعبة المعظمة في جانب (المقام الحنفي) جهة (باب الزيادة) أو موقع (دار الندوة) قديماً، فسقى الغضار والساكنية وأن همو سبوه بين جوانحي وضلوعي. ثم ينطلق في هذا الاستشهاد وما يتصل به كالبحر الجياش أو السيل الآتي وكذلك الحال في كل جماعة وحلقة داخل المسجد وخارجه، وهناك ظاهرة لابد من التحدث عنها في هذه المناسبة وهي أن الأدب كما قلت آنفاً كان أدب نفس وخلق قبل أن يراد منه مجرد الرواية والدراية فقد أتخذوا منه حينئذ (مثلاً رفيعاً) يحتذونه في سلوكهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض كتجارب صادقة وحكم ناضجة وكان أثره وتأثيره بارزاً واضحاً في أزيائهم ومواصلاتهم وصلاتهم.. وتعاطفهم وتآلفهم وصدقاتهم وموداتهم وله من تمسكهم بالشريعة الغراء والأدب النبوي في السيرة والوعظ الديني في الرقائق، وفي (كتاب إحياء علوم الدين) للغزالي وشروحه ما جعل مجتمعهم خالصاً من شوائب المكدرات وبعيداً عن الأمراض الوافدة والطواعين اللاحقة الساحقة في بعض الصحف والمجلات والنشرات والقصص الماجنة الآسنة الخليعة الخالعة ولقد أدركت شباناً وأشياخاً يحفظون عن ظهر غيب في ذلك الوقت أي في عام 1330هـ إلى عام 1335هـ فما بعده قليلاً قصة (سيف بن ذي يزن) وقصة عنترة بن شداد ويتحلق حولهم الناشئون فيسمعون البطولات ويتحمسون للأبطال، ومن هنا كانت (الفتوة) في شباب وأطفال ذلك العهد مزدوجة في تكوينها وتلوينها فيه لم تبرح متسلسلة في نفوسهم بما يشاهدونه من مصارعات (أولاد الحارة) وعصبياتهم وما يسمعونه هذه القصص التي تملأ فراغهم إذا عادوا من مدارسهم أو (كتاتيبهم أو حلقات دروسهم في المسجد ومازلت احتفظ (بالآلة - والمحفظة) التي كنت أتأبطها إبان الدراسة كأثر تاريخي قديم. وكذلك كان الحال في كل من المدينة المنورة وجدة والطائف. فإن في كل بلد من هذه المدن علماء وأدباء وشباباً وشيوخاً أثروا وتأثروا كثيراً في (المحيط الأدبي والعلمي) ومن الجور والإجحاف جحدهم.. أو تناسيهم في غمرة التطور الحديث وقد تولى فضيلة الأخ (الشيخ عمر عبد الجبار) جزاه الله خيراً الكشف عن تراجمهم فيما ينشره عنهم على التوالي في صحفنا المحلية، كما أدى هذا الواجب قبل كل أحد فضيلة أستاذنا الجليل الشيخ عبد القدوس الأنصاري في (منهله الأغر) وكما يؤديه اليوم في جريدة (المدينة المنورة) فضيلة الشيخ محمد سعيد الدفتردار.. وهم بذلك سينصفون التاريخ ويصلون ما انقطع من الاعتراف بالجميل والفضل لأهله..
ناهيك بمن كان بالمدينة المنورة من شعراء شاركوا في البعث الأدبي الحديث (على أسلوبهم) وما كان يروج في زمنهم من الشعر وأبوابه المختلفة كالأسكوبي، و (برادة) وهم من نوابغ (طيبة الطيبة) صلوات الله وسلامه على ساكنها مادامت السموات والأرض.. وقد قام بالرسالة من بعدهم حتى الآن فريق كبير من الأدباء وفي مقدمتهم فضيلة الأستاذ عبد القدوس الأنصاري صاحب المنهل وسعادة الأستاذ الشاعر الفحل السيد عبيد المدني وأخوه السيد أمين وغيرهم ممن عاصرهم أو لحق بهم. ولست أزعم أنني بهذه الكلمة المرتجلة المحدودة النطاق قد أحصيت كل ما يجب إحصاؤه وأحطت بالموضوع من جميع جوانبه فإن ما فاتني منه أكثر مما أوردت غير أن مالا يدرك كله لا يترك جله وذلك مبلغي من العلم والإحاطة، ولقد كان في مكة شخص من الأئمة والخطباء يسمى (الشيخ أحمد فقيه) نعم كان قبل أن نولد.. وأن نعرف هذه الدنيا من أكمل الرجال سمتاً وأحلاهم صوتاً وأبلغهم حديثاً وأطرفهم نادرة وأروعهم مظهراً وأروعهم سيرة وأكرمهم أسرة، وكان إذا ارتقى المنبر للخطباء أضحك وأبكى وجمع فأوعى، وهو من أفذاذ مكة في أوائل هذا القرن، وقد عاش إلى ما يقارب أواخر العقد الثالث منه. هذا الرجل سافر إلى (استنامبول) أو القسطنطينية.. في ظرف كانت فيه (الدولة العثمانية) منهمكة في حروبها البلقانية.. وتوجه إلى سلانيك، وفي إحدى المناسبات صعد إلى المنبر في الجامع وارتجل خطاباً يكفي لخطورة تأثيره وبلوغه الذروة العالية من البيان الحر الساحر الآخاذ أن أمير البيان شكيب أرسلان تحدث عنه في إحدى مؤلفاته (ولا أذكره إلا بما معناه أنه بهره بلهجته الحجازية الفصيحة وأنه كان مثلاً رائعاً لبلاغة قريش.. في عصورها الأولى وما كان ليعجب شكيباً وهو من هو في مكانته من الأدب العالي الرفيع لولا مزاياه التي تنتزع الإعجاب ممن رآه أو سمعه، وما أكثر ما طوى الموت رجالاً كانوا ملء السمع والبصر وما أشد الأسف على ضياع آثارهم وتلاشى أخبارهم وأنه لنقص كبير يجب أن يتداركه القادرون بعد اليوم وأن يلاحقوا ما يمكن دركه من سيرهم وأنبائهم وإنتاجهم.. ومن الغريب أن نجد بين أيدينا (تراجم) العلماء والأدباء والشعراء منذ صدر الإسلام حتى أواخر القرن الثاني عشر والثالث عشر في مجلدات ضخمة ومن كل بلد وفي كل قطر ولا نظفر بمطبوع واحد يعني بذلك من المخطوطات المركونة عن سير وتراجم الإعلام في بلادنا، وأحسب أن هذا (الفن) قد أنقرض بين أظهرنا كلياً إلا أن يأذن الله بإحيائه من جديد على يد الأبناء البررة ممن يهمهم أن تبقى الصلة حية ناطقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وأولى الناس بذلك من يقدرونه حق قدره ولا يبخسون الناس أشيائهم ولا حاجة إلى التسمية فمن (أخصب أنتجع) كما يقول المثل العربي القديم.
بقي أن نجيب على التساؤل الأخير وهو (هل صحيح أن المتأدبين كانوا يتبادلون نشر الأدب عن طريق الرسائل أي أنه لم يكن لهم متنفس يظهرون فيه إنتاجهم فأقول نعم.. ولذلك أسباب شتى أهمها: إنه لم تكن هناك صحف أو مجلات وما وجد منها لا يسمح لغير الرسميات أن تنشر وتذاع وأن الإنتاج نفسه ما كان يتجاوز أحاديث القلوب وأشجان النفوس وأنه تفريج عن الكبت الأخذ بالخناق وأنى له أن يجرأ على الظهور وإلا كانت (قاصمة الظهور) وإن هذا الإنتاج نفسه لم يبلغ به النضج آنئذ أن يظهر أو ينظر بعين الاعتبار لأنه كان يترنح بين التقليد والأصالة والصحة والفساد والعقم والإخصاب فهو في دور النشوء والمخاض ولما يقف على قدميه ورأس ماله ضحل يسير من روافد أدباء الشام ومصر والعراق ولبنان وشعرائه وأدبائه المهاجرين في الأمريكتين كل هذه العوامل مع غلبة (الحياء) وعدم نفاق السوق ورواج البضاعة أدى إلى الانكماش والانزواء وإني لأرجو الله مخلصاً أن يكون لنا أدب عربي متميز نفاخر به ونباهي بين أشقائنا وشقيقاتنا من الأقطار العربية الناهضة وأقول متميزاً وأعني بذلك أن يكون منبثقاً عن مشاعرنا ومجتمعنا وتقاليدنا وظروفنا وأوضاعنا وخصائص أخلاقنا، وقبل ذلك وبعده متقيداً بأدب الشريعة ومنسجماً مع قدسية بلادنا ومكافحاً عن تراثنا الديني القديم دون جمود، أو جحود ودون تطرف أو جموح، وأن نضع نصب أعيننا أننا في بلد مقدس ينظر إليه أربعمائة مليون مسلم في أنحاء المعمورة كمثل أعلى يقتدى به في كل خير وفضل وجمال وكمال، وهذا ما أرى بوادره وتباشيره في كل ما تزخر به أنهار الصحف والمجلات السعودية بإذن الله وتوفيقه.. ولئن كان للسابقين عذرهم في التخلف فإن ما يسره الله للاحقين والخلف الصالح من وسائل التعليم والتهذيب والتثقيف ضمين بأن يوفوا ما نقص وأن يكتبوا صفحات خالدة من المجد الأدبي العريض ورايتنا واضحة جلية ولله الحمد والمنة فيمن رفعوا رؤوسنا في المجامع والمحافل الدولية والعربية من سلالات ربيعة ومضر وثقيف وهذيل وعتيبة ومطير وإن الله مع الذين هم محسنون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :518  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 612 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.