شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > ديوان قوس قزح > 1- افتتاحيـات: > - بقيتُ وغبتِ بعدك ما البقاء؟ رثاء زوجتي الثانية
 
بَقيتُ وغبتِ، بعدك ما البقاءُ؟!
فديتكِ، لو يُتاح ليَ الفداءُ..
بعد وفاة زوجتي الأولى (وطفاء بنت السيد أحمد فوزي الأميري) رحمها الله في حلب سنة/ 1363هـ - 1943م/ بأقل من عام تزوجت زوجتي الثانية (فخرية من آل طاهر الذيل)، بنت أحد أصدقائي في حلب. وقد احتضنت أطفالي الثلاثة من زوجتي الأولى كأنها أمهم الحقيقية، ونشؤوا على حبّها وبرّها. وقد قضيت معها أربعين عاماً، ورزقت منها ولديَّ الأصغرين: مازناً وعامرا.
ومنذ أن خطبتها وعُقد زواجنا دُعيتُ للتدريس في كلية الحقوق بالجامعة السورية (التي كنتُ تخرجتُ أنا منها قبل عشر سنوات)، وتم تعييني في هيئة التدريس فيها، وانتقلت في سكناي وحياتي إلى دمشق، وكانت فيها أيضاً بداية حياتنا الزوجية.
وفي آخر عام /1966م/ استعارتني وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، لأكون الخبير القائم على تنفيذ مشروع الموسوعة الفقهية الذي تبنّت الوزارة المذكورة متابعة العمل فيه. فاغتربنا غربةً ثانية إلى الكويت.
وبعد انتهاء عملي في الكويت طلبتني الجامعة الأردنية في عمّان للتدريس في كلية الشريعة التي قررت الجامعة إنشاءها في ذلك الوقت، فانتقلت حياتنا إلى الأردن في اغتراب جديد.
وبعد عشر سنوات قضيناها في الأردن، في منتصف عام/ 1981م/ ظهر معها داء السرطان في الأمعاء. وكان ابننا الأصغر عامر قد تخرج طبيباً من الجامعة الأردنية فأرسلتها معه للعلاج في مدينة هيوستن من الولايات المتحدة الأمريكية حيث يوجد أرقى المستشفيات المتخصصة لعلاج السرطان. فمكثا أربعة أشهر، ثم عادا لمتابعة العلاج الذي رتبوه لها في مستشفى الجامعة الأردنية. وكان السرطان قد انتشر في أمعائها حتى الكبد، واستؤصل من أمعائها أجزاء في عمليتين جراحيتين.
وفي نهاية سنتين من الإصابة توفيت إلى رحمة الله تعالى في يوم الثلاثين من شهر أيار/ 1983م.
كانت وفاتها رحمها الله، بالنسبة إلي، كارثة هدّت ركن حياتي وزعزعت كياني كله، وأصبحت وحيداً فريداً، إذ كان كل ولد من أولادي الخمسة في بقعة نائية من الأرض، وكانت هي لي كل شيء. فقد كانت خير زوجة أنعم الله بها علي، وكانت حياتي معها أهنأ حياة زوجية فيما أعلم، لما كانت تتمتع به من عقل راجح، وخلق محبب، وحسن تدبير، وكنت أرى نفسي معها اسعد زوج في أسرة.
ظللتُ أشهراً بعد وفاتها لا أتمالك عن البكاء كلما خلوت بنفسي، ومرت بخاطري المراحل الأخيرة الأليمة من مرضها العُضال، حتى شدَّ عليها الشَّدَّة القاضية.
وبعد أيام من وفاتها فاضت مشاعري بالقصيدة التالية، صورت فيها ما اعتراني، وأثر المصيبة في حياتي، وأفرغت فيها ما يجيش به صدري:
بقيتُ وغبتِ!! بعدكِ ما البقاءُ؟
فديتكِ لو يُتاح لي الفداءُ
وددتُ لَوَ انَّ يومي قبل يومٍ
فقدتُك فيه وانقطع الرجاءُ
شقيقةَ روحيَ استمعي وردّي
فما عهدي بِشِيمتك الجفاءُ
رثيتُ سواكِ يا فخر الغوالي (1)
فأما أنتِ فاستعصى الرثاءُ
ويسألني صديق كيف حالي؟
فيخنقني ويغلبني البكاء!!
كذاكِ الدمع يصبح خيرَ راثٍ
إذا ما الرُّزْء ضاق به الوعاءُ
تَلَجلج بي لسانٌ لم يخنّي
ولم يك قطّ يُعييه الأداءُ
ولكني بفقدك عدت طفلاً
أضاع البيتَ إذْ حلَّ المساءُ
فليس لديه غيرَ الدمع نطقٌ
ولا صبرٌ لديه ولا اهتداءُ
وبات الكون في عينيه غُولا
وليس له سوى (ماما) نداءُ
فقدتُ الوالدين فكنت ثَبْتاً
أخا جلَدٍ، وفي عزمي مَضاءُ
ولكني فقدتك حين عزمي
تخاذل، واستبدّ بي العَياءُ
* * *
حنانُك كان إنعاشاً لروحي
ومن كُرَب الهموم هو الشفاءُ
وكنتِ العقل والأخلاق زانت
لي النُّعمى، وتوّجها الوفاءُ
ونِعم المستشارُ، وكم هداني
لخير مسالكي منك الذكاءُ
وبيتي جَنّة ما كنتِ فيه
ويلفَحُني إذا غبتِ الشقاءُ
وفي حُسن التعاطف كان منا
لنا عن طول غربتنا عزاءُ
فأنتِ الرُّكن في دنيا حياتي
وأنت وأنت مائي والغذاءُ
وَفَرْتِ رغائبي حباً ورشداً
كأنك قد خُلقتِ كما أشاءُ
قضينا في الشباب الثَّرّ عُمْراً
وفي شيخوختي ازداد الولاءُ
* * *
أَحَبُّ إليّ بَعدك من ضياءٍ
ظلامٌ في الليالي وانزواءُ
ففي الدَّيْجور يمكننا التناجي
وفيه على الخيال لنا لقاءُ
فيؤنسني خيالك في الدياجي
ويوحشني بفرقته الضياءُ
* * *
إلهي، قد وعدت، وقد وَثِقْنا،
بأن الصابرين لهم جزاءُ
فجُد بالفضل منك، وأنت بَرٌّ
على أَمَةٍ أطاعت ما تشاءُ
تَحَكَّم واستبدّ بها عُضالٌ
من الأَدواء ليس له دواءُ
تغشّاها السقام بكل لونٍ
من الآلام ما شاء البلاءُ
وكان رضاك أعظم ما تَمَنّى
وتقواك الطريق المُستفاءُ
فآنِسْها بقربك في جِوارٍ
كريمٍ فيه من فزَعٍ وِقاءُ
وعوّضْها بما قاست نعيماً
به وُعد الخِيارُ الأتقياءُ
* * *
طغى السَّرَطانُ واستشرى ونادى:
أنا الجبّار ما مني نجاءُ
فلا تَبْغُنّ من بأسي فراراً
فهارِبُكم وثابتُكم سواءُ
ومن أَنشبتُ فيه شَباةَ ظُفْري
فقوموا ودّعوه، ولا رجاءُ
قهرتُ على العصور الطبَّ حتى
لَتَرهبُني الملوك الأقوياءُ
فجالينوسُ والرازيُّ قِدْماً
ومن في الطبّ قد نبغوا وضاؤوا
ومن نطحوا السحاب اليوم حتى
بسحر كُشوفهم غُزي الفضاءُ
أقرّوا عجزَهم عني وخابوا
وسِرّي عن مَداركهم خفاءُ
* * *
تعالى شأنُ بارئنا، وجلَّتْ
له نعمٌ، وقلَّ له الثناءُ
تبارك عادلاً، وسما حكيماً
له حِكمٌ بما خطّ القضاءُ
فهذا الحاصد الجبّار فينا
نذير للأُلَى ظَلَموا وساؤوا
أذلَّ به جبابرةً عُتاةً
همو والناس آسادٌ وشاءُ
يصيح مجلجلاً فيهم أفيقوا
فإني ههنا، يا أغبياءُ
فلا تحميكمو مني دروع
وذلَّت تحت بأسي الكبرياءُ
* * *
ولكن في حصيد الداء منا،
إلهي، صالحون وأبرياءُ
فيا ربَّ الأنام أغث عباداً
لهم بعميم رحمتك احتماءُ
وأَرشِدْ علمَهم، فلعلَّ يوماً
به للعلم نصرٌ وازدهاءُ
تذاع به البشائر والتهاني
بأَنْ: عن سرّه كُشف الغطاءُ
عمّان 15 من رمضان 1403هـ = 25/6/1983م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3122  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج