شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أ- "التوازن" وتعريف البلاغة:
ذكر "الجاحظ" في البيان والتبيين تعريفات كثيرة للبلاغة منها: "جماع البلاغة": "التماس حسن الموقع، والمعرفة بساعات القول، وقلة الخرق بما التبس من المعاني أو غمض، وبما شرد عليك من اللفظ أو تعذر". ثم قال: "وزين ذلك كله، وبهاؤه وحلاوته وسناؤه، أن تكون الشمائل موزونة، والألفاظ معدّلة، واللهجة نقية" (1) .
وكلام "الجاحظ" ينطوي على حقيقة جد مهمة، إذ "التوازن" في النص الأدبي يرتد أساساً إلى "التوازن" في شمائل صاحبه، ويظهر هذا "التوازن" على الكلام بهاء وحلاوة وسناء، وخاصة إذا وضعت الألفاظ في موضعها، وناسب المقال المقام.
وهذا يؤكد لنا ما أنا بسبيله من تطبيق معيار "التوازن" على البيان النبوي كيف أن وجوده في البيان النبوي مرجعه إلى كمال شخصه (صلى الله عليه وسلم) ظاهراً وباطناً.
ويعرف "أبو هلال العسكري" البلاغة بقوله: "البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع فتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة ومعرض حسن" (2) .
ويقول "ابن رشيق": "البلاغة وضع الكلام موضعه من طول أو إيجاز مع حسن العبارة" (3) .
ويفصّل القول "عبد القاهر الجرجاني" في تعريفه للبلاغة فيقول: "وضع الدلالة، وصواب الإشارة، وتصحيح الأقسام، وحسن الترتيب والنظام والإبداع في طريقة التشبيه والتمثيل، والإجمال ثم التفصيل، ووضع الفصل والوصل موضعهما وتوفية الحذف والتأكيد والتقديم والتأخير شروطها" (4) .
ويعرف "الخطيب القزويني" البلاغة بقوله: "أما بلاغة الكلام فهي مطابقته لمقتضى الحال". ولكنه يفصّل مقتضى الحال بما يشعرني بأن البلاغة هي: "توازن" الكلام مع الموقف، لأنه يقول:
"ومقتضى الحال مختلف فإن مقامات الكلام متفاوتة، فمقام التنكير يباين مقام التعريف، ومقام الإطلاق يباين مقام التقييد، ومقام التقديم يباين مقام التأخير، ومقام الذكر يباين مقام الحذف، ومقام القصر يباين مقام خلافه، ومقام الفصل يباين مقام الوصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة، وكذا خطاب الذكي يباين خطاب الغبي، وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام.. وارتفاع شأن الكلام في الحسن والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب وانحطاطه بعدم مطابقته له، فمقتضى الحال هو الاعتبار المناسب" (5) .
مما سبق توصلت إلى أن البلاغة تكمن في رعاية مقتضى الحال بين الكلام بعضه مع بعض، وبين الكلام وما يقتضيه المقام في الأحوال المختلفة، وقد أجمع البلاغيون على هذا، وهو ما يرتفع به شأن الكلام في الحسن والقبول.
وهو قول صائب، ولا أراه يندّ عن مفهوم "التوازن" بحيث لو قال "القزويني": إن مدار الحسن والقبول في الكلام يكون في "موازنة" بعضه بعضاً، وفي "موازنته" للمقام لما تغيّر المعنى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :6388  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.