شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأمر الثاني: أمور تتعلق بالمتلقي:
أ- الخبرة والدراية:
إن إدراك الجمال وتذوقه يحتاج إلى نفس جميلة، قد هذبتها الخبرة، وصقلتها الممارسة. وقد فطن نقاد العرب لذلك ونوهوا به في كتاباتهم فقد جعل "ابن طباطبا" الخبرة والدراية بأمور الشعر هي الحكم العادل للشعر الجميل. فهو يقول: "وعيار الشعر أن يورد على الفَهِم الثاقب، فما قبله واصطفاه فهو واف وما مجه ونفاه فهو ناقص" (1) .
ب-الطبع السليم:
وتكلموا أيضاً عن الطبع السليم، الذي يقبلونه حكماً على النصوص، وبعد دراستي لما قصدوه بالطبع السليم، وجدته لا يخرج كما أتصور عن "الإنسان المتوازن"، وكأن "التوازن" في الشخص يجعله جميلاً يدرك الجمال ويتذوقه.
فسليم الطبع عندهم: من سلمت حواسه من العيوب والآفات فهذا "ابن طباطبا" يفصل القول في العلاقة بين سلامة الحواس وبين تقبلها للكلام الجميل ومجها للقبيح، يقول: "والعلة في قبول الفَهِم الناقد للشعر الحسن الذي يرد عليه، ونفيه للقبيح منه، واهتزازه لما يقبله، وتكرهه لما ينفيه، أن كل حاسة من حواس البدن إنما تتقبل ما يتصل بها مما طبعت له إذا كان وروده عليها وروداً لطيفاً باعتدال لا جور فيه، وبموافقة لا مضادة معها، فالعين تألف المرأى الحسن، وتقذى بالمرأى القبيح الكريه، والأنف يقبل المشم الطيب، ويتأذى بالمنتن الخبيث، والفم يلتذ بالمذاق الحلو، ويمج البشع المر، والأذن تتشوف للصوت الخفيض الساكن وتتأذى بالجهير الهائل، واليد تنعم بالملمس اللين الناعم، وتتأذى بالخشن المؤذي، والفهم يأنس من الكلام بالعدل الصواب الحق والجائز المعروف المألوف. ويستوحش من الكلام الجائر الخطأ الباطل" (2) .
وعلى هذا فإن "ابن طباطبا" يجعل سلامة الحواس معياراً لقبول الجميل ورفض القبيح، ومما هو معروف أن وجود عيب في حاسة من الحواس لا بد أن يترك أثراً على شخصية الإنسان وبالتالي على ذوقه العام، وقد قيل كل ذي عاهةٍ جبار. والتجبر طغيان وهو عكس "التوازن".
إن إدراك النقاد العرب لقضية سلامة الطبع في الحكم الجمالي خطوة جيدة، فهم بذلك يرتفعون بالحكم الجمالي، ويبعدونه عن مجرد التذوق العام، إلى مصاف الدرس والتقنين.
فهم لا يقبلون حكم العامة على النصوص الفنية بل كما يؤكد "علي الجرجاني": "بل المهذب الذي قد صقله الأدب، وشحذته الرواية وجلته الفطنة، وألهم الفصل بين الرديء والجيد، وتصور أمثلة الحسن والقبح" (3) .
ولقد ذهبوا إلى أكثر من ذلك، عندما جعلوا النص الجميل معياراً على الطبع السليم أو الطبع المألوف.
فكما اتخذوا من الطبع السليم معياراً لتذوق الأعمال الجميلة، فإنهم جعلوا من الأعمال الجميلة عندما تعرض على المتلقين معياراً لسلامة الطبع أو فساده.
فهذا "أبو حامد الغزالي" يؤكد هذه الحقيقة بقوله: "من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحية، زائد في غلظ الطبع" (4) .
إن "الغزالي" يجعل سلامة الطبع مقرونة بـ "الاعتدال" أو "التوازن" ويجعل فساد الطبع دليلاً على خلل "توازن" الشخص.
مما سبق توصلت إلى نقاد العرب اشترطوا لتذوق النص الجميل المتلقيَ ذا الخبرة بفن القول السليمَ الطبع.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1301  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 38 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.