شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أولاً: الجمال في المفهوم الإغريقي:
إن المطَّلع على الأدب الإغريقي لا يستطيع أن يفصل بين الفضيلة والجمال. فإنه لا يكاد يقع على حكم لهم في الجمال إلا ويرى في العمل الأدبي فائدة ما إلى جانب المتعة. هذه الفائدة قد تكون فائدة فلسفية، أو أخلاقية أو تاريخية أو تعليمية.
وليس معنى هذا أن اليونان اتخذوا من الأدب منابر للوعظ والإرشاد، بل لقد حرصوا على الارتقاء بالمستوى الفني للأدب، واهتموا بالصياغة والشكل اهتمامهم بالمضمون.
"فقد سما شعراء اليونان القدماء إلى مرتبة عالية من الفن وكانوا جميعاً -بطريق غير مباشر- من دعاة الفضيلة الصارمين" (1) .
ولن أتطرق إلى تفاصيل النظرة اليونانية إلى الأدب، لأنها قد تجرني إلى الحديث عن الفلسفة – وهذا ما لا أسعى إليه – وإنما يكفيني أن أقف على رأي علمين من أعلام الفكر اليوناني: أفلاطون وأرسطو.
أ – الجمال عند أفلاطون:
لقد اتخذ "أفلاطون" موقفاً عدائياً من شعراء المحاكاة وشعراء المسرح، حتى إنه أبعدهم عن مدينته الفاضلة، وكان ذلك بسبب نظرته إلى المحاكاة نفسها؛ فشاعر المحاكاة لا يصور الحقيقة نفسها وإنما يصور المظهر المنعكس عن الحقيقة، والذي يجعله يتخذ شخصيات متعددة؛ نبيلة أو شريرة. يقول: "فمن خصائص دولتنا وحدها أن الحذّاء فيها حذَّاء فحسب وليس ملاَّحاً في الوقت نفسه، وإن الزارع زارع فقط وليس قاضياً في الوقت ذاته، وأن الجندي جندي وليس تاجراً كذلك، كذا الأمر في الجميع. وعلى ذلك فإن ظهر في دولتنا رجل بارع في محاكاة كل شيء وأراد أن يقدم عرضاً لأشعاره على الناس فسوف ننحني تبجيلاً له وكأنه كائن مقدس معجز رفيع، غير أن علينا أن ننبه كذلك بأن أمثاله لا يسمح بوجودهم في دولتنا إذ إن القانون يحظر ذلك" (2) .
ثم إن الشعر في نظر "أفلاطون" يشحن العواطف ويثيرها، والعواطف يجب أن يسيطر عليها دائماً لأنها سبب "التوازن" النفسي الذي هو أساس الفضيلة. يقول عن الخلط في المشاعر: "في مشاهدة التراجيديات يستمتع الناس ببكائهم" (3) .
فإذا كان لا بد من الشعر فليكن الشعر الذي يبحث عن الجوهر والحق والخير، ساعتئذٍ يسمح له بالبقاء في مدينته الفاضلة.
يقول: "فلنعلن جهراً بأنه إذا استطاع شاعر المحاكاة الذي يستهدف اللذة أن يثبت بحجة ما أنه يستطيع أن يحتل مكانة في الدولة المثلى فسوف نقابله بكل ترحاب، إذ إننا ندرك ما له علينا من سحر" (4) .
إن "أفلاطون" يقدر اللذة المثارة من الشعر، ويحذر منها لذا يقول في "محاورة القوانين": على من يسعى إلى أجمل الموسيقى ألا يبحث عما يبدو لذيذاً، بل يبحث عن الصحيح (5) .
إذاً فهو يجعل الصحيح هو الجميل وليس اللذيذ، لأنه يعلم خطورة اللذة وحدها في الكشف عما هو جميل، لأن ذلك يعود إلى النفوس والنفوس تتعرض لمؤثرات قد تجعلها تلتذ بما هو قبيح.
وهناك عنصران آخران يرتكز عليهما الجمال في نظره هما:
التناسب والوزن. يقول في ذلك: "إن الوزن والتناسب هما عنصرا الجمال والكمال" (6) .
لقد اهتم "أفلاطون" كثيراً بقضية "التوازن" والوسط الذهني وكانت أكثر آرائه خاضعة لهذه الفكرة ويكفيني رأيه في الجمال بشكل عام قوله: "كل ما هو عادل فهو جميل" (7) .
ب- الجمال عند أرسطو:
تكاد تتشابه آراء "أرسطو" مع آراء أستاذه "أفلاطون" فإنه يرجع الجمال مباشرة إلى الفائدة. فيقول "السبب في البهجة الناجمة عن رؤية اللوحة هي أن الإنسان في الوقت نفسه يتعلم – يجمع معنى الأشياء – إن الإنسان فيها كيت وكيت" (8) .
وللفن عند "أرسطو" غاية متى استطاع تحقيقها كان جميلاً، فهو يقول في كتابه "السياسة": "يبدو أن الطبيعة تحب الأضداد، وتحدث التناغم فيها لا من التشابهات، والفنون تحاكي الطبيعة في هذا المجال" (9) .
فالطبيعة في نظره تحدث "التوازن" بين الأضداد، والفن هو محاكاة الطبيعة، لذا كان هدف الفن في نظره هو محاكاة تحقيق ذلك "التوازن"، ومتى أفلح الفن في هذا فإنه يستحق صفة الجمال. يقول: "عندما تعجز الطبيعة يأتي الفن لمساعدتها" (10) إنه يجعل للفن مسؤولية إتمام "التوازن" الذي قد يفقد في الطبيعة. إذاً فالجمال عند "أرسطو" ينحصر في الفائدة وفي "التوازن".
ولقد اهتم "أرسطو" أكثر من "أفلاطون" بالشكل. فإني أجد عنده آراء في الصياغة والتشبيهات وما إلى ذلك من أمور تتعلق بشكل الأداء فيقدم رأيه في صياغة الشعر مثلاً فيقول: "بما أن المأساة محاكاة لأناس أفضل منا، فعلينا أن نتبع طريقة مهرة الرسامين. فهؤلاء حين يريدون تقديم صورة خاصة من الأصل، يرسمون صورة أجمل من الأصل، وإن كانت تشابهه. وهكذا حال الشاعر. فإذا حاكى أناساً شرسين أو جبناء أو فيهم نقيصة من هذا النوع في أخلاقهم، فعليه أن يجعل منهم أناساً ملحوظين فيما هم عليه. مثل أخيليوس عند أجاتون وهوميروس" (11) .
وهنا يبدو اختلاف "أرسطو" عن أستاذه "أفلاطون" في نظرتهم الجمالية لشعر، فبينما حرص أفلاطون على قرب الشاعر من الحقيقة، سمح "أرسطو" للشاعر بالمبالغة في الوصف من أجل خدمة الهدف الذي يتفق عليه الاثنان وهو إبراز الفضيلة للجمهور. ومن أجل هذا الهدف سمح أرسطو للشاعر بهذه التجاوزات. لذا فهو يقول: "أما إذا أدخل الشاعر الأمر اللامعقول، وعرف كيف يضفي عليه مظهراً من الحقيقة، فله ذلك على الرغم من استحالته" (12) . ولكن هذه التجاوزات ليست دائماً إنما فقط إذا وجد الشاعر أنها تخدم الغاية من الفن، أي تخدم إعادة "التوازن" للطبيعة، أما إذا لم تفد هذا الغرض، فليس على الشاعر إلا إبراز الحقيقة فقط. لذا فهو يقول: "فإذا وجد في الشعر أمور مستحيلة فهذا خطأ، ولكنه خطأ يمكن اغتفاره، إذا بلغنا الغاية الخاصة بالفن. على أنه إذا أمكن بلوغ الغاية على نحو أفضل أو مساوٍ مع احترام الحقيقة فإن هذا الخطأ لا يمكن اغتفاره، إذ ينبغي ألا يكون هناك أدنى خطأ ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً" (13) .
إذاً فجمال الشعر عند "أرسطو" ينحصر في الفائدة وفي إحداث "التوازن" عن طريق إكمال ما في الطبيعة من نقص.
وأرجّح أن ما سبق من عرض بعض آراء "أفلاطون" و "أرسطو" كافٍ لاستخلاص النظرة الجمالية عندهما. وألخصها في:
1 – أن الجمال عندهما يكمن في كل ما هو خير.
2-أن الجمال لا يتحقق إلا بـ "التوازن".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1352  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج