شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الأستاذ الشاعر الكبير الأستاذ أحمد سالم باعطب ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد..
فإن خير تحية يحيي بها المسلم أخوته المسلمين هي تحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم إنها لفرصة أتاحها لي راعي الاثنينية سعادة الشيخ الفاضل عبد المقصود محمد سعيد خوجه حسن ظنٍ منه بي، حيث طلب مني أن أشارك في هذه الأمسية بقصيدة أو كلمة ألقيها ترحيباً بضيفه سعادة السفير والشاعر المبدع أحمد بن محمد السقاف، وبالحضور أيضاً الذين جاءوا يحتفون به، فالمحتفي والمحتفى به جديران بالتكريم والاحتفال.
 
لقد أطلقتُ خيول خيالي تجوب الفضاء وتزرع الآفاق لعلها تحمل إليَّ مطلع قصيدة يهيئ لي السبيل إلى جدول رقراق من الشعر أبُلُّ به عطشي وأطفئ به لهفتي واشتياقي إليه، فقد حُرمتُ صحبته وعناقه منذ فترة، لكن عيوني التي ظننت أنها ستسعفني وتمد إليَّ يدها لتدلني على روضة ناديةِ الأغصان تأسر الألباب ويهيم بها الشيوخ قبل الشباب، لكنني رجعت بخفي حنين صفر اليدين أعض على أصابعي ندماً، وما بلغت من أحلامي حلماً فتذكرت موقفاً صلباً وقفته ذات يوم ضد شيطان الشعر، سفَّهت فيه آراءه فهجر لقائي وقطع حبال صِلاتي به، ولذلك حينما حاولت قبل ليلتين أن ألتقي به رفض وأصر على عدم الالتقاء به، وذكَّرني بأبيات قلتها ذات يوم شم فيها رائحة الهجر، وهذه الأبيات هي :
 
سلِمت يداكِ حبيبتي
وسَلِمْتِ لي حلماً وعمرا
أحرقتِ ثرثرتي التي
أقبضتها فجُزيتِ خيرا
الشعر بدَّل جلده
فاعتل قافية وبحرا
وهجرت أوزان الخليل
وعفتُها عجزاً وصدرا
وسئمت هذا النثر موزوناً
وذاك الشعر حُراً
الشعر في عصر الخمول
هزيمة للضاد كُبرى
أرغى وأزبد بالغُثاء
وشوَّه الماضي وأزرى
نُصغي فلا ندري بما يُلقى
ولا ملقِيه أدْرى
 
ولما سمع شيطان الشعر هذا الكلام قال :لِمَ تحدثت عني بالأنثى المخاطبة، وأنا أمامك ذكر، قلت: لكن هذا ليس ذنبي إنما أبو النجم العجلي هو الذي قال:
 
إنني وكل شاعر من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
 
فهو الذي اتهم الشعراء جميعاً بأن شياطينهم من الإناث ولا شيطان ذكر إلا شيطانه هو، فأغلق شيطان الشعر هذا أبوابه في وجهي وتلمست طريقي إلى النثر لعله يمد يد العون والمساعدة فتم ذلك.
 
أيها المحتفي الفاضل بضيفه الكريم لن أقول لك ما قاله ذات يوم أو ذات مساء في هذه الساحة الشاعر العربي الكبير عمر أبو ريشه :إن هي إلا فتنتك يا عبد المقصود، ولكني أقول إن هي إلا ليلتك يا عبد المقصود، أزهارها قلائد وعقود، وساعاتها مضمخة بالطيب والعود، وضيفك باللقاء سعيد، وأنت تضفي على الجميع من بشاشة وجهك وسماحة خلقك جوداً على جود، فهنيئاً لك وهنيئاً لضيفك، وهنيئاً للحضور بهذه الساعات التي نعيشها في ضيافة الأدب والثقافة والذكريات السعيدة، فضيفك يا عبد المقصود من أسرة شاعرة، ترعرع الشعر في رياضهم، يذود عن حياضهم وتروي الأيام بدائعهم، وتنشد روائعهم، ولطالما تركوا لهم مَعلَماً في كل منحنى يشهد لهم بالنبوغ والتفوق.
 
ويأتي على رأس قائمة هؤلاء الشعراء السفير الشاعر ضيف هذه الأمسية، فما زال دوي
القصيدة التي ترنم بها يوم تحررت الجزائر واستسلمت لإرادة الشعب الجزائري وفرضت إرادة شعبها على كل طامع جبار، ولن أكون مبالغاً إذا قلت إن هذه القصيدة قد نالت من الإعجاب والاستحسان قدراً كبيراً، لكنني لا أحفظ إلا أبياتاً قليلة، يقول شاعرنا الكبير ضيف هذه الأمسية :
 
قليل أن نزفَّ لك التجلَّة
وأن نشدو بفضلك يا ابن بِلَّة
توحدت المشاعر في كفاحٍٍ فريدٍ
لم ترَ الغبراءُ مثله
وما أرض الجزائرِ غيرُ أرضي
بقلب تُفتدى مني ومقلة
أُقبِّلُ بثراها كل شبرٍ
بكل جوارحي مليون قُبلة
وقد جهلت فرنسا أي جهلٍ
فليست ثورة الأحرار سهلة
 
لذلك فإنني أستميح الضيف العزيز عندما تعطى له الكلمة أن يجود كرماً منه بقراءة القصيدة كاملة، بقيت لي كلمتان: كلمة قبل الختام، وأخرى بعد الختام، أما الكلمة التي تسبق الختام فهي: أن سعادة السفير الضيف قد أخفى من سيرته الذاتية معلومة ذات أهمية كبرى، لم يُخفِها خجلاً منها حاشا لله ولكنه كما يبدو لي أنه أخفاها تواضعاً منه تواضع الكبار، وهذه المعلومة التي حاول سعادة السفير –الضيف- أن يلقي عليها حجاباً من الكتمان لتظل تلك الحادثة كافية لمحوها من سجل التاريخ، لكن الذين يحرصون على متابعة خطوات العظماء يحصونها خطوة خطوة ويطبعونها في ذاكرتهم يسترجعونها كلما لزم الأمر، والآن هل أبوح بالسر أم أدع سعادة السفير الضيف أن يتحدث عنه بنفسه لكنني أفضل أن أفوز بقصب السبق، إذن فاستمع للحكاية من البداية إلى النهاية أو من الألف إلى الياء، أو بلغتنا الدارجة (من طقطق للسلام عليكم).
بعث إليَّ المكتب الخاص بسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه السيرة الذاتية لسعادة الضيف لأستعين بها في إعداد كلمة ترحيبية بضيفه وقرأت تلك السيرة من القمة إلى السفح، ثم من السفح إلى القمة، غير أني فشلت في العثور على الدرة المفقودة في العقد الثمين، وبعثت عيوني لتبحث عنها وتحضرها إليّ وها أنا ذا أعلنها صريحة وواضحة وأقدمها إليكم مشرقة الوجه باسمة الجبين، لم تعبث بها الأيام ولم تغير ملامحها السنون.
إن ضيف عبد المقصود الذي أضاء بوجوده هذه الاثنينية وأدخل البهجة والسرور في مهجة الداعي والحضور كان في عنفوان شبابه فارساً يعشق السلاح ويشارك في الدفاع عن أرضه ويبادر بالتلبية كلما نادى منادٍ بالدعوة للجهاد مسرعاً مجيباً مخلصاً في إجابته، فعندما اشتعلت الحرب بين المسلمين واليهود في فلسطين في العقد الخامس من القرن العشرين الميلادي، انطلق مسرعاً وانخرط وانضم إلى المجاهدين الذين قادهم البطل عبد القادر الحسيني، وكان عنصراً فعالاً مع أخوته المجاهدين ومثار حماس لهم، وفي إحدى الطلعات التي كانت تقوم بها الطائرات البريطانية جُرح البطل، فكان ذلك الجرح وساماً ثميناً لا يزال يفتخر به، وسيظل فخوراً به ونحن كذلك سنظل به فخورين.
إن أحمد بن محمد السقاف ليس شاعراً فحسب ولا سياسياً فحسب، لكنه كوكبة من الرجال تشكلت في روحه.. في بذله.. في تضحياته.. أليست هذه الدُّرة الثمينة والجوهرة المكنونة والتي حاول الضيف أن يخفي معالمها فنحرم من الإشادة والافتخار بها جديرة بأن نشيد بها، بقيت كلمتان :كلمة الختام، وكلمة ما بعد الختام، فأما كلمة الختام :فهي أن مجموعة من الأخوان سألوني عن سعادة الضيف الكريم فقلت لهم :لقد ظفرت برؤيته ذات يوم في أحد مهرجانات الجنادرية تحوط به كوكبة من الصحفيين وعدد غير قليل من رواة الأخبار، فتخيلته عنقاً تحوط به قلادة، وما هي إلا ثوانٍ حتى ازدحم المكان فتذكرت عندئذٍ البيت القائل:
تكاثرت الظباء على خراشُ
فما يدري خراشٍ ما يصيد
ورجعت بخفي حنين صفر اليدين ولم أستطع الوصول إليه حتى أبلغه تحياتي وسلامي. وأدركت حينئذ الأهداف النبيلة التي يسعى إليها الرجل الفاضل عبد المقصود من احتفائه بالشخصيات النادرة ذات العطاء المميز، وهو لا يطلب على ما يقدم جزاء ولا شكوراً.
 
أما كلمة ما بعد الختام فتحية وتهنئة نابعتان من قلبي بعودة المحتفي من رحلته العلاجية مكللاً بالصحة والعافية، وشكراً يعبق مني وفاءً وإخلاصاً وحباً على دعوته لي وإلحاحه بالعودة إلى ساحة الثرثرة وقد حسبت أنني لن أعود إليها، لكن عبد المقصود جزاه الله خيراً يأبى إلا أن يكرم ضيوفه كل أمسية بزاد العقل علماً ومعرفة وثقافة ثم يتبع ذلك بزاد المعدة، بارك الله له فيما أعطى وفي سعيه وزاد في أجره. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :705  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 41 من 85
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج