شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مبدعون إنجليز.. واعترافات جريئة قبل رحيلهم
تختلف رؤيتنا للحضارة الغربية المعاصرة؛ فهناك من يقف منها موقف الانبهار الكامل فلا يقبل نقداً لها أو مناقشة حول سلبياتها، كما أن هناك الموقف المعادي والرافض لكل ما هو غربي وكلا الموقفين يصل بصاحبه أو مُتبنيه لطريق مسدود. فالحضارة الغربية فيها ما هو حسن فيجب الاستفادة منها لأنها الحضارة التي تشكلت من حضارات سابقة، وفي مقدمتها الحضارة العربية والإسلامية وإن كان الغربيون كما تذكر الباحثة (زيغريد هونكه) لا يعيرون اهتماماً للحقبة التي حمل فيها العرب والمسلمون لواء الحضارة الإنسانية فتحدث عن حقبة ما قبل القرون الوسطى وما بعدها فتقول (هونكه) بكثير من الصراحة والموضوعية (ولم يكن هناك أ حد ليمنح أوروبا ما قبل القرون الوسطى أي اهتمام أو ليمنح الأحداث التي جرت في العالم خلال تلك العصور أية أهمية أيضاً، وأمّا أن يكون العرب في جوار قريب لها وأن يكون هذا الشعب رائداً لغيره من الشعوب في أنحاء الدّنيا في غضون سبعمائة وخمسين عاماً حاملاً مشعل الثقافة ردحاً من الزمن، جاوز عصر الإغريق الذهبي أكثر من أي شعب آخر فهذا أمر من يعلم به؟ ومن يتحدث عنه؟ [انظر شمس العرب تسطع على الغرب، (زيغريد هونكه) ط10، 1423هـ-2002م، ص: 12].
في الآونة الأخيرة بدأت العديد من الدوريات والصحف الغربية الرصينة في إلقاء الضوء على المشاكل التي تعاني منها المجتمعات الغربية وخاصة تلك المتصلة بالسلوك والعادات والتقاليد، وقد استرعى انتباهي ملاحظات هامة وردت في مقالات رثائية أدبية لشخصيتين بريطانيتين، أحدهما عن (داي لي ويللين: Sir, Dai Liewellen) والذي كان نائباً في مجلس نواب منطقة ويلز والذي ورث لقب (سير) عن والده الذي حقق بطولة الأولمبياد الذهبية، ولقد تحدث (داي) في مقابلة أجرتها معه الصحيفة المصنفة ضمن تيار اليمين المحافظ (الديلي تلغراف) في شهر نوفمبر الماضي، تحدث فيها بأسلوب تراجيدي عن رحلته المضنية مع داء السرطان حيث يصنف و –داي- بأنه راوية، وبارع في سرد القصص.
في روايته مع هذا الداء العضال أعاد داي معاناته المرضية لإسرافه في تناول (الخمر)، يقول داي: لقد كنت أعيش في أجواء خيالية من المتعة، بل كنت أتخيل عند تناولي لها أي للخمرة، بأنها أعظم متعة في هذه الحياة، ولكن هذه المتعة الخيالية والوهمية أودت بحياتي التي ربما كنت قادراً على الاستمرار فيها لولا إدماني على شرب المسكرات بأنواعها المختلفة، ومضى (داي) يستعيد في اللحظات العصيبة من عمره الذي لم يتجاوز الثالثة والستين كيف أنه في إحدى الأمسيات الاجتماعية الحافلة بالصخب أنه تناول إحدى عشر قنينة من الخمور المختلفة ويأتي في مقدمتها النبيذ الأسكتلندي المعروف بتأثيره السلبي على عقل الإنسان، وقد كان (داي) يجمع بين السياسة والأدب في حياته، التي أولتها اهتماماً صحيفة الديلي تلغراف في ملحقها الأدبي والفكري والفني الأسبوعي 29 يناير- 4 فبراير، 2009، ص29).
وكذلك احتفت الصحيفة في نفس العدد بشخصية الروائي والكاتب المسرحي (سير جون مورتمير) Sir- John-Mortimer، ولقد تحوّلت العديد من مسرحياته لأعمال درامية تلفزيونية منذ الستينيات الميلادية، ويعتبر النقاد أن مسرحيته التي عرضها التلفزيون البريطاني سنة 1969م والتي حملت اسم: (voice of my Father) من أنجح الأعمال المسرحية المثيرة للعاطفة الإنسانية، وإذا كانت شخصية (داي) عرفت بقدرتها الفائقة على السرد القصصي والإخباري وخصوصاً عند تناوله للموضوعات التي تتلاءم مع اهتماماته الفكرية والسياسية، فإن (مورتمير) عرف كذلك خطيباً بارعاً في منتديات اليسار البريطاني.
ومع هذه الشهرة التي حظي بها "مورتمير" قاصاً وروائياً ومسرحياً فإنه أضحى يشعر بالوحدة والكآبة في أخريات حياته، فلجأ إلى تناول المسكر مع إفطاره كل صباح وخصوصاً بعد أن أبلغ أن هناك ابناً له لم يتعرف إليه من قبل لأنه كان نتيجة علاقة غير شرعية، وهو الأمر الذي أضحى –أيضاً- يشكل قلقاً كبيراً عند المنظرين للحضارة الغربية المعاصرة التي أدت بها المادية المفرطة لكثير من المشاكل الاجتماعية المستعصية، ولقد حذر المفكر الغربي "أرنولد توبيني" قبل أكثر من نصف قرن Arnold- Toynbee، من بعض هذه المظاهر الخطيرة التي يرى أنها وليدة الحياة الاجتماعية الغربية و"البروليتاريا" العالمية الحديثة، وأنها تهدد مستقبل هذه الحضارة ومن أبرز هذه المظاهر السلبية التمييز العنصري والخمر: يقول المفكر "توبيني "Toynbee، إلا أنه باستطاعتنا أن نميز بعض مبادئ الإسلام التي إذا طبقت في الحياة الاجتماعية للبروليتاريا العالمية الحديثة يمكن أن تأتي بنتائج حسنة مفيدة لهذا المجتمع الكبير في المستقبل القريب، فهناك مصدران من مصادر الخطر الأول نفسي والثاني مادي في العلاقات الحاضرة بين البروليتاريا العالمية وبين الفئة الحاكمة في مجتمعنا الغربي ومصدرا الخطر هذان هما "التمييز العنصري" و"الخمر".
ويعترف "توبيني" بأن علاج هذه المشاكل كانت ومازالت، تشكل تحدياً في مسيرة الحضارة الغربية، ويكمن هذا العلاج من وجهة نظر توبيني في الاستفادة من تعاليم الإسلام حيث يقول موضحاً هذه الحقيقة الهامة "وفي مجال الصراع ضد هذين الشرين نجد للفكر الإسلامي دوراً يؤديه ويبرهن فيه، إذا سمح له بتأدية هذا الدور، عن قيم اجتماعية وأخلاقية سامية، فعدم وجود التمييز العنصري بين المسلمين هو أحد أبرز الإنجازات الأخلاقية للإسلام، والعالم المعاصر في وضعه الراهن بحاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية. [انظر: الإسلام والغرب والمستقبل، أرنولد توبيني، تعريب: د. نبيل صبحي، دار العربية، بيروت، ط1، 1389هـ- 1969م، ص: 62].
لقد قادنا إلى مقاربة هذا الموضوع تلك الاعترافات الصادرة عن بعض الشخصيات الفكرية والأدبية والسياسية ـ وهو أمر يميز الفكر الغربي ويحسب، له حيث نجد هذه الاعترافات مبثوثة في مذكرات وسير هذه الشخصيات والتي يمتزج في كتابتها الأدبي بالاجتماعي والسياحي حتى ليصعب عليك أحياناً تصنيف هذه الشخصيات أو تأطيرها ضمن فن أو مجال بعينه، وتلك الاعترافات تعكس في نفس الوقت المأزق المادي الذي يواجه الحضارة الغربية، وهو أكثر ما يكون جلاء في الحقبة المعاصرة ومما يؤسف له هو عدم اهتمام المؤسسات العربية برصد هذه القضايا رصداً علمياً وموضوعياً بعيداً عن الانبهار أو الانغلاق، فكلاهما يضر بالرؤية العلمية والمحايدة عند مقاربة القضايا الحضارية، ولعله من المفيد والأجدى لنا هو أن نعكف على قراءات الأعمال النقدية للكتاب الغربيين أنفسهم، ثم تقديمها للقارئ العربي الذي يعيش أيضاً هو شيئاً من الحيرة إزاء هذه الحضارة ونتاجها المادي والفكري والثقافي والأدبي.
 
 
طباعة
 القراءات :267  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 4 من 100
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.