شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رياح ثلاث (1)
الريح التي تعصف في الجو معروفة، فأما الأخريان فأولاهما ريح العقل الذي يزن ويقايس، ولا ينشد إلا المثل العليا والأحلام اللذيذة الخالدة وأما أخراهما فهي ريح النفس، وهي لا تهب إلا مشوبة بالأطماع الذاتية مدفوعة بالمآرب والشهوات الملتصقة بالجسد كل التصاق. فتلك رياح ثلاث!..
رُبَّ ريحٍ عَصَفَتْ مجنونةً
كم فضاءٍ لاذَ عنها بِفَضَاءْ
كلّما اشتدَّتْ رأيتَ الأرضَ من
فَزَعٍ تَرْكَبُ آفاقَ السّماءْ
وترى الأشجارَ فيها رُكَّعاً
سُجَّداً تبعثُ آهاتِ الفناءْ
حَطَّمَتْ منها جُذولاً، وارْتَمَتْ
بغصونٍ، وتلاشت في الهواءْ (2)
كلّما رَنَّتْ لها قَعْقَعَةٌ
انْبَرَتْ أخرى بأنَّاتِ وَلاَءْ
ومضَى الطّيرُ بلا وَكْرٍ ولا
صاحبٍ، يُرْسِلُ ألوانَ الغِناءْ
صادحاً، فاعْجَبْ له من ساخرِ
في يديهِ الموتُ والعيشُ سَواءْ
امْتَطى قِمَّةَ صَلْدٍ، فعلى
هذه الدّنيا -إذا غَنَّى- العَفاءْ
ونباتٍ ذبَ عنه لِينُهُ
فنجَا من بَعْدِ أن عزَّ النَّجاءْ
واجَهَ الرِّيحَ بِلَدْنٍ ناعمٍ
يتَثَنَّى معها أحْلَى انْثِنَاءْ
رُبَّ رُخْوٍ، وله من دهرِهِ
مَطْمَعٌ يُسْنِدُهُ بالارتخاءْ
وقويٍّ ذهَبَتْ قُوَّتُهُ
عبَثاً، ما صَدَّتِ الدّاءَ العَيَاءْ (3)
* * *
غارةُ الرّيحِ لها ما بعدها
جمَعَتْ ما طابَ إحساساً وَسَاءْ
أنا من عقلي في ريحٍ، ومن
مهجتي في نَسْمَةٍ منها رَخاءْ (4)
بَرَدَتْ نفسي، فما من أمَلٍ
وأشاحتْ عن أحابيل الرَّجاءْ
واستوى الطيبُ لديها بالأذى
واستراحتْ رغم تَبْريِحِ العناءْ
ويثورُ العقلُ -كالرِّيحِ- وقد
نَكَأَتْ أجْراحُهُ بالكبرياءْ
هائجاً تَهْدِرُ في أشداقِهِ
حُجَجٌ يَحْسَبُها ذاتَ غَناءْ
تَعِسَ المنْطِقُ! ما أخْيَبَهُ
حين يَسْتَغْني بِعَجْزٍ أو هُراءْ
قُوِيسَتْ فينا المنايا بالمُنى
واستوى كلُّ غباءٍ وذكاءْ
* * *
ما أحَسَّ الريحَ في مُهْجَتِهِ
رَجُلٌ إلاَّ انتهى شرَّ انْتِهاءْ
تتنَزَّى منه في أطماعِهِ
زَعْزَعٌ ذاتُ عُرامٍ واشْتهاءْ (5)
فإذا غايةُ ما يَنْشُدُهُ
مَنْصِبٌ أو ثَرْوَةٌ ذاتُ امْتِلاءْ
وإذا النفسُ خَوَاءٌ في الهوى
نُبِذَتْ نَبْذَ أديمٍ بالعراءْ
وإذا العقلُ، وما زَيَّنَهُ
وتَوَخَّاهُ، مُحالٌ وادِّعاءْ
وأْدُكَ النَّفسَ إذا قَهْقَرْتَها
بين مَرْذُوليْن من زادٍ وماءْ (6)
كلّما فاضا، ظننتَ النّفسَ قد
أدركتْ من كلِّ شيء ما تشاءْ
رُبَّ ريحٍ ذاتِ بَرْدٍ ونَدَى
بعد أخرى ذاتِ حرٍّ والْتِظَاءْ
فاخْتَلِسْ من ريحِك المُزْجَاةِ ما
كان أحْرَى حيثُ يَهْفُو بالبقاءْ (7)
 
طباعة

تعليق

 القراءات :501  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 241 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.