شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من خلال المنظار
سمو الأمير عبد الله بن عبد الرحمن
أدب وعلم ورزانة (1)
هذا المنظار الذي سآخذه اليوم لا يزيف في التكبير ولا يخدع في التجسيم، ولكنه سيفصح لنا عن أخفى السمات، وسيكشف عن أدق الخلايا، وسنعرض على القراء صوراً مما يتيحه لنا النظر وراء هذا المنظار الذي سنرتفع به عن الزيف والخداع.
وأنا امرؤ أمقت التكاليف، والمقدمات الطويلة، وأحب دائماً أن أبلغ غرضي في سهولة وانطلاق، فإذا بدأت بالتحدث عن شخصية صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد الرحمن أخي جلالة الملك المعظم (2) ، فذاك لأني كنت منذ زمن أتحدث عنه في نفسي دائماً، وتخايلني صورته حيناً بعد حين، وإذا رأيته مرةً في سيارته، طفقت أتمثله وأتصوره، وأطبق بين ما أراه وما أسمعه عنه، وتمتزج بعض الحقائق ببعض الأخيلة -ولا حقيقة بلا خيال- وأمضي أجمع بين أشتات من المعلومات والمسموعات قيلت عن سموه أو نسبت إليه، أو اقترنت به في حالة من الحالات الجوهرية أو العرضية، حتى تتكامل الصورة، وتتسلسل الحلقات وتتم النسب بين الظلال والألوان، فإذا هي صورته لا غبار عليها، ولا ريب فيها، ولا يطغى عليها الخيال الذي مهما شط أو ازداد فإنه لا يعدو كونه إطاراً لا يصلح إلا بها وهي تصلح بدونه، وإلا فما معنى الإطار بلا صورة؟
علم الأمير أو ثقافته التاريخية، أو تضلعه في اللغة ومفرداتها، أو تغلغله في زوايا التاريخ العربي الإسلامي الخفية التي تتخاذل فيه الأدلة، فلا يثبت منها إلا الدليل الذي يسوقه سموه على وجهة يبتغيها أو معنى يريده أو ناحية يجليها، ومكتبة سموه الفخمة الكبيرة التي تضم من كل كتاب قديم أو حديث نسخة أنيقة مجلدة، ومتابعته ركب المعرفة الحديثة في صحفها وكتبها العلمية ودراساتها الضافية وتحقيقاته الجغرافية والتاريخية التي ينثرها على زائريه والمتحدثين إليه كلما ادلهمت مشكلة تستعصي على النقاش، أو استبهم أمر يأخذ على الحقيقة الصحيحة متوجهاً.
كل ذلك معروف مألوف لدى من يعرف سموه ومن لا يعرفه إلا بالسماع، وكل ذلك لا مراء فيه، ولا جدال عليه.
وشخصية الأمير الاجتماعية الرزينة لا تختلف عن شخصيته العلمية والأدبية إلا بمقدار ما تستلزمه الصفة الخاصة بشخصية عن شخصية، فهو رزين هادئ الطائر خفي الجائشة حتى في محاوراته العامة، ولا يكاد يبدو عليه أي تأثر أو انفعال، وابتسامته تبين الكثير في خصائصه النفسية حين يرى أن الجدال قد طال -على انحراف وإملال- فلا يجد عندئذ بداً من أن يضرب ضربته النهائية الحاسمة التي تجلو الحقيقة بالبرهان القاطع، والرأي الأكيد السديد.
وسموه خير مرجع عند اضطراب الآراء في فلسفة تاريخية أو تحقيق اسم علم من الأعلام، أو موضع من المواضع للكثيرين من الجغرافيين والمؤرخين، وكلمته في كل بحث، هي فصل الخطاب ومقطع حيرة المرتاب.
وهو معجم ما استعجم للقبائل العربية وفخوذها وبطونها ومن تفرق منها بعد اجتماع، وما تقاربت بحلف أو رحم، وما انتأى منها عن منتجعه الأول واختلاف أسماء القبائل بعد الأسماء التي اشتهرت بها أو عرفت، إلى غير ذلك من معلومات متفرقة اجتمعت في شخصه الكريم، وقل أن تجتمع في عصر من العصور لعالم من العلماء.
وأحسب أن طريقة سموه في التفكير غير صخابة ولا مندفعة؛ فالسكينة ألزم صفة من صفاته، والتؤدة أوضح سمة من سماته، وإذا اجتمعت السكينة والتؤدة مع العقل الراجح والعلم الوافر، والخبرة المستوفاة في إنسان، فقد استوفى أهم مميزات العلماء الإنسانيين النافعين الذين يفيضون على الناس من علمهم وروحهم نوراً وخيراً، ولا يستغلون العلم لمصالح شخصية أو مآرب فردية، ولا يتخذونه وسيلة إلى حطام أو سلطان، كما يفعل الكثيرون في كل زمان ومكان.
دام الأمير ودام فضله وازداد على الأيام كرمه ونبله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :418  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.